أخطار الوضع الرَّاهن تتجاوز السِّياسات التَّقليديَّة

د. وجيه فانوس… البناء

تتجاوز التَّحديَّات الوطنيَّة للمرحلة القصيرة المقبلة، أيَّ صراع تقليديٍّ سياسيّ في سبيل تشكيل حكومة عتيدة؛ كما تتخطّى هذه التّحديات، بأخطارها ونُذُر خرابها، أيّ انتظار لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

 

إنّ تقرير خطّة ماليّة لمستقبل البلد، أكانت مع صندوق النّقد الدّولي أو مع أيّة جهة أخرى سواه، باتت أمراً لا يحتمل ولو ذرَّة من تأجيل؛ نظراً إلى ما تعانيه الدَّولة من نقص هائل وفاضح وكاسح ومتنام في قدراتها على سدِّ نفقاتها المالية برمّتها. وإنَّ مفاوضات الحدود البحريّة الجنوبية، لحفظ الحقوق الوطنيّة للبنان في الغاز الطّبيعيّ والنّفط، تقف في وضع شديد القلق وربما الوهن، أمام إصرار دولة الكيان الصّهيونيّ الغاصب، على استخراج ما تضع يدها عليه من غاز ونفط.

 

يُضاف إلى كلّ هذا، أنّ صعوبة حصول النّاس على رغيف الخبز تتعاظم بسرعة هائلة؛ لا يمكن أن تبشّر بأيّ خير يصيب السّلامة الغذائيّة الوطنيّة، بل تؤذن بدمار ساحق، يطال الأمان الاجتماعيّ الوطنيّ.

 

يتعاظم هذا الخسران العام مع ما يعانيه النّاس، يوميّاً، من صعوبات جمَّة في حصولهم على الوقود وتوفير الكهرباء، مروراً بالوصول إلى الدَّواء والاستشفاء. وتأتي ثالثة الأثافي، ههنا، في ما بدأ يطفو على سطح الواقع المعيش، من مرارة ما تعانيه إدارات الدّولة كافّة من إمكانيّاتها على تأمين احتياجاتها المكتبيّة اليوميّة؛ وربّما ممّا قد تصل إليه، خلال أيّام معدودة، من تقصير في حصول العاملين فيها على مرتبّاتهم الشّهريّة.

 

يتطلّب هذا الوضع المتهاوي بأسرع مما يمكن تصوّره، اعتماد منطق عمليّ عقليّ وموضوعيّ، قوامه جرأة، لا بدّ منها في المعالجة، تتجاوز كثيراً من تقاليد العمل السّياسيّ المعتاد وأساليبه الرّوتينيّة المعتمدة في الظّروف العاديّة في لبنان؛ وتتخطّى، كذلك، كثيراً آخر من أدبيّات الدّبلوماسيّة الوطنيّة المتوارثة. إنها جرأة تنطلق من مبدأ وطنيّ أساس ووحيد، قوامه أنّ الأولويّة المطلقة، لن تكون سوى للعمل السّريع والمباشر ولكن الرّصين والمسؤول لخلاص لبنان، عن بكرة أبيه، من هذا الكابوس القاتل؛ الذي تزداد ضغوط خرابه مع كلّ لحظة وتتعاظم، مُفْنِيَةً كلّ ما تبقّى من البلد.

 

إنّ الأوضاع الوطنيّة والسّياسيّة والمعيشيّة العامّة في لبنان، وفي هذا الظّرف القاتل حتماً، وخاصّة إذا ما تُرك حبل الشّأن السّياسيّ على غارب مراعاة الخواطر وتوازن المصالح وتحصيل المكاسب، لن يقود سوى إلى انفجار وطنيّ، سيبكي النّاس من خرابه، لوعةَ أعمارهم من احتراق وجودهم بخراب عيشهم، وعماه لرؤيتهم في ليل بهيم سيحيق بالآتي من أيامهم وأيام أولادهم وأحفادهم، بل من وجود وطنهم بكليّته.

 

لا مجال، والحال على ما عليه، مع هذه الدّولة التي ما من دواء مُؤمَّن لعلاجها ولا هواء متوفِّر لتأمين تنفّسها، سوى أن يلجأ أطباؤها إلى جراحة مباشرة، وإن ستكون مؤلمة وقاسية؛ غير أنّها تساعد على توفير عوامل الشّفاء وتحضير الوضع للتّعامل مع عناصر قادرة بفاعليَّة حيويَّتها، على توفير قيامة جديدة وعيش واعد بالخير لهذا المريض المُنهك بأوصابه والمفجوع بخساراته.

 

لا بدّ من عمل سريع ومباشر ورصين ومسؤول لخلاص لبنان، عن بكرة أبيه، من هذا الكابوس القاتل؛ الذي تزداد ضغوط خرابه في كلِّ لحظة بل تتعاظم أذرع أخطبوط تدميرها، مبيدة، بكلِّ ما فيها من عُهر، جميع ما سيتبقّى من البلد.

 

إنّ لبنان يقف أمام خيارين، يشكّل كلّ منهما بديلاً وطنيّاً من الآخر؛ وهما خياران برسم جميع القيّمين على الشّأن في لبنان، بدءاً من المجلس النّيابي، والسيّد الرّئيس المكلّف تشكيل الحكومة العتيدة، والسيّد رئيس الجمهوريّة ومعهم جميع القيادات الوطنيّة الواعية والمخلصة، وإلى جانبهم القوى الدّوليّة المهتمّة بعودة لبنان إلى طبيعة وجوده الفاعلة؛ فإما تشكيل حكومة فاعلة حائزة للثّقة النّيابيّة، خلال أسبوعين في حدّ أقصى؛ أو تقصير للولاية الرّئاسيّة المتبقية، إفساحاً في المجال أمام عهد رئاسيّ يحمل مسؤوليّة العمل للمرحلة الصّعبة والخطيرة المقبلة.

 

لبنان في سباق قاتل مع الوقت؛ فإما بداية لحياة، أو هو إيذان بموت