مِنْ ( مَوْسُوعَةُ اَلْمَرْأَةِ وَالْإِسْلَامِ ) تَقْدِيم : أَمِين عَام اَلْبُحُوثِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ فِي اَلْأَزْهَرِ اَلشَّرِيفِ : أَحْمَدْ شَلَبِي
اَلْعَلَّامَةِ اَلدُّكْتُورِ عَبْدِ اَللَّهْ اَلْعَلَايْلِي
اَلدُّكْتُورُ مُصْطَفَى مَحْمُودْ
كَانَتْ سِلْعَةٌ تُبَاعُ وَتُشْتَرَى فِي سُوقِ اَلنِّخَاسَةِ ، فَضْلاً عَنْ إِيجَارِهَا ، وَإِعَارَتُهَا ، وَالْعَتْمَادْ عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ لِيَسْتَرِيحَ اَلرَّجُلُ .
إِحْقَاقًا لِلْحَقِيقَةِ ، ذَكَرَ اَلْمُؤَرِّخُونَ اَلْمُنْصِفُونَ أَنَّ هَذِهِ اَلْأَوْضَاعِ لَمْ تَكُنْ شَامِلَةً لِلْجَزِيرَةِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، فَهُنَاكَ فِي بِقَاعٍ قَلِيلَةٍ مِنْ أَرْضِ اَلْجَزِيرَةِ ، عَدَدٌ غَيْرُ قَلِيلٍ مِنْ اَلنِّسَاءِ قَدْ عِشْنَ حَيَاةٌ كَرِيمَةٌ عَزِيزَةٌ ، فِي ظِلِّ تَقَالِيدَ صَاغَهَا اَلْإِنْسَانُ .
هَذَا اَلتَّكْرِيمِ لِلْمَرْأَةِ ، قَدْ يَحْمِيهَا شَيْخٌ قَلْبِيَّةٍ أَوْ اَلْأَبِ ، وَالزَّوْجُ ، وَالْأَخُ ، وَالِابْنُ ، حِمَايَةُ اَلْوَاجِبِ اَلْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ ، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي حَوْزَتِهِ مِنْ خُيِّلَ وَجَمَالِ وَأَرْضِ وَبِئْرَ مَاءً .
اَلْمُفَكِّرُ عَبَّاسْ اَلْعَقَّادْ ، فِي كِتَابِهِ ” اَلْمَرْأَةَ وَالْقُرْآنَ ” يَقُولُ :
” إِذَا هَانَتْ اَلْمَرْأَةُ فَهِيَ عَارٍ يَأْنَفُ مِنْهُ أَهْلُوهُ أَوْ حُطَامٍ ، وَمِنْ خَوْفِ اَلْعَارِ يَدْفِنُ اَلرَّجُلُ اِبْنَتَهُ فِي طُفُولَتِهَا ، أَوْ تُوَرَّثَ مَعَ اَلْمَالِ وَالْمَاشِيَةِ ، هِيَ حِصَّةٌ مِنْ اَلْمِيرَاثِ تَنَقُّلَ مِنْ اَلْآبَاءِ إِلَى اَلْأَبْنَاءِ ، وَتُبَاعَ وَتَرْهَنُ لِقَضَاءِ اَلْمَنَافِعِ وَسَدَادِ اَلدُّيُونِ ، لَا يَحْمِيهَا مِنْ هَذَا اَلْمَصِيرِ ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ عَزِيزَة قَوْمِ تَعْزْ بِمَا لَدَيْهِمْ مِنْ ذِمَارْ وَجَوًّا ” اَلْغَزَوَات عَلَى مِصْرَ :
طَمَعًا فِي خَيْرَاتِهَا وَاقْتِبَاسِ تُرَاثِهَا أَدَّتْ إِلَى تَسَاقُطِ حُقُوقِ اَلْمَرْأَةِ اَلْمِصْرِيَّةِ ، كَأَوْرَاقِ اَلْخَرِيفِ ، وَقَدْ تَدَاعَتْ عَلَيْهَا اَلْغَزَوَاتُ اَلْأَجْنَبِيَّةُ مِنْ اَلْفُرْسِ وَالْبَطَالِسَة وَالرُّومَانَ اَلَّذِينَ طَبَّقُوا شَرَائِعُهُمْ عَلَى اَلْمَرْأَةِ اَلْمِصْرِيَّةِ . وَكَمَا نَرَى فِي اَلتَّمَاثِيلِ صَارَ مِنْ حَقِّ اَلْمُحَارِبِ ضِدَّ اَلْغُزَاةِ ، أَنْ يَجْلِسَ اَلْمَرْأَةَ رَاكِعَةٌ تَحْتَ قَدَمَيْهِ .
