حوار مع الشاعرة والفنانة التّشكيليّة غلاديس عودة ونور أحمد الأسعد تختم الحوار الشّاعِرَة غادة الخرسا

أجرت الحوار الأديبة حنان رحيمي

علامة فارقة في عالم الإبداع شعراً ونثراً وريشة..وعلامة مشعّة عالميّاً في مجال العمل..
حملت تعب الحياة.. روّضت هبوب الرياح لتتحوّل وشموخ الأرز إلى توأمين…

كأنّها خلقت لرسالتين: قلمها وريشتها وعملها في الترجمة من جهة، وابنتها الوحيدة: نور أحمد الأسعد،حفيدة رئيس مجلس النواب الأسبق كامل بك الأسعد من جهة أخرى.. إذ نشأت «نور» وترعرعت في بيت عتباته موسيقى، ورفوف مكتباته تشهد لساكنيه بنبوغهم في العلم والمعرفة والعطاء. وها هي اليوم ابنة الثماني سنوات شعلة مضيئة تؤلّف الموسيقى، وتعزف على آلة البيانو أشهر السيمفونيات..إضافة إلى عدة آلات موسيقية.
تخطّت في ذكائها الحدود، فسجّلت رقمًا قياسيًّا يفوق المستوى الأعلى في الذكاء.
حين نتساءل: مَن وراءها؟ يكون الجواب: وراءها امرأة ككل العظماء، امرأة ليست كسائر النساء، لكنّها أعظم وأجمل النساء. قليلة الكلام، كثيرة المعاني. يتوه عنها الوصف. تبتسم كلما أحسّت أنّها تعاني. وتستقل الشعر والرسم إذا ضاقت بها المباني.
إنّها الشاعرة والأديبة والفنّانة التشكيلية والمترجمة غلاديس عودة، وكان لمجلّة غادة هذا الحوارالقيّم معها.

س 1. بدايةً لكل إنسان مدرسة ينشأ فيها، فماهي مدرستك المثلى في الحياة؟ وكيف استطعت تكوين هذا الرصيد المعرفيّ الضخم على المستويين: الفنيّ والفكريّ؟
ج. مدرستي هي الاجتهاد..وكان هذا الاجتهاد العامل الأقوى الذي دفعني لحفظ القاموس الفرنسيّ قبل أن أبلغ الثامنة من عمري، الأمر الذي خلق عندي الفضول والرغبة في المطالعة والاطلاع. وبما أنّ العلم بحر واسع لا شطآن له استمرّيت في المطالعة ومتابعة التطوّر العلميّ والثقافيّ والاجتماعيّ حتى تخطت قراءاتي الثلاثة آلاف بين كتاب ومرجع.

س ٢. لكل إنسان مفترق طرق محتوم لا بدّ منه يومًا ما، فما هو مفترق الطرق الذي واجهته في حياتك، وكيف استطعت تطويع الخيارات المتاحة أمامك لتتناسب مع أسلوب حياتك العملية والإبداعية؟
ج. المسؤولية التي حملتها وحدي صقلتني جيدًا، فما كان لي إلا تسخير قدراتي بما أجيده أي «الكتابة»، فطوّرت مهارتي في الترجمة، وحصلت على شهادات عديدة في هذا المجال، كما تمّ تكريمي عام 2018 من قبل مؤسّسة «مترجمون بلاحدود» إضافة إلى منحي شهادة العضوية في نقابة المترجمين الأمريكيّين.

س ٣. ما هي المادّة الأولية للشاعرة غلاديس في رسم نصوصها الشعرية، وما هي الكلمات المفتاحية للرسامة غلاديس في مزج ألوانها؟
الحبّ، الوطن، التضحية الاجتماعية…إلخ؟
ج. كوني أكتب الشعر باللغة الفرنسية، وهي لغة الجمال- وبالتالي في الشعر كما في الرسم مفتاحي الإلهام بكل مكنوناته من إحساس وشغف باللون والحرف في آن معًا، وأكثر ما يتجلّى هذا الإحساس في حبّ الآخر الوطن والذات الإلهيّة. وما إن أشعر بهذا الإحساس حتى تشقّ من ذاتي الأفكار مثل سيمفونية هادرة.

