شهرُ رمضانَ، شَهرُ القرآنِ الكريم؛ فيهِ أُنزِلَ كِتابُ اللهِ هُدىً لِلعالَمين، وَهُوَ الكِتابُ الذي فِيهِ هُدَىً للنَّاسِ وبيِّناتٍ مِن الهُدى والفُرقانِ، ورَحمَةً للعِبادِ وإرشاداً لهُم؛ وهوَ، كذلِكَ شَهْرُ استِكمالِ الكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ التي أُنْزِلَت فيهِ على الأنْبِياءِ؛ إذْ يَرْوي الإِمامُ أحمَدُ بِن حَنْبَل، عَن رَسولِ اللهِ # أنَّهُ قالَ «أُنْزِلَت صُحُفُ إبراهِيمَ في أوَّلِ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ، وأُنْزِلَت التَّوراةُ لِسِتٍ مَضَيْنَ مِن رَمَضانَ، والإنْجِيلَ لِثَلاثِ عَشَرَةَ خَلَتْ مِن رَمَضان، وأَنْزَلَ اللهُ القُرآنَ لِأَربَعٍ وعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضان».
رَمَضانُ، أيُّها الأَحِبَّةُ الكِرامُ، لَيْسَ مُجَرَّدَ مَوْسِمٍ للصِّيامِ، كَما قَد يَغْلُبُ عَلى ظَنِّ بَعضِ النَّاسِ؛ بَلْ هُوَ، كذلِكَ، شَهْرُ البِرِّ والصِّلَةِ، وَشَهْرُ التَّعاطُفِ والمَرحَمَةِ. وَهُوَ، مَع كُلِّ هذا، شَهْرُ الإِكْثارِ مِن ذِكْرِ اللهِ، سُبْحانَهُ وتَعالى، الذي تَطْمَئِنُّ بِهِ القلوبُ؛ وهُوَ، أَيْضاً وأَيْضاً، شَهْرُ التَّوجُهِ إِلى رَبِّ العَالَمِين بِالطَّلبِ والرَّجاءِ، والنُّفوسُ تَسْتَجِيبُ لِداعِي اللهِ. ولِذا، فَلا يَكُونُ مِن جَرَّاءِ كُلِّ هذهِ الأمورِ، إلَّا أعمالاً زاكِياتٍ، وَقُرباً مِن رَبِّ الأرضِ والسَّماواتِ؛ وَلَيْسّ عَجِيباً، بَعدّ كُلِّ هذا، أَنْ لا يَتَحَصَّلَ لِلعابِدِ هذا الفَرَحُ الرَّمَضانِيُّ، النَّاتِجُ عَن لَذَّةٍ تَقَعُ في القَلبِ، بِإدراكِ العابِدِ المُحِبِّ لِلمَعبُودِ المَحبُوبِ القادِرِ، وَبِنَيْلِهِ المُشْتَهى الرَّحمانِيِّ العِبادِيِّ المَرغُوبِ، فَوْزاً بِالرِّضى الرَّبَّانِيِّ المَنْشُودِ. ولقد وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَن ابنِ عبَّاس، رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، أنَّ رَسولَ اللهِ # كانَ «أَجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أَجْوَدَ ما يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضانَ، حِينَ يَلْقاهُ جِبْريلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَيُدارِسُهُ القُرآنَ، فَلَرَسولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ».
أَخَواتِي وأُخْوَتِي، يا أَهْلَ الإِيمانِ والاحتِسابِ، يا عِبادَ اللهِ المُقبلِين على خَيْرِ الشُّهورِ، والسَّاعِينَ بِعباداتِكُم وحُسنِ تَقواكُم إِلى مَرضاةِ رَبٍّ غَفُورٍ، فَلْنَذْكُرُ جَمِيعاً، أنَّ رَمَضانَ شَهْرُ الخَيْرِ سَيَطُلُّ عَلَيْنا في الأيَّامِ القّليلَةِ المُقْبِلَةِ، ولَيْسَت بِلادُنا وَلا الكَثْرَةُ الغالِبَةُ مِن ناسِها، وفِيهِم مُعظَمُ أَهلِنا وأرحامِنا، يَعيشُونَ بِخَيْرٍ عَلى الإِطلاقِ، لَقَد أَحاقَت بِنا شُرُورُ طُغْمَةٍ مُتَسَلِّطَةٍ فاسِدَةٍ، وعَمَّتنا مَخازِيَ أَهْلُ إِدارَةٍ لا تُراعِي فِي اللهِ إلاًّ أو ذِمَّةً؛ فَنُهِبَت مِنَّا، بِالباطِلِ، حُقُوقُنا وحُجِزَت، عنَّا، مِن دُونِ حقٍّ، أمْوالُنا؛ وصارَ الكَثِيرُ مِن أملاكِنا فِي مَهَبِّ رِياحِ الاستِغلالِ والفَوْضى وفي مَهاوي مَجالاتِ خَسارةِ جَنى العُمرِ التي لا تُعَوَّضُ؛ نَاهِيكُمُ، بِهُجْرَةِ كَثيرٍ مِن أَبنائِنا، سَعياً إِلى تأمينِ لُقمةِ عَيْشِ كَرِيمٍ لَهُم وسَدِّ عَوَزٍ فاجِرٍ لِذَوِيهِم.
ad
الحياة ميدان يفوز فيه الأقوياء
هذهِ الحَياةُ الدُّنْيا، أيُّها الكِرامُ، ميدانٌ لا يَفوزُ فِيهِ إلَّا الأَقوِياءُ؛ ونَحنُ فِي زَمَنٍ يَقُولُ مَنْطِقُ كَثيرٍ مِن أَهْلِهِ «إِنْ لَمْ تَكُنْ آكِلًا، فَأَنْتَ، لا شّكَّ، مَأكولُ»، وَكَما نَعلَمُ، بِحُكْمِ المُلاحَظَةِ والمُتابَعَةِ والمُدارَسَةِ، فَإنَّ القُوَّةَ ضَربانِ، واحِدَةٌ مادِيَّةٌ، وأُخرى مَعنَوِيَّةٌ؛ ومِن مَبادئِ الإسلامِ أنَّهُ يُمْكِنُ لِلقُوَّةِ المادِيَّةَ أنْ تَنْتَصِرَ، غيرَ أنَّ انْتِصارَها هذا لا يَطولُ، كَما أنَّهُ لَن يَكونَ مُفيداً حَقّاً لِناسِها ولِمَن يُناصِرُونَهُم ويُمالِئونَهُم فِي بَغْيِهِم.
ولَقد وَرَدَ فِي النَّصِّ القُرآنِيِّ الكَريمِ، مِثالٌ على هَذا، إِذْ يَقولُ العَلِيمُ الخَبيرُ فِي الآياتِ مِن 6 إلى 14 مِن سُورةِ «الفّجْرِ» مِن مُحكَمِ تَنْزيلِهِ {أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (*) إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ (*) الَّتِي لَم يُخلَق مِثلُهَا فِي البِلَادِ (*) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخرَ بالوَادِ (*) وَفِرعَونَ ذِي الأَوتَادِ (*) الَّذِينَ طَغَواْ فِي البِلَادِ(*) فَأَكثَرُواْ فِيهَا الفَسَادَ (*) فَصَبَّ عَلَيهِم رَبُّكَ سَوطَ عَذَابٍ (*) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصَادِ (*)}، فِتلكَ نِهايةُ الأُمَمِ والجماعاتِ التي تمسَّكت بتلابيبِ القُوَّةِ المادِيَّةِ، وأَهْمَلَت ما هداها اللهُ عَلَيْهِ مِن عوامِلِ القُوَّةِ المعنوِيَّةِ أو الرُّوحِيَّةِ وعناصِرِها. وأمَّا في مجالِ القُوَّةِ المَعنَوِيَّةِ، مِن دونِ ما سَنَدٍ لَها مِن القُوَّةِ المَادِيَّةِ، فإنَّ الإسلامَ يُقرِّر أنَّه لا سبيلَ لَها إلى النَّصرِ، ولا شأنَ لها في تَوْجِيهِ الحياةِ؛ فسُنَنُ اللهِ، البادئِ المُعيدِ، ماضِيَةٌ؛ لا تُحابِي أَحَداً كائِناً مَن كان، وكَمْ تَشْهَدُ أَحداثُ الأَيَّامِ عَن جَماعاتٍ وشُعُوبٍ عاشَت فِي التَّاريخِ مَهْضُومَةَ الحَقِّ، تُرهَقُ في دِيارِها بِمُعاناةِ الذُّلِّ والمَهانَةِ؛ لا لِسَبَبٍ سِوى أنَّها لَمْ تَعتَمِدَ في إِثْباتِ وُجُودِها سُبُلَ القُوَّةِ؛ فإِذا بِها مُنْهِزِمَةٌ أمامَ أهلِ الجَبَروتِ، مُهانَةٌ مِن ذَوي البَطْشِ والسُّؤدَدِ.
ad
يُعاني غالِبِيَّةٌ مِن أهلِنا وناسِنا ومُؤسَّساتِنا وهيئاتِنا في بلدِنا الغالي لُبنانَ، في هذهِ الأيَّامِ، مِن عَقَباتٍ ومآزقَ مُتَنَوِّعَةٍ، مِنها ما هوَ سِياسِيٌّ وما هوَ اجتِماعِيٌّ وما هوَ اقتِصادِيٌّ، بِمَّا يُجْهِضُ كَثيراً مِن طُمُوحاتِهِم، ويُحْبَطُ عديداً من نواياهُم الخَيِّرَةِ، ويُرجِئُ تَنْفِيذَهُم لِلأغلَبِ مِن مخطَّطاتِهم البنَّاءةِ؛ الأَمرُ الذي يَقُودُ إِلى حالاتٍ مُتَزايِدَةٍ مِنَ الانْكِماشِ المعيشيِّ والتَّضاؤلِ في مُسْتَوَياتِ قِيَمِ الجُودَةِ الاجتِماعِيَّةِ، وما ذلكَ بِرُمَّتِهِ إِلاَّ جراءَ ما يعانِيهِ البَلَدُ مِنْ هُزالٍ في الأَمْنِ الاقتِصادِيِّ وتراخٍ في الأَمْنِ الاجْتِماعِيِّ وضِيقٍ كبيرٍ في مجالاتِ التَّصَرُّفٍ بالنَّقدِ العامِ كما الشَّخْصِيِّ.
وهذا الواقِعُ قد تركَ بَصَماتِهِ الفاضِحَةِ والمُعيبَةِ المُؤذِيَةِ على أَغْراضِ عَيْشِنا، وأَثَّر عَلى كَثيرٍ مِن مجالاتِ المشارَكَةِ في النَّشاطاتِ العامَّةِ، الاجتِماعِيَّةِ منها، كما الثَّقافِيَّةِ؛ حتَّى باتَت كَثِيرٌ مِن الهَيْئاتِ والمُؤسَّساتِ العَريقَةِ في هَذا الميدانِ، وكأنَّها تقفُ فيهِ مَسْلوبَةَ الحَوْلِ خائرةَ القُوَّةِ مُكّبَّلَةَ الأيدي ومحدودةَ الطَّاقاتِ، لا لِتَراخٍ في صَلاَبَة ناسِها، ولا لِخَوَرٍ في ما لَدَيْهِم مِن أَفكارٍ لِمَشارِيعَ نَهْضَوِيَّةٍ أو رُؤىً تَنْمَوِيَّةٍ؛ بِقَدرِ ما هُوَ نَتيجَةَ فِقدانِهِم لِعُنصُرِ المال، الذي بهِ يكونُ التَّنفيذُ الفِعلِيُّ للمَشاريعِ والتَّجَسُّدُ العَمَلِيُّ للرُّؤى البنَّاءةِ والنَّوايا الاسْتِشرافِيَّةِ الخّيِّرة. إنَّ في هذا ما يُؤدِّي غالِباً إلى ضُغوطاتٍ عامَّةٍ، تَتَمكَّنُ مِن نَفْسِيَّاتِ القَوْمِ، فتُؤذي عُقُولًهم وتُسيئُ إلى تَحقِيقِهِم لِما سَبَقَ أنْ اخْتَطُّوهُ مِن أمورِ الخَيْرِ في هَيْئاتِهِم وجَمْعِيَّاتِهم؛ وفي هَذا كُلِّهِ ما يَدعو إِلى كَثيرٍ مِنَ الخَيْباتِ ومزيدٍ مِنَ الإحباطِ، مِمَّا قد يَنْتهي إِلى بُؤسٍ فِكرِيٍّ وسَوْدَاوِيَّةٍ ثَقافِيَّةٍ وسّيْرٍ غَيْرِ مَشْكورٍ في دَهالِيزِ حَلَقَةٍ مُفْرَغَةٍ مُوهِنّةٍ للقوَّةِ ومُضْعِفَةٍ للشَّأنِ الفاعِلِ في تحقيقِ الوجودِ وإثباتِهِ.
إنَّ في هذا البؤسِ الذي بِتنا نَعِيشُه، على الأصعدةِ الفردِيَّةِ، المتمثِّلَةِ بكثيرٍ من أشخاصِنا وبيوتِنا، كما على تِلكَ الجَمْعِيَّةِ، المُتَمّثِّلَةِ بهيئاتِنا وجَمْعِيَّاتِنا ومؤسَّساتِنا الخيريَّةِ والثَّقافِيَّةِ، ما يؤدِّي، بصورةٍ عَمَلِيَّةٍ واقِعِيَّةٍ، إلى تَثْبِيطٍ للقوَّةِ المعنَوِيَّةِ وإضعافٍ للقوَّةِ الماديَّةِ، في وجودِنا العامِ؛ كماأنَّ هذا يَعني، بالمفهوم الثَّقافِيِّ المُجْتَمَعِيِّ ظُلْمًا واقِعًا، وهو أمرٌ لا يُريدُهُ ربُّ العالَمين لِعبادِهِ، إذ يقول، وهو كاشِفُ الضُّرِّ، في الآية 108 من سورة «آل عمران» {وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ}، وكذلكَ في الآية 31 من سوة «غافِر» {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ}، ويُكَرِّرْهُ في الآيةِ 46 من سورة «فُصِّلَت» {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.
ad
لا بُدَّ لَنا مِنَ التَّكاتُفِ
ومِن هُنا، فَلا بُدَّ لَنا، جَمِيعاً، مِنَ التَّكاتُفِ في ما بَيْنَنا، أفراداً وجماعاتٍ، لِدَرءِ غائلَةِ هذا الظُّلمِ المُحيقِ بِنا، رَحمَةً مِنَّا بِذَواتِنا ومُجْتَمعاتِنا؛ خاصَّة وأنَّ اللهَ، العَلِيمَ الخَبِيرَ، يَقولُ لَنا في الآية 40 من سورة «النِّساء» {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}؛ وكذلكَ إِنفاذاً إِيمانِيًّا مِنَّا لإِبْعادِ غَضَبِ ربِّ العِزَّةِ عَن وجودِنا، إذْ يقولُ، عزَّ مِن قائلٍ، في الآية 102 من سورة «هُود» {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
ويأتي قولُ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، في الآيتين 261 و262 من سورة «البَقَرَةِ»، بّرْداً وسلاماً، مُنْقِذاً لنا من ضياعٍ وهادٍ لنفوسِنا إلى دروب الفلاحِ، إذ يرد {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (*) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
ويأتي الحَضُّ الرَّبَّانِيُّ، ههنا، واضِحاً جَلِيًّا واعِداً بِخّيْرِ الثَّوابِ في الآيةِ 38 من سورة «مُحَمَّد»، {ها أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِىُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم}. ولقد قال من يعلمُ ما في الصُّدورِ وما تُخْفي الأَنْفُسُ، في آيات سورة «اللَّيل» {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (*) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (*) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (*) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (*) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (*) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}. والصَّدَقَةُ الجارِيَةُ، كما قالَ أهلُ العِلْمِ، أيُّها الأَحِبَّةُ، هِيَ التي يَبْقَى أَصْلُها وَيُتَصَدَّقُ بِمَنْفِعَتِها؛ ومِنْها نَشْرُ العِلْمِ. وقد رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ # كما أورَدَ ابنُ ماجَّه: «إنَّ مِمَّا يلحقُ المؤمنَ من عملِهِ وحسناتِه بعدَ موتِه عِلماً علَّمَه ونشرَه وولداً صالحاً ترَكَه ومُصحفاً ورَّثَه أو مسجِداً بناهُ أو بيتاً لابنِ السَّبيلِ بناهُ أو نَهراً أجراهُ أو صدَقةً أخرجَها من مالِه في صِحَّتِه وحياتِه».
ad
نعم، أيُّها الأَخواتُ والأخوةُ الكرامُ، لا بُدَّ لنا جميعاً، وعلى مختَلَفِ قُدُراتِنا وتعدُّدِ طاقاتِنا، من أن نساهِمَ كُلُّنا، بما يُمْكِنُ كلَّ فردٍ أو جماعاتٍ أو هيئةٍ أو مؤسَّسةٍ مِنَّا، في دعمِ القوَّتينِ المادِيَّةِ والمَعنَوِيَّةِ لِوُجودِنا؛ وإلاَّ فإنَّنا لَنْ نَسيرَ إلاَّ عَلى مَزالِقِ التَّهلُكَةِ ومَهاوِي الخُسرَانِ. وإنَّنا، في «المَركَزِ الثَّقافِيِّ الإسلاميِّ»، وكَما عاهَدناكُم، قَوْلاً وعَمَلاً، مُنْذُ أَكثر مِن نِصفِ قَرنٍ مِنَ الزَّمَنِ، ثابِتونَ بِإذْنِ اللهِ عَلى العَمَلِ بِهَديِّ الإسلامِ الحَنِيفِ فِي حَياتِنا الثَّقافِيَّةِ والوَطَنِيَّةِ فِي لُبنان، وخاصَّةً في هذهِ الأيَّامِ المُقبِلَةِ عَلَيْنا جَمِيعاً في شَهْرِ رَمَضانَ المُبارَكِ، والتي لَيْسَت سوى أيَّامَ امتِحانٍ لَنا جَميعاً، فِي طاعَةِ اللهِ ومَرضاتِهِ واكتِسابِ الثَّوابِ مِن لَدُنْهِ؛ وتالِياً، خِدمةً واجِبَةً مِنَّ الِذواتِنا ومُجْتَمَعِنا، وتَعزيز اًلِحُضُورِنا في وَطَنِنا.