بَرانا اللهُ في الوَطَنِ الصَّغِيرِ،
وجادَ بِفَنِّهِ العالِي الأَثِيرِ
فَجَنَّاتٌ تَمُوجُ بِكُلِّ حُسْنٍ،
بِغُدرانٍ، بِأَدواحٍ، بِحُورِ
مُرُوجٌ تَلعَبُ الأَنسامُ فِيها،
مُضَمَّخَةٌ بِأَلوانِ العُطُورِ
هِيَ الآياتُ مِنْ بَدْعِ الأَعالِي،
تَقَهقَرَ دُونَها بَدْعُ العُصُورِ
ولكِنَّ الهَناءَةَ لَيسَ تَبقَى
بِلا كَدَرٍ، ولا شَجَنٍ عَسِيرِ
وأَيَّامُ الصَّفاءِ لَها انتِهاءٌ،
فَعُمرُ الصَّفْوِ مِن عُمرِ الزُّهُورِ
فَهاجَرْنا وقِبْلَتُنا فُلُوسٌ
تَلالَت في القِفارِ وفي البُحُورِ
دَخَلنا في دِيارٍ فَاستَفاقَت
على إِبداعِنا العالِي الغَزِيرِ
وَخَلَّفنا الرُّقِيَّ بِكُلِّ ساحٍ،
وذِكْرًا كَالعَبِيرِ على بَخُورِ
وَمَرَّ الدَّهرُ يَطوِينا، نَهِيمًا،
بِأَيَّامٍ عَجالَى في الكُرُورِ
نُقَضِّي العُمرَ يَبرِينا حَنِينٌ
لِواحاتٍ نَأَت، ولِدِفْءِ دُوْرِ
ويَبقَى شَوقُنا المَكنُونُ جَمرًا
يُعَشِّشُ في الجَوارِحِ والصُّدُورِ
ويَحدُونا لِماضِي العَيشِ تَوْقٌ
يُواكِبُنا إِلى حَلَكِ القُبُورِ!
***
لَو انَّا في الحِمَى كُنَّا غَيارَى
على وَطَنٍ يَئِنُّ بِكُلِ نَيْرِ
لَكانَ نَعِيمُنا في ما حَبانا
ـــــــــ العَلِيُّ مِنَ الغِنَى بِنَدًى وَفِيرِ
ولكِنَّا تَغافَلنا فَضاعَ اللُّبابُ
ـــــــــ أَمامَ أَوهامِ القُشُورِ
فَسادَتْنا، تِباعًا، في عُهُودٍ،
قِياداتٌ على جَشَعٍ خَطِيرِ
إِذا أَكَلُوا فَلا شَبْعٌ، وَلَو أَنْ
تَكَدَّسَتِ المآكِلُ في القُدُورِ
هو الطَّمَعُ الَّذي ما حَدَّ مِنهُ
بَقايا في الحَياءِ، وفي الضَّمِيرِ
سَئِمنا، أَيُّها الأَقوامُ، حَتَّى
كَفَرنا بِالمَسِيرِ وبِالمَصِيرِ
وإِن طالَ الزَّمانُ لَسَوفَ نَغدُو
أُسُودًا عِندَ جَلجَلَةِ النَّفِيرِ
فَثُورُوا يا عَبِيدَ الظُّلمِ، آنَتْ
قِيامَتُكُم مِنَ الأَمْرِ النَّكِيرِ
وما لِلشَّعبِ حَقٌّ في حَياةٍ
يَضِنُّ لِأَجلِها بِدَمٍ طَهُورِ!