رحل الوزير والنائب السابق محمد عبد الحميد بيضون بصمت وهدوء، بعدما عاش الهدوء القلِق والصمت المحتشد بضجيج الحياة والسياسة. وبغيابه يفقد لبنان مفكراً سياسياً وشخصية لامعة عرفت مفاصل الخلل في تركيبة الحياة السياسية اللبنانية. إشتهر بيضون بما كان يختزنه من أفكار استشرافية و بصراحته وحرية ضميره السياسي، فأبدع بالفكر والنقد السياسي.
وتميزت جرأته في مواجهة ونقد المنظومة الحاكمة الفاسدة طيلة العقدين الأخيرين من عمره.
وكم كان مصيباً في توجيه بوصلة النقد للطبقة السياسية التي خبرها وعرفها من داخلها وخارجها، وكم حذّر ولفت الانتباه مراراً من تمادي الثنائي الشيعي بالقرار الشيعي والوطني، وتوظيفه في خدمة سياسات الخارج، وكم حذّر ولفت الانتباه الى خطورة سياسة الثنائي، وما يمكن أن ينتج عنه من ارتداد “يصرع” الطائفة الشيعية في لبنان.
حضر الراحل الدكتور محمد عبد الحميد بيضون في المشهد السياسي المحلي، حضور العارف المتمكن من رؤية المخبئ في نوايا “الأقطاب” السياسية، ولم يتوان عن فضحهم ونقدهم واتهامهم ودعوتهم للإستقالة من الحياة السياسية، وترك أو حلّ “الحركات المحرومة” وتقاعد رئيسها. كان بليغ النقد والوعي السياسي، لذلك تخلت عنه حركته، بل انكشفت أمام بصيرته فتجاهلته .
كان مميزاً في نشاطه السياسي والوطني، وفي حضوره وطلاته الإعلامية التي جذبت الكثير من أصحاب الفكر التغييري. ورغم مرضه الذي أخفاه عن المقربين منه والعديد من الأصدقاء ، استمر بنشاطه وعمله السياسي، متدخلاً ومشاركاً نشيطاً وفعالاً في العديد من الأنشطة واللقاءات والحلقات والندوات والمهرجانات النخبوية، واستمر في نشاطه الهادف للتغيير، وكان صالون بيته وأيامه ولياليه ، مفتوحاً للقاءات وجلسات حوار مفتوح ونقاش هادف وثمين، استقطب شخصيات من كل التوجهات السياسية. يغيب محمد عبد الحميد بيضون في زمن يصعب فيه الحضور، كما حضر نفسه.