س ٤. حياة في منتصف الموت قدر محتوم لكل إنسان اعتاد العمل الدؤوب فلا أحد معصوم عن المتاعب في الحياة، إذن هل مررت بهكذا تجربة حتمت عليك النهوض من تحت الركام؟


ج. أكيد ككل البشر مررت بمصاعب، ومنها تجربة زواج أليمة كانت الحافز لي، إلا أنّ زواجي السابق كرمني بأن منح لي طفلتي نور في حياتي، فأصبحت أعيش لأجلها فقط، ما جعلني أعيد خلط أوراقي المرتّبة، ولكن غير الأنيقة، لأعيد ترتيبها بشكل يليق بطفلتي وتربيتها على أسس نظيفة، وقواعد تربوية ناجحة، أساسها العلم والثقافة وتنمية الموهبة، وها هي الآن أمامك تؤلّف الموسيقى، وتعزف أروع السيمفونيّات على آلة البيانو، كما إنّها متميّزة في تربيتها وذكائها وتحصيلها العلميّ، أما أنا فإنني أصرُّ على النهوض دائما كطائرالفنيق لمواجهة كل الظروف والتحدّيات.

س ٥. الشاعرة والفنانة غلاديس، ما هو مشروعك المستقبليّ على الصعيدين الفنيّ والأدبيّ؟
ج. نهر الإلهام في داخلي نهرعظيم لايقف في وجهه شيء..في داخلي ينابيع دائمة التدفّق، لذلك فأنا أحضّر لإطلاق ديواني الشعريّ الثالث في الساحة الأدبية عمّا قريب. بالتأكيد سيكون باللغة الفرنسية، وأعمل حاليًّا على صقل محتواه لإخراجه للجمهور بما يتناسب مع ذائقته الأدبية وحسّه الشعريّ الأنيق، أمّا بالنسبة إلى الفنّ التشكيليّ فأنا أرسم باستمرار لوحاتٍ مختلفةً تحيط بجوانب التجارب الحياتية كافّة، ودائمًا أعمل على تطوير اللون، وبعث الحياة في ريشتي، لذلك فأنا أسير بالرسم وفق خطوات تصاعدية مدروسة بالنسبة إلى المعارض أو ما شابه، فلا شيء يلوح بالأفق حتى الآن بسبب انشغالي بالتحضير للديوان الشعريّ الجديد، لكن بالتأكيد لا بدّ من خطوة أكون فيها بين الناس في المستقبل القريب.

س ٦. غلاديس عودة اسم على مستوى رفيع من الشهرة في عالم الترجمة فلماذا تضعين نفسك في الظلّ بالنسبة إلى عالمي الفن والشعر؟
ج. الرسم والشعر أجزاء من ذاتي لا تتجزّأ عنها، وعرض أعمالي على الجماهير يشرّفني بالتأكيد، وأنا أقوم بهذا دائمًا حيث أقمت الكثير من المعارض محليًّا ودوليًّا، كما إنّني أطبع دواوين الشعر باستمرار، حالي حال جميع الأدباء والفنانين، إلا أنني أستطيع أن أناقش هذا الموضوع من منظارين، أولهما أنّ السوشيل ميديا أصبحت تطغى على أساليب النشر والإعلام التقليدية، وتأخذ الكثير من جمهورها، وأنا غير مهتمّة بمنصّات التواصل الاجتماعيّ كثيرًا. أمّا عالم الترجمة فأنا لا أفصله أبدًا عن عالم الإبداع.
في الترجمة فنّ إبداعيّ خلّاق بكلّ معنى الكلمة، ولقد قطعت بها أشواطًا كبيرة باتجاه الانتشار حول العالم، فأنا لا أراني في الظلّ، عندما تمرّ فوقي غيمة صيف عابرة قد تحجبني عن الجمهور قليلًا.

س ٧. ما الشخصية التي كنت تتمنّين لو حاورتِها يومًا؟، ومن الأقرب إلى قلبك اليوم أدبيًّا وروحيًّا؟
ج. كنت أتمنّى أن أحاور السيدة كلارا باردون مؤسّسة الصليب الأحمر، والأديب جبران خليل جبران، إضافة للموسيقيّ المبدع بيتهوفن، والعالم توماس أديسون، والرسّام ليوناردو دافنشي، إلى جانب الشاعر «إي إي كومينغز».
الجميل في الأمر أنّ أقرب الناس إلى قلبي اليوم أدبيًّا ونفسيًّا سيّدة تجمع كلّ هؤلاء في نظري، وأراها موقد الروح الدافئ، وملجأ قلمي وريشتي الدكتورة غادة الخرسا الأمّ والصديقة ورفيقة القلب والدرب يكفيني سعادة واعتزازاً انها جدّة ابنتي..
نور فكريّ وإنسانيّ ابتهجت له مصابيح الحياة يدعى غلاديس عودة «أمّ نور» كما تحبُّ أن نسمّيها، فهل بعد هذا العطاء عطاء؟.
يقول المثل الشعبي: «ما في أغلى من الولد إلا ولد الولد».

ختامها مسك
الأديبة والشاعرة الدكتورة غادة الخرسا أثبتت هذا القول بجدارة، من خلال هذه القصيدة المهداة إلى أحفادها، بحروف نابضة بالحنان والحنين، تختم الحوار الشّاعِرَة غادة الخرسا:

حفيديَّ كامل وليّان لكَم أشتاقُكُما!

يا كاملٌ وليَانُ يا عَينيَّ
مَن مَنَعَ العُيونَ لِقاءَها بالنُّورِ
اُبعِدتُما عنَّي فَصِرتُ ضَريرةً
لا فَرقَ بينَ النّورِ والدَّيجورِ
لقد استَبَدَّ الشَّوقُ بي لأراكُما
كالعِطرِ في شَوقٍ لِغَمرِ زُهورِ

هلْ يا حفيدَيَّ الصَّغيرَيْنِ انْتَسى
ماضٍ كما لو نورُ شَمْسٍ وانْطفَى؟
كَمْ كانتِ الأحضانُ تَنعَمُ بالدَّفا
وقلوبُنا خَفَقاتُ صُبْحٍ والمَسَا!

تَتَذكَّرانِ أوانَ يَدهَمُنا الكَرَى
كيفَ التَّنازُعُ مَنْ بِجَنْبِيَ يَحتمِي
ويقولُ كامِلُ: لِمْ ليانُ ولا أَنا؟!
أَشتاقُ في أحضانِ «تاتي» أرْتَمي

وأَرُدُّ مِن نَبْضِ الأُمومةِ والرِّضا
لِصِغارها تَحنو الطَّريقُ وتَبهجُ
يا كامِلٌ قد كُنتَ قبلاً سالِكاً
واليومَ نُورُ صَغيرَتي تَتَغَنَّجُ

ويَردُ كاملُ: لو ننامُ سَوِيَّةً
ولِلَيلةٍ نَحنُ الثلاثةُ نلتَقي
بحنانكِ الفيَّاضِ يا «تيتَا الهنا»
ونَروحُ نَغْرِفُ من دَفا الحِضنِ النَّقي
في دِفءِ حِضنِكِ أستجيرُ مِنَ الصَّقيعْ
بدونِ غَمرةِ ساعِدَيْكِ أنا أضيعْ
وإذا مَرِضتُ إليكِ دوماً ألتجي
فأرى بوجهِكِ كُلَّ أزهارِ الرَّبيعْ

لا يا حَفيديَّ احتَضنتُكُما وبعد
وفاةِ أُمِكُما أنا الأُمُّ الرِّضا
جُهدي اُعَوَّضُ حُبَّها وحَنانَها
لكنَّ أمْرَ اللهِ كانَ قد انْقضَى

تَتَذكَّرانِ ملاعبَ الأطفالِ
والعيدَ نُمضيهِ بِسَفحِ تِلالِ؟
وكما العصافيرُ.. الفراشاتُ.. الرَُّبى
تشتاقُنا نَلهو بِفيِءِ ظِلالِ

كُنَّا كزهرٍ نَحتمي بِعطورِنا
ونُراقِصُ النَّسماتِ والأطيارَا
وصلاتُنا أنْ يُستجابَ دُعاؤُنا
ونُعانِقَ الحُلُمَ الهَني أحرارَا

وإذا الظَّلامُ يُطِلُّ مع شرَّيرَةٍ
قَطَعَتْ علاقاتِ النَّدى بالزَّهرِ
حَبَسَتْ ثُغورَ الوَرْدِ في أكمامِها
واستَبْدَلتْ فَرَحَ اللُقا بالهَجرِ

أغوتْ أباً، أنْسَتْهُ أنَّ جَمالها
الدُّنيا، يكونُ بِفرحَةِ الأولادِ
لِوجودِ جدَّتِهِم بِقُربِهِمِ معاً
أحضانُها هي مَلعبُ الأحفادِ
شَيْطانةٌ عَرَفَتْ تُفَرَّقُ بينَنَا
مَنعَتْ لِتسعِ سِنينَ لُقيانَا معاً
قَطعَتْ حِبالَ الوَصْلِ بينَ طُفولةٍ
وأمومةٍ.. فإذا الجمالُ تَبَشَّعا

واليَومَ تُكمِلُ شَرَّ فِعْلتِها بِنا
حتَّى الحنينُ إلى اللّقاءِ مُحرَّمُ
والأَصعَبُ الأدهى بِأنَّ أباكُمَا
في نارِ وَيْلِ لهيبها يتضَرّمُ

ولَهُ أقولُ، وجُرْحُ قلْبِيَ نازِفٌ،
لا الأرضُ تَرضى بالفِراقِ ولا السَّما
حقِّي أرى الأَحفادَ حتّى لو قَضى
الأمرُ التِجاءً للقضاءِ تَحَكُّما

وبإنتِظارِ الحُكمِ عِشْتُ حزينةً
أتَتَبَّعُ الخُطُواتِ في ملقَاكُما
حتَّى إذا صدر القرارُ ظَنِنتُ أنْ
آنَ الأوانُ لكي أنالَ هواكُما

وأمَلتُ بالموعودِ يوماً أنْ أَتى
وتحرَّرَتْ عينايَ في رُؤْياكُما
لكِنَّني ما شِئْتُ إحراجاً لِمَنْ
أحميهِما دوماً بنورِ عُيونِي

ولِذا تركتُ الحُكمَ غيرَ مُنفَّذٍ
وحَمَلْتُ وَحدي وِزْرَ مَنْ ظَلَموني

ما شئْتُ فصْلاً بين أهلٍ والوَلَد
وأنا الَّتي ذاقتْ مَرارةَ فَصلِها
فالشَّرُ لا يُلغَى بِشرٍّ مِثلَهُ
فيما المحبَّةُ يُرتجى ما مِثلُها

أمّا الذينَ يُراهنونَ بأنْ أموتَ (م)
غداً، وإِرثي كلُّهُ يَغدو لهُم
فسَيَخسَرونَ رِهانَهم، إنَّ الصَّوابَ (م)
هُو الّذي يَبقى، ومَنْ يَفنونَ هُمْ

يا أطيبَ الأحفادِ يا أحفادي
كونا على ثِقةٍ بأنّيَ باقِيَةْ
بِمحبّةٍ كُلَّيَّةٍ أحميكُما
حتّى يصيرَ الحَقُّ مِلءَ العافِيَةْ

وتُزاحُ مَنْ كانت مُصيبَتَنا معاً
من بيتِنا فَيعودَ بيتَ حَنانِ
وتعودَ أيَّامُ الأزاهرِ والنَّدى
وتُلمْلِمانِ الحُبَّ مِنْ أحضاني

أنا في انتِظارِكُما بلهْفةِ زَهرةٍ
ترجو الصَّباحَ ندىً على الأوراقِ
لِيَطيبَ فيها اللَّونُ بعدَ يَباسِها
ونكونَ مُجتمِعينَ بعدَ فِراقِ.
انتهى