المشترك والخاص في هموم وقضايا المشرق والمغرب العربيّين

عدنان برجي

مدير المركز الوطني للدراسات

لبنان

يشكّل المشرق العربي ( بلاد الشام: اي لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق)، والمغرب العربي، جناحا الأمّة العربيّة في موقعين جغرافيّين مُتباعدين، تجمع بينهما تحدّيات مشتركة، وتاريخ مشترك، ولغة مشتركة، وآمال مشتركة. وما يحدث في اي منهما ينعكس بشكل او بآخر على الثاني، وذلك طبيعيًّا لأنهما ينتميان الى جسد واحد، هو الوطن العربي الكبير، الذي يحتل عُشْر مساحة الكرة الأرضيّة، ويربط بين قارات ثلاث، وينعم بثروات طبيعيّة هائلة، وبثروات روحيّة خلاّقة، إذ يكفه في هذا الإطار أنّه مهد الرسالات السماويّة الخالدة.
إن الأمّة العربيّة هي أمّة واحدة، على الرغم من تجزئتها أوطانًا عديدة، لذلك فالمُشترك بين أقطارها من هموم وقضايا هو السمة الغالبة. دون ان نغفل خصوصيّات كل منطقة، فعبقريّة المكان التي تحدّث عنها الدكتور جمال حمدان يقابلها، عبقريّة مصالح المحيط والمشاريع الإقليميّة، وبخاصة في حالات الضعف والانكسار، وأثناء غياب المشروع القومي العربي.
المشترك من الهموم والقضايا بين الجناحين: المشرق والمغرب العربيّين
1- مواجهة الحرب على الحضارة العربيّة الإسلاميّة التي هي مصدر ثقافة وطريقة حياة، ومرجع عادات وتقاليد ومفاهيم لكل ابناء الأمة على مختلف انتماءاتهم الدينيّة والعرقيّة والإثنيّة.
2- مواجهة الحرب على العروبة التي هي انتماء جامع، تنضوي تحته القوميّات المتنوعّة في الأمّة.
3- مواجهة الحرب على الإسلام ووصم المسلمين بالإرهاب والتطرف، من قبل قوى استعماريّة وعنصريّة وصهيونيّة.
4- مواجهة طمع الاستعمار بهما (المشرق والمغرب) منذ القدم، وحتى الآن، وفي المستقبل. ذلك ان أي مستعمر أو طامع، ينظر ألينا كعرب جسمًا واحدًا، لكنه يسعى لأن يفرّقنا ويقسّمنا، ويشتّتنا، ويقيم الحدود بيننا، حتى تسهل سيطرته علينا.
5- مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ومهتّمه الدائمة في ان يكون فاصلّا بين المشرق والمغرب، فيحافظ على التجزئة وفق الأطر التي رسمها الاستعمار القديم، ويستنزف الطاقات ليبقي التخلف سائدًا في مجتمعاتنا. ان التنمية الحقيقية تتطلب التكامل الاقتصادي بين الدول العربيّة وليس اقامة الحواجز بينها.
6- مواجهة انظمة الحكم، جمهوريّة كانت أو ملكيّة، ثورية أو محافظة، التي تشجع الفساد، وتقهر الشعوب، وترهن معظم قراراتها لتوجيه الخارج ،. فلا حريّة سياسيّة للمواطن ولا حريّة اجتماعيّة له، ولا حريّة للوطن ولا استقلال حقيقي أوسيادة كاملة، مع اختلاف النسب بين دولة وأخرى.
7- تأثر كليهما بودائع الإنتداب الفرنسي والبريطاني. هذا الإنتداب لم يرحل في كل من المشرق والمغرب إلا بعد ثورات دفع خلالها الشعب أنهارًا من الدماء، وبعد نهب خيرات مافوق الأرض وما تحتها. لقد تفتحّت عيوننا على ثورات الجزائر والمغرب وتونس، وإن أنسى فلن أنسى، من ايّام طفولتي، كيف كانت نساء المشرق تبيع حليها لتدعم ثورة الجزائر، وكيف كنّا ننشد في مدارسنا أناشيد ثورة المليون شهيد. ولن أنسى بطبيعة الحال كيف سقط أبناء المغرب العربي شهداء دفاعًا عن فلسطين سواء في الحرب العربيّة المظفّرة عام 1973، او في صفوف المقاومة الفلسطينيّة. ولا زالت عواصم دول المغرب العربي تشهد التظاهرات المليونيّة دعما لفلسطين ورفضًا للتطبيع مع الكيان الغاصب والمحتل.
8- في كل منهما، المشرق والمغرب العربيّين، هناك وديعة استعماريّة لا تُخفى على عيون المتابع، عنوانها العريض فرّق تَسُد. ففي المشرق سعوا الى استبدال نعمة التنّوع الطائفي والمذهبي، بنقمة التعصّب والتحجّر والتطرّف. وفي المغرب، سعوا ويسعون الى تحويل نعمة التنّوع القومي الى نقمة التقوقع ورفض الآخر. وللأسف فقد جاءت استراتيجيّة اسرائيل في الثمانينات لتكمل ودائع الاستعمار ولتفجّر الأحقاد وتعمّق كل أنواع التطرّف، والتعصّب، والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، بل بين أبناء المجتمع الواحد. ومن ودائع الاستعمار الخبيثة، إبقاء مناطق متنازع عليها بين دولة وأخرى، ليسهل تحريك الفتن بينهما في لحظات سياسيّة معيّنة. كما الإيحاء أن جزءً من شعب الوطن الواحد يلقى تفضيلًا من طرف استعماريّ معّين، مما يزرع عقدتيