طالَ سُرانا(1)، واحتَوانا الضَّبابْ، وَجَلَّلَ الشَّيْبُ أَعالِي القِبابْ
مِنَّا، مِنَ الأَحبابِ، مَن قَد مَضَوْا وَخَلَّفُوا في الصَّحْبِ فَيْضَ اكتِئَابْ
وَمِنهُمُ الباقِي يَجُرُّ القُوَى في ـــــــــــ الدَّرْبِ، وَالدَّرْبُ كَؤُودُ الشِّعابْ
يَمشُونَ والهادِي عَصًا، وَالمُنَى ـــــــــــ تَقَلَّصَت، وَجَفَّ غَضُّ الإِهابْ(2)
أَمَّا أَنا… فَهَيكَلٌ مُجْهَدٌ شابَ بِهِ الرَّأْسُ، وما القَلبُ شابْ
ما هَدَّنِي السُّقْمُ، وَلا قَوَّضَت ـــــــــــ مَطامِحِي صَوْلاتُهُ والحِرابْ
سَقْيًا لِأَيَّامٍ طَواها المَدَى، فِيها الأَناشِيدُ بِلَيْلِ الشَّرابْ
في عِشْرَةٍ مالَت على اللَّيلِ في نَداهُ، والحادِي رَنِيمُ الرَّبابْ
وَالحُسْنُ يُغْوِي وَالدَّلالُ انتَشَى، فَالصَّحْبُ وَجْدٌ فائِرٌ واضطِرابْ
كَم قَضَّنا الدَّهرُ… فَيا قابِلًا مَهلًا عَلَينا فَالأَمانِي عِذابْ
هَيهاتَ لكِنْ لَيسَ عَوْدٌ، وَلا ـــــــــــ عُوْدٌ، وَلا غِيْدٌ وَسَلْوَى صِحَابْ
وَلَّت سَمارٌ، وتَناءَت نَدًى، وسافَرَت لَيلَى، ومَلَّت رِحابْ
أَنا هُنا، بَعدَ لَيالِي الهَنا بَينَ الصِّبا اللَّاهِي، وَزَهْوِ الشَّبابْ
باتَ مِراحِي(3) قَلَمًا ناشِطًا، على رِقاعٍ، وَمَراحِي(4) كِتابْ
بَينَ رُفُوفٍ مُتْرَعاتٍ، وفي صَفْوٍ ـــــــــــ مع الحَرْفِ، وَمُرِّ الغِيابْ
أَنتَظِرُ الآتِي فَلا أَنثَنِي يَأْسًا، ـــــــــــ وَلا أَخشَى رَهِيفَ الحِسابْ!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1): السُّرَى: سَيْرُ اللَّيل
2): إِهاب: جِلْد
3): المِراح: إِسمٌ لِلمَرَح
4): المَراحُ: المَوضِعُ الَّذي يَرُوحُ مِنهُ القَومُ، أَو يَرُوحُونَ إِلَيه، خِلافُ المَغْدَى