هَكَذَا فَقَدَتْ اَلْمَرْأَةُ اَلْفِرْعَوْنِيَّةُ كُلَّ حُقُوقِهَا ، بَعْدُ أَنْ فَقَدَتْ اَلْمَرْأَةُ اَلْمِصْرِيَّةُ حُرِّيَّتُهَا ؛ وَكَانَ أَشْهُرُ قَرَارٍ أَصْدَرَهُ اَلْحَاكِمُ اَلْبَطْلِي ” فِيلُو بِأَنْوَرْ ” ، يَنُصَّ عَلَى حِرْمَانِ اَلْمَرْأَةِ اَلْمِصْرِيَّةِ مِنْ اَلتَّصَرُّفِ فِي مَا تَمْلِكُ ، كَمَا حَرَمَ عَلَى اَلرِّجَالِ اَلِاسْتِمَاعُ إِلَى كَلِمَةِ اَلْمَرْأَةِ ، كَمَا نَصَّ اَلْقَرَارُ عَلَى أَنْ يَتْبَعَ اَلْأَبْنَاءُ آبَاءَهُمْ ، وَأَعْطَى اَلرِّجَالُ حَقَّ اَلتَّصَرُّفِ اَلْمُطْلَقِ بِالنِّسَاءِ .
أَنْبَأْنَا اَلْقُرْآنُ أَنَّ اَلْآبَاءَ كَانَتْ وُجُوهُهُمْ تَسُودُ حِينَمَا يَزُفُّ لَهُمْ بِأَنَّ زَوْجَاتِهِمْ أَنْجَبْنَ مَوْلُودًا فَتَاةً ، فَكَانَ اَلْأَبُ لَا يَسْتَرِيحُ حَتَّى يَئِدَهَا فِي اَلتُّرَابِ .
فِي حَدِيثٍ مَعَ اَلنَّبِيِّ < صَلْعَمْ > ، قَالَ قَيْسْ بْنْ عَاصِمْ : ” يَا رَسُولُ اَللَّهِ ، أَنَا أَمِيرُ تَمِيمْ وَفِي عَادَاتِنَا ، دَفْنُ اَلْبَنَاتِ مِنْ اَلْمَكْرُمَاتِ ، وَلَقَدْ دَفَنَتْ عِدَّةَ بَنَاتٍ ، وَفِي سَنَةٍ كُنْتَ عَلَى سَفَرٍ ، وَكَانَتْ اِمْرَأَتِي حَامِلاً ، فَوَضَعَتْ أُنْثَى ، وَخَشْيَةَ عَلَيْهَا مِنَى ، أَهْدَتْهَا إِلَى أَخْوَالِهَا ؛ بِعَوْدَتِي مِنْ اَلسَّفَرِ سَأَلَتْهَا عَنْ اَلْجَنِينِ ، قَالَتْ وُلِدَ مَيِّتًا ، فَقَبِلَتْ هَذَا اَلْكَلَامِ ، وَالشَّكُّ مَلْءٌ نَفْسِيٌّ ؛ بَعْدَ سِنِينَ عِدَّةً ، كَبُرَتْ اَلْبِنْتُ ، وَجَاءَتْ ذَاتُ يَوْمٍ لِزِيَارَةِ أُمِّهَا ، فَرَأَيْتُهَا رَائِعَةً اَلْجَمَالِ ، وَتَمَنَّيْتُ أَنْ يَكُونَ لِي اِبْنَةُ مِثْلِهَا ، فَقَالَتْ أُمُّهَا : أَنَّهَا اِبْنَتُكَ يَا قَيْسْ .
غَضِبَتْ غَضَبًا شَدِيدًا ، وَقُمْتُ أَحْفِرُ لِلْبِنْتِ حُفْرَةً كَانَتْ تُسَاعِدُنِي فِيهَا ، وَلَمَّا كُنْتَ أُهِيلُ عَلَيْهَا اَلتُّرَابُ وَهِيَ حَيَّةٌ ، كَانَتْ تَبْكِي وَتَسْأَلُنِي : مَاذَا تَفْعَلُ يَا أَبِي بِفِلْذَةِ كَبِدِكَ ؟ وَظَلَّتْ تَبْكِي وَأَنَا أَسْمَعُ أَنِينُهَا تَحْتَ اَلتُّرَابِ ، وَلَمْ أَدَعْهَا حَتَّى صَمَتَتْ إِلَى اَلْأَبَدِ .
فَبَكَى اَلنَّبِيُّ بُكَاءً مُرًّا وَمَعَهُ صَحَابَتُهُ ، ثُمَّ تَلَا اَلْآيَةَ اَلْكَرِيمَةَ :
” وَإِذَا اَلْمَوْؤُدَة سُئِلَتْ : بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ؟ ”
فِي هَذَا اَلْمَقَامِ ، يُذْكَر أَنَّ عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ ، فِعْلُ مَا فَعَلَهُ قَيْسْ بْنْ عَاصِمْ ، فَقَدْ دُفِنَ بِنْتَا لَهُ فِي سِنِّ اَلثَّامِنَةِ عَشْرَةً ، فَلَمَّا كَانَ يُهِيلُ عَلَيْهَا اَلتُّرَابُ ، تَعَفَّرَتْ لِحْيَتُهُ ، فَمَدَّتْ يَدُهَا – وَهُوَ يَدْفِنُهَا – لِتَنْفُضَ اَلتُّرَابَ عَنْ لِحْيَتِهِ .
وَجَاءَ اَلْإِسْلَامُ ، فَقَالَ عُمَرْ بْنْ اَلْخَطَّابْ بَعْدَ أَنْ تَمَّ إِيمَانُهُ :
” كُنَّا فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ ، لَا نُعِدُّ اَلنِّسَاءُ شَيْئًا ، حَتَّى أَنْزَلَ اَللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ ، وَقَسَّمَ لَهُنَّ مَا قِسْمُ “
اَللَّهِ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ اَلْآيَاتِ تَكْرِيمًا وَتَشْرِيفًا لِقَدْرِ اَلْمَرْأَةِ وَمَكَانَتِهَا ، وَقِسْم لَهَا مِنْ اَلْحُقُوقِ مَا لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ اِمْرَأَةٌ فِي أَقْرِنُ اَلْعِشْرِينَ .
وَقَدْ أَنْبَأَنَا اَلْقُرْآنُ اَلْكَرِيمُ فِي تَصْوِيرِهِ لِمَكَانَةِ اَلْأُنْثَى فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ ، فِي سُورَةِ اَلنَّحْلِ : ” وَإِذَا بَشَّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظِلَّ وَجْهِهِ مُسْوَدًّا ، وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى عَنْ اَللَّوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بَشَّرَ بِهِ ، أَيمْسِكَهْ عَلَى هَوَّنَ أُم يَدُسُّهُ فِي اَلتُّرَابِ ، أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ “