إِعْدَاد : اَلْبَاحِثَةُ د . غَادَة اَلْخَرْسَا
مِنْ ( مَوْسُوعَةُ اَلْمَرْأَةِ وَالْإِسْلَامِ ) تَقْدِيم : أَمِين عَام اَلْبُحُوثِ اَلْإِسْلَامِيَّةِ فِي اَلْأَزْهَرِ اَلشَّرِيفِ : أَحْمَدْ شَلَبِياَلْعَلَّامَةِ اَلدُّكْتُورِ عَبْدِ اَللَّهْ اَلْعَلَايْلِي
اَلدُّكْتُورُ مُصْطَفَى مَحْمُودْ
كَانَ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ اَلشِّرَاءِ وَالْحُرِّيَّةِ اَلْمُطْلَقَةِ اَلْقَرِيبَةِ مِنْ دَرَجَةِ اَلْفَوْضَى وَالتَّعْقِيدَاتِ وَالْعَلَاقَاتِ اَلْغَرِيبَةِ .
عِنْدَمَا خَطَبَ صَعْصَعَة بْنْ مُعَاوِيَة ، اِبْنَةُ عَامِرٍ بْنْ اَلضِّرَّابْ حَكِيم اَلْعَرَبِ ، قَالَ لَهُ : يَا صَعْصَعَة ، إِنَّكَ جِئْتُ تَشْتَرِي كَبِدِي مُنِيَ وَأَرْحَمَ وَلَدِي عِنْدِي .
كَثِيرَاتٌ مِنْ اَلنِّسَاءِ كَانَتْ اَلْعِصْمَةُ بِأَيْدِيهِنَّ ، كَمَا أَنَّ بَعْضَ اَلْقَبَائِلِ كَانَتْ تُعْطِي اَلْمَرْأَةُ حُرِّيَّةَ اِخْتِيَارِ شَرِيكِهَا . ذِكْرٌ أَنَّ هِنْدْ بِنْتْ عُتْبَة قَالَتْ لِأَبِيهَا :” أَنِّي اِمْرَأَةٌ قَدْ مَلَكَتْ أَمْرِي ، فَلَا تُزَوِّجُنِي رَجُلاً حَتَّى تَعَرُّضِهِ عَلِي ”
أَجَابَهَا وَالِدُهَا : ” لَكَ ذَلِكَ يَا هِنْدْ ”
أَمَّا عَنْ اَلْعِصْمَةِ فَيَقُولُ أَبُو اَلْفَرَجْ اَلْأَصْفَهَانِي فِي كِتَابِهِ اَلْأَغَانِيَ :
” لِأَنَّ اَلنِّسَاءَ أَوْ بَعْضِهِنَّ يُطْلِقْنَ اَلرِّجَالُ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ ، وَلَمْ تَكُنْ اَلنِّسَاءُ فِي حَاجَةٍ إِلَى اَلْمُصَارَحَةِ بِالطَّلَاقِ ، بَلْ كَانَ حَسَبُهُنَّ أَنْ تَتَحَوَّلَ أَبْوَابُ خِيَامِهِنَّ ، إِنَّ كَانَتْ إِلَى اَلشَّرْقِ ، فَإِلَى اَلْغَرْب . . .
” هَكَذَا كَانَتْ اَلْعَلَاقَةُ اَلزَّوْجِيَّةُ هَشَّةً غَيْرَ مُنَظَبِّطَة ، لَيْسَ لَهَا رَابِطٌ شَرْعِيٌّ أَوْ دِينِيٍّ ، بَلْ هِيَ أَشْبَهُ مَا تَكُونُ بِرَابِطَةٍ تِجَارِيَّةٍ ، تَفَسُّخٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَيَذْهَبُ كُلٌّ فِي حَالِ سَبِيلِهِ .
دَخِيل عَلَى اَلْعَرَبِ
أَبْرَزَ أَنْوَاعَ اَلزَّوَاجِ فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ :
كَانَ زَوَاجُ اَلْمُشَارَكَةِ ، أَيُّ تَعَدُّدِ اَلْأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَةِ اَلْوَاحِدَةِ ، وَكَانَ مُنْتَشِرًا فِي بِلَادِ اَلْيَمَنِ ، اَلْعُرْفُ آنَذَاكَ يَقْضِي بِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَحَدُ اَلْأَزْوَاجِ أَنْ يَخْلُوَ بِالزَّوْجَةِ ، يَتْرُكَ عَصَاهُ بِالْبَابِ لِيَعْلَمَ بَقِيَّةَ اَلْأَزْوَاجِ ، أَنَّهُ مَعَهَا .
هَذَا اَلزَّوَاجِ لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا إِلَّا فِي عَدَدٍ قَلِيلٍ مِنْ اَلْقَبَائِلِ ، وَيَرَى بَعْضُ اَلْمُؤَرِّخِينَ أَنَّهُ دَخِيلٌ عَلَى اَلْعَرَبِ ، وَكَانَ مُتَّبَعًا فِي عَدَدٍ مِنْ اَلْحَضَارَاتِ اَلْعَرَبِيَّةِ ، وَبِصُورَةٍ خَاصَّةٍ لَدَى اَلْيُونَانَ وَالرُّومَانِ ، كَانَ اَلْعُرْفُ وَالْقَانُونُ فِي بِلَادِ اَلْإِغْرِيقِ ، يَسْمَحَانِ بِتَعَدُّدِ اَلْأَزْوَاجِ لِلْمَرْأَةِ اَلْوَاحِدَةِ ، شَرِيطَةُ أَنْ يَكُونَ اَلْأَزْوَاجُ أُخُوَّةً ؛ بَعْضِ اَلْمُؤَرِّخِينَ عَزَا ذَلِكَ إِلَى تَوْفِيرِ اَلنَّفَقَةِ ، فِيمَا إِذَا كَانَ اَلْأَزْوَاجُ أُخُوَّةً يَسْكُنُونَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ ، وَيَرْوِي بَعْضُ اَلْمُؤَرِّخِينَ أَنَّ فِي بِلَادِ اَلرُّومَانِ ، تَزَوَّجَتْ اَلنِّسَاءُ عَشَر مَرَّاتٍ ، وَأَنْ أُخْرَى تَزَوَّجَتْ ثَلَاثَةَ وَعِشْرِينَ رَجُلاً
عَنْ اَلسَّيِّدَة عَائِشَة :
” هَذَا اَلزَّوَاجِ ظِلَّ مُتَّبَعًا فِي بَعْضِ أَنْحَاءِ بِلَادِ اَلْعَرَبِ ، حَتَّى ظُهُورِ اَلْإِسْلَامِ ، فَحَرَّمَهُ ، وَنُظُمَ اَلْعَلَاقَةِ اَلزَّوْجِيَّةِ . نِكَاحُ اَلرَّهْطِ :
هُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ اَلرَّهْطُ دُونَ اَلْعَشَرَةَ ، يَدْخُلُونَ عَلَى أَمَرَاهُ وَيُصِيبهَا طَلَهُمْ ؛ فَإِذَا حَمَّلَتْ وَوَضَعَتْ ، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ ، فَيُلَبُّونَ طَلَبُهَا ، وَعِنْدَمَا يَجْتَمِعُونَ تَقُولُ لَهُمْ : قَدْ عَرَفْتُمْ اَلَّذِي كَانَ – وَقَدْ وَلَّدَتْ – فَهُوَ اِبْنُكَ يَا هَذَا ، وَتُسَمِّي اَلشَّخْصَ اَلَّذِي اِخْتَارَتْهُ ، فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ اَلرَّجُلُ .
نِكَاحُ اَلْاَسْتِيضَاعْ :
يَأْمُرَ اَلزَّوْجُ زَوْجَتَهُ بَالَاسْتِيضَاعْ مِنْ أَحَدِ فُرْسَانِ قَبِيلَتِهِ اَلْأَقْوِيَاءَ اَلْأَشِدَّاءِ ، اَلَّذِي يَعْجَبُ بِهِ اَلزَّوْجُ : بَعْدُ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا بَعَتَزَلْهَا اَلزَّوْجُ ، حَتَّى يُظْهِرَ عَلَيْهَا اَلْحَمْلُ .
هَذِهِ اَلرغبَة اَلشَّاذَّةَ تَعُودُ إِلَى أَمْنِيَّةٍ اَلزَّوْجِ ، بِأَنْ تُنْجِبَ لَهُ زَوْجَتِهِ وَلَدًا يُشْبِهُ هَذَا اَلْفَارِسِ ، وَيَتَحَلَّى بِصِفَاتِهِ كَيَّ بِتَفَاخُرِ بِهِ .
ظِلُّ هَذَا اَلزَّوَاجِ مُتَّبِعًا حَتَّى ظُهْرِ اَلْإِسْلَامِ ، فَحُرْمَةُ وَأَعْطَى لِلْمَرْأَةِ حُقُوقَهَا اَلْعَادِلَةَ ، فِي إِطَارِ مِنْ اَلْأَخْلَاقِ ، وَالشَّرَفُ وَالْكَرَامَةُ
زَوَاجَ اَلْمَوَارِثَة :
إِذَا مَاتَ اَلزَّوْجُ ، كَانَ عَلَى اَلْأَخِ أَنْ يَتَزَوَّجَ زَوْجَتَهُ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ ، فَأَقْرَب اَلرِّجَال إِلَيْهِ ؛ وَكَانَ عَلَى اَلْأَخِ أَوْ اَلْقَرِيبِ ، أَنْ يُسَارِعَ إِلَى اَلْأَرْمَلَةِ ، فَيُلْقِي عَلَيْهَا عَبَاءَتُهُ ، فَتُصْبِحُ لَهُ زَوْجَةٌ ، أَمَّا إِذَا سَارَعَتْ إِلَى أَهْلِهَا قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَيْهَا ، فَتَتَحَرَّرُ مِنْ إِرْغَامِهَا عَلَى اَلزَّوَاجِ ، بِحَسَبَ اَلْعُرْفِ ، وَتَصِيرَ حُرَّةً طَلِيقَةً ، وَتَتَزَوَّجَ منْ تشَاء .
وَأَيْضًا ، كَانَ يَجُوزُ لِلِابْنِ إِذَا مَاتَ أَبُوهُ عَنْ زَوْجَتِهِ غَيْرُ أُمِّهِ ، أَنْ يَطْرَحَ ثَوْبُهُ عَلَيْهَا ، فَتَصِيرُ زَوْجَتُهُ ، وَقَدْ حَرَمَ اَلْإِسْلَامُ ذَلِكَ أَيْضًا ، فِي اَلْآيَةِ اَلْكَرِيمَةِ :
” لَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ اَلنِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ” . ( ٣)
زَوَاجُ اَلْمُتْعَةِ :
زَوَاجُ بِأَجْلٍ يَنْفَصِلُ اَلزَّوْجَانِ بُعْدَهُ . هَذِهِ اَلْعَلَاقَةِ تُشْبِهُ « عَقْدَ صَفْقَةٍ » ؛ وَكَانَتْ اَلْبَغْيُ إِذَا حَمَّلَتْ وَوُلِدَتْ ، تَلْجَأَ إِلَى ذَوِي اَلشَّأْنِ ، فَتَقَدَّمَ لَهُمْ قَائِمَةٌ بِأَسْمَاءِ اَلَّذِينَ تَرَدَّدُوا عَلَيْهَا ، فَيَجْمَعُونَهُمْ لَهَا ، وَتُلْحِقَ اَلْمَوْلُودَ بِاَلَّذِي تَرَاهُ شَبِيهًا لَهُ ، بَعْدُ أَنْ تَتَفَرَّسَ فِيهِمْ جَمِيعًا ، وَالرَّجُلُ اَلَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ اِخْتِيَارُهَا ، تَعْتَرِفَ اَلْقَبِيلَةُ بِأُبُوَّتِهِ لِلْوَلَدِ .
جَاءَ فِي اَلْمُسْتَطْرَفِ :
أَنَّ أَرْوَى بِنْتْ اَلْحَارِثْ بْنْ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبْ ، كَانَتْ أَغْلَظَ اَلْوَافِدَات عَلَى مُعَاوِيَة خِطَابًا ، وَكَانَ حُلْمُ مُعَاوِيَة أَعْظَمَ مِنْ غِلْظَةٍ .
قَالَ لَهَا عَمْرُو بْنْ اَلْعَاصْ : كَفَى أَيَّتُهَا اَلْعَجُوزِ ، أَقْصَرِي عَنْ قَوْلِكَ ، مَعَ ذَهَابِ عَقْلِكَ ، لَاتْجُوزْ شَهَادَتِكَ . . فَقَالَتْ لَهُ : وَأَنْتَ يَا اِبْن اَلْبَاغِيَةِ ، أُمُّكَ كَانَتْ أَشْهُرُ بَغِيٍّ بِمَكَّة وَأَرْخَصَهُنَّ أُجْرَةٍ ؛ وَادَّعَاكَ خَمْسَةِ نَفَر يَزْعُمُ كُلُّهُمْ أَنَّكَ اِبْنُهُ . . .
فَسُئِلَتْ أُمُّكَ عَنْ ذَلِكَ ، أَجَابَتْ : كُلُّهُمْ أَتَانِي ؛ فَلَمَّا نَظَرُوا أَشْبَهَهُمْ بِكُ اَلْحَقُّوكْ بِهِ ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ شَبَهُ اَلْعَاصِي بْنْ وَائِلْ ، فَلَحِقَتْ بِهِ .
رَايَاتٌ مُمَيَّزَةٌ :
كَانَتْ اَلْبَغَايَا فِي اَلْجَاهِلِيَّةِ يَضَعْنَ رَايَاتٌ مُمَيَّزَةٌ ، تَكُون أَعْلَامًا عَلَى أَبْوَابِهِنَّ ، لِيَعْرِف رُوَّادِهِنَّ مَكَانهُنَّ ، وَلَا يَمْتَنِعْنَ عَنْ تَلْبِيَةِ رَغَبَاتٍ مِنْ يَطْرُقُ أَبْوَابَهُنَّ فَإِذَا حَمَّلَتْ فَالطَّرِيقَةُ اَلْمَعْرُوفَةُ إِلَى اِخْتِيَارِ مَنْ تَشَاءُ مِنْ اَلْآبَاءِ لِوَلَدِهَا ، وَحَتَّى إِنْ لَمْ يَكُنْ وَالِدُهُ .
مِنْ خِلَالِ اَلظَّلَامِ اَلَّذِي كَانَتْ تَعِيشُ فِيهِ اَلْمَرْأَةُ ، سَجَّلَ اَلتَّارِيخُ نَمَادِجْ لِنِسَاءٍ شَهِيرَاتٍ قُمْنَ بِأَعْمَالِ مَجِيدَةٍ فِي تِلْكَ اَلْعُصُورِ اَلسَّحِيقَةِ ، ظَهَرَتْ بِلْقِيسْ مَلِكَةُ سَبَأِ ، هَذِهِ اَلْمَرْأَةِ ذَاتِ اَلتَّاجِ ، اَلَّتِي اِمْتَازَتْ بِسِعَةِ اَلْأُفُقِ وَالْحِكْمَةِ ؛ حِينَمَا هَدَّدَ مِلْكُهَا بِزَحْفِ اَلْمَلِكِ سُلَيْمَانْ ، عَلَيْهِ اَلسَّلَامُ ، ثُمَّ لَجَأَتْ إِلَى أَحْدَثِ أَسَالِيبِ اَلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ اَلْمَعْرُوفَةِ فِي عَصْرِهَا ، وَاَلَّتِي أَسْمَاهَا اَلْإِسْلَامُ بِالشُّورَى .
كَانَتْ فِي « سَبَأِ » صَاحِبَةَ اَلْكَلِمَةِ اَلْعُلْيَا اَلَّتِي لَا تَرِدُ ، وَلَكِنَّ تَعَرَّضَ وَطَنُهَا لِلْخَطَرِ ، وَيَحْكِي لَنَا اَلْقُرْآنُ اَلْقِصَّةَ :
” قَالَتْ : يَا أَيُّهَا اَلْمَلَأِ ، إِنِّي أُلْقِيَ إِلَى كِتَابٍ كَرِيمٍ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانْ ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ اَلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوَ عَلِي وَائْتُونِي مُسْلِمِينَ “ ( ١ ) ثُمَّ تَشَاوُرِ قَوْمِهَا ” يَا أَيُّهَا اَلْمَلَأِ أَفْتَوْنِي فِي أَمْرِي ، مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونَ ” ، ( ٢ ) فَأَجَابُوهَا عَلَى اَلْفَوْرِ : ” نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ ، وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكَ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ” .
إِلَى آخِرٍ اَلْقِصَّةِ اَلْوَارِدَةِ فِي اَلْقُرْآنِ تَكْرِيمًا لِعَقْلِ اَلْمَرْأَةِ .