نادِها يا قَلبُ، قَد حالَت حَياتِي، بَعدَ أَن غابَت، فَغابَت بَسَماتِي
فَأَنا، مِن دُونِها، لَستُ أَرَى في إِهابِي غَيرَ أَطيافِ رُفاتِي
وَهَلِ الحُبُّ، إِذا لَم تَسْقِهِ رَبَّةُ الإِلهامِ، غَيرُ الحَسَراتِ؟!
أَنا أَضنانِي الهَوَى مُذ رَحَلَت، وَرَأَيتُ النَّأْيَ يُودِي بِحَياتِي
لامَنِي القَومُ فَلَم أَحفِلْ بِما نَسَجُوا عَنِّي، وما قالَت دُعاتِي
أيها العُذَّالُ لَو تَدرُونَ ما تَفعَلُ الأَعيُنُ، أَخمَدتُم عِظاتِي
أَنا أَدعُوكُم تَرَوْا ما تَرَكَت في دَمِي، في مُقلَتِي، في قَعْرِ ذاتِي
شُعلَةً حَمراءَ تَكوِي أَضلُعِي، وشَرايِينِي… فَعَدْلًا يا قُضاتِي
هِي مِ الصُّبْحِ نَداهُ والشَّذا، هِيَ لَوْنُ الحُبِّ، نَبْعُ الذِّكرَياتِ
أَنا أَدرِي أَنَّنِي في يَمِّها، تاهَ فُلْكِي في زِحامِ الغَمَراتِ
غَيرَ أَنِّي، وَشِراعِي قَد هَوَى في رِياحِ الوَجْدِ، ضَيَّعتُ نَجاتِي
فَلْيَكُنْ ما تَهَبُ الأَيَّامُ، فَالعُمر ــــــــ مِن بَعدِ هَواها لا يُؤَاتِي
***
خِلْتُ أَنَّ العَقلَ قَد عادَ إِلى حِكمَةٍ وَلَّت، فَزَلَّت خُطُواتِي
إِذ رَأَى أَنَّ فُؤَادِي تاهَ في غَيِّهِ، خَلْفَ سَرابِ الرَّغَباتِ
فَاتَّخَذتُ الحَرْفَ إِلْفًا، أَنزَوِي بَينَ أَوراقِي، وَطَيَّ الخَلَواتِ
أَكتُبُ الأَشعارَ لَم تَجرِ بِها لَهفَةُ الصَّدْرِ، ودِفْءُ الخَفَقاتِ
لَيسَ فِيها مِن حَنانِي حُرْقَةٌ، لا ولا فِيها أَغانِي الصَّبَواتِ
وإِذا، في غِرَّةٍ، حَطَّتْ على دَربِيَ الخاوِي، فَأَحيَت نَبَضاتِي
فَتَناسَيتُ النُّهَى في وَمْضَةٍ، وَشَدا القَلبُ بِزاهِي أُمنِياتِي
وإِذا بِالرِّيشَةِ الكَسْلَى كَمَن عادَ مِن غَفْلَةِ عُمْرٍ، وَسُباتِ
تَرسُمُ الشِّعْرَ مُصَفًّى، طَيفُها رُوحُهُ الحَيُّ، وَسِحْرُ الكَلِماتِ
وإِذا قَلبِي على تَحنانِها، وَتَرٌ يَشدُو بِتَرنِيمِ صَلاةِ
وأَنا، بَينَ القَوافِي والهَوَى، سابِحٌ في الرِّيحِ عَبْرَ السَّمَواتِ
***
أَدرَكَت خَوفِي، وعَيْنُ القَومِ ما بَرِحَت تُحصِي لُهاثِي وآهاتِي
شَدَّدَت عَزْمِي، وأَحيَت هَيكَلِي، أَلهَبَت شِعرِي، وجاشَت في دَواتِي
أَترَعَت كَأسِي وَقالَت: خُذْ وَدَعْ لَوْمَةَ اللُوَّامِ. قالَ القَلبُ: هاتِي!