الراعي: وحدها الدولة مؤتمنة على قضايا السيادة والاستقلال

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس اليوبيل ال 50 للحركة الرسولية المريمية، على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي “كابيلا القيامة”، بمشاركة لفيف من المطارنة والكهنة والراهبات، وحضور نقيب الصيادلة جو سلوم، قنصل جمهورية موريتانيا إيلي نصار، الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية الياس صفير وعائلة الحركة الرسولية المريمية وعدد من الفاعليات والمؤمنين.

 

بعد الإنجيل ألقى الراعي عظة بعنوان “إذهبوا، فتلمذوا كل الأمم، وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس”( متى 28: 19).

 

وقال: “تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الثالوث الأقدس، الآب والإبن والروح القدس، الواحد في الطبيعة، والمثلث الأقانيم المميزين بأفعالهم: فالله الآب خلقنا، والله الإبن افتدانا وخلصنا ، والله الروح القدس حقق فينا ثمار الفداء، وأدخلنا في الشركة مع الآب والإبن، لقد تأملنا بعمل الآب في الزمن السابق للميلاد؛ وتأملنا بعمل الإبن المرسل من الآب في زمن الميلاد والدنح والصوم والآلام والموت والقيامة؛ وتأملنا بعمل الروح القدس في زمن العنصرة، الذي معه ابتدأ زمن الكنيسة التي يقودها الثالوث القدوس: فمحبة الآب تظللها، ونعمة الإبن تقدسها، وشركة الروح القدس توحدها وتقودها. ولذا نبدأ كل عمل باسم الثالوث القدوس، وننهيه بتمجيده”.

أضاف: “نحتفل اليوم مع الحركة الرسولية المريمية بيوبيلها الذهبي، وشعاره كلمة المزمور “ليجدد الرب شبابك كالنسر”. فنقدم معها هذه الذبيحة الإلهية ذبيحة شكر لله على الخمسين سنة من حياتها. فيسعدني أن أقدم لها أطيب التهاني والتمنيات. أقدمها للمشرف عليها من قبل مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، سيادة أخينا المطران جي بولس نجيم، ولمرشدها العام قدس الأب مالك بو طانوس، وللمرشدين الإقليميين والمحليين. ولرئيس المجلس العام الأخ إيلي كميد، وهيئة المكتب وأعضاء المجلس العام. وأوجه تحية خاصة إلى سيادة أخينا المطران سمير مظلوم المرشد العام الأول للحركة، وإلى عزيزنا الأستاذ أنطوان شهوان رئيسها الأول. ونحن شخصيا واكبناها مرشدا محليا في رعية سيدة الوردية زوق مصبح، ورعية مار جرجس-الصعود في الضبية، وكأسقف في رعايا أبرشية جبيل العزيزة”.

 

وتابع: “قدرنا هذه “الحركة” وتعاونا معها في خدمتنا الرعائية والراعوية، وكانت ساعدنا الأيمن في إحياء حياة الرعية، ونحفظ عنها الكثير من الذكريات الجميلة وعن الوجوه الملتزمة، ولاسيما الذين واللواتي لبوا الدعوة إلى الحياة الكهنوتية والاسقفية والرهبانية الرجالية والنسائية، وبعضهم حاضر معنا اليوم. إنها في الكنيسة “حركة رسولية” تشارك في حمل الرسالة المسيحية في الكنيسة، ويهدف أعضاؤها إلى تقديس ذواتهم، والشهادة للمسيح في العائلة والمجتمع، وإلى التجديد المسيحي للنظام الزمني. وإنها “مريمية” لأن مثالها العذراء مريم سيدة الرسل وأم الكنيسة المرسلة. إن أعضاءها يعيشون مبادئها وينشطون في حقول رسالتها وشهادتها وفقا لدستور الحركة المعروف “بدليل نور وحياة”. وها هم اليوم يجددون وعدهم، ونحن نصلي من أجلهم. تجدر الإشارة إلى أن الحركة تحتفل بعيدها السنوي يوم العنصرة، ولكن لا لظروف طارئة كان اللقاء اليوم وفيه يجدد الأعضاء وعدهم الذي سيدلون به في ختام هذه العظة. فإني باسمكم وباسمي، أيها الحاضرون والمشاهدون عبر محطة تلي لوميار-نورسات، ووسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، نهنئهم باليوبيل وبالوعد، ونصلي من أجل حماية هذه الحركة الرسولية، وازدهارها، وتقديس أعضائها”.

 

وقال: “من المؤلم جدا أن تنقلب فرحة اليوبيل حزنا على ضحيتي حادثة المروحية الإيطالية بالأمس وهما في رحلة عمل موفدين من “مجموعة اندفكو الصناعية” ومن مدرائها التنفيذيين: المرحومان طارق طياح من غزير وشادي كريدي من العاقورة. وهما عزيزان على قلبنا ومعروفان منا، مع أولادهما وأهلهما وأنسبائهما. فإننا نصلي لراحة نفسيهما في الملكوت السماوي، ولعزاء أولادهما وأهلهما، و”مجموعة اندفكو الصناعية” والقيمين عليها، وعلى رأسهم عزيزنا النائب نعمت افرام. الله وحده يعرف كيف يخاطب قلوب الأولاد والأهل ويعزيهم ببلسم حنانه ورحمته”.

 

أضاف: “نعمة الثالوث الأقدس هي مصدر رسالة الكنيسة، التي تسلمتها من المسيح الرب. وقد سلمها لتلاميذه أساقفة العهد الجديد (متى 28: 18-20)، فهو كنبي بامتياز علم كلام الله وهو نفسه الكلمة، سلمهم سلطان الكرازة والتعليم: “إذهبوا فتلمذوا كل الأمم”. وككاهن بامتياز، هو نفسه الذبيحة والقربان، سلمهم سلطان التقديس بنعمة الأسرار. وكملك بامتياز، هو نفسه الملكوت، سلمهم الرعاية والتدبير بالمحبة الحقيقية. لكن الرب يسوع أشرك في هذه الرسالة المقدسة جميع المعمدين أعضاء جسده السري، وفقا لتعليم الكنيسة وترتيبها وتنظيمها: فالأساقفة بملء السلطان الإلهي، والكهنة بسلطان إلهي بالشركة مع الأسقف، والمكرسون والمكرسات وسائر المؤمنين بالمشاركة وشهادة الحياة”.

 

وتابع: “ليست هذه الرسالة الموكولة من المسيح الرب إلى الكنيسة محصورة بالأساقفة والكهنة والمكرسين والمكرسات والمؤمنين الملتزمين، بل تطال بمسؤوليتها السياسيين والسلطات المدنية أيضا، لكي يتم نشاطهم في كل ما هو حق وخير وجمال، فيؤتي ثماره الطيبة. وكذلك إن جهل الله، في جوهر كيانه بأنه إله واحد في ثلاثة أقانيم، لا يعطل عمله وثماره ونعمه وإيحاءاته في نفوس جاهليه وقلوبهم. ولذا، نقول لهم: عودوا إلى الله واستوحوا منه أعمالكم ونشاطاتكم ومواقفكم وممارسة مسؤولياتكم. فبالنسبة إلى الأزمة الناشئة على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل فإنها تعنينا جميعا، ولا مجال للتفريط بحقوقنا تجاه إسرائيل أو كرمى لأي دولة. الحق حق أمام العدو والصديق. إن الجنوب، أرضا وشعبا، عزيز على قلبنا، والثروات المنتظرة هي ثروات سيادية وطنية تعد بأرباح طائلة للدولة وللأجيال المقبلة. وجدير بالمسؤولين أن يعالجوا هذه الأزمة وصولا إلى الحل لا إلى الحرب، ليتمكن لبنان من استخراج الغاز والنفط في السرعة القصوى”.

وقال: “وحدها الدولة مسؤولة عن حسم هذا الموضوع. ووحدها مؤتمنة على قضايا السيادة والاستقلال، وعلى ثروات النفط والغاز. ووحدها الدولة مسؤولة عن إدارة المفاوضات مع الجهات الأجنبية، وتحديد دور الوسطاء، واتخاذ القرارات، وعقد المعاهدات، وتقرير الحرب والسلم. وعند الضرورة تستطيع استطلاع مواقف الأطراف السياسيين اللبنانيين نظرا لأهمية الموضوع ولدقة الظرف. ولكن، لا بد من أن يكون في النهاية مرجع يحسم الجدل القائم ويضمن حقوق لبنان. وفي كل ذلك ينبغي تحديد مهلة زمنية للمفاوضات الرامية إلى استخراج ثروتنا واستثمارها بأقصى سرعة. وبالمقابل، حري بالدولة ألا توظف هذه المفاوضات الحدودية في أي استحقاق داخلي سياسي أو انتخابي، بل في نهضة لبنان الجديد، والاضطلاع بدوره في الشرق الأوسط وحوض البحر الأبيض المتوسط كدولة عضو في منتدى الدول المنتجة والمصدرة للنفط والغاز. من أجل كل ذلك، يجب الإسراع في إجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس حكومة وطني وذي صفة تمثيلية، ولتأليف حكومة كاملة الصلاحيات تشارك في المفاوضات الحدودية. لا يجوز دستوريا وميثاقيا تغييب مجلس الوزراء. ولكن يؤسفنا في قلب هذه الاستحقاقات المصيرية، أن يبقى هاجس بعض المسؤولين مكافحة أخصامهم في السياسة والإدارة والمؤسسات المدنية والعسكرية لتعيين بدلاء عنهم يدينون لهم بالولاء والطاعة. ولم يتحرروا بعد من شهوة الأحقاد والانتقام. ويؤسفنا أنهم، رغم مناشداتنا المتكررة، لا يزالون يستخدمون بعض القضاة ويعطونهم توجيهات مباشرة لفتح ملفات فارغة وإغلاق ملفات مليئة بالشوائب والاختلاسات. فيا ليت هؤلاء النافذين وهؤلاء القضاة يوظفون جهودهم في دفع التحقيق في مرفأ بيروت لتصل العدالة إلى أهالي الشهداء والمصابين وإلى بيروت الجريحة، وليتم البت بمصير الموقوفين منذ سنتين من دون محاكمة!”

أضاف: “يا ليتهم يلاحقون من يمنع إغلاق المعابر الحدودية، ومافيات الكهرباء والطاقة، وتجار المخدرات الذين يعكرون علاقات لبنان بدول شقيقة وصديقة! يا ليتهم يحققون مع الذين يصادرون الأدوية ويحتكرون المحروقات ويخبئون المواد الغذائية ويتلاعبون بالاسعار! يا ليتهم يولون اهتمامهم لتعويضات نهاية الخدمة، وهي ذخيرة العمر لأكثر من نصف مليون عائلة لبنانية، حيث انخفضت قيمتها، على حد تقرير مؤسسة محترمة، من نحو 8 مليار دولار إلى نحو 430 مليون دولار، وهي غير متوفرة!”

 

وتابع: “يتضح يوما بعد يوم، بسبب الأحداث الأمنية والخروج من هيبة الدولة، واجب جميع اللبنانيين، شعبا وطوائف وأحزابا، أن يدعموا الجيش اللبناني في كل آن، ولا سيما هو يتصدى للخارجين عن الشرعية والقانون أكانوا لبنانيين أم غرباء. إن الجيش يقوى أكثر فأكثر حين يشعر أن الشعب معه في مهماته الوطنية. لذلك رفضنا ونرفض أن تكون أمام الجيش مناطق مفتوحة وأخرى مقفلة عليه. هذا جيش البلاد، كل البلاد. ولا يحق لأحد أن يحرجه، أو أن يشكك في قدراته، وأن يضع له خطوطا حمر في هذه المنطقة أو تلك. فالجيش اللبناني قادر بقواه الذاتية أن يدافع عن لبنان في الداخل وعلى الحدود”.

 

وختم: “تناولت كل هذه المواضيع معكم يا شبيبة الحركة الرسولية المريمية لأن مستقبل لبنان هو للشباب. فيا أيها الثالوث القدوس، قد سفينة وطننا وكنيستنا إلى ميناء الأمان، ولك نرفع كل مجد وتسبيح وشكران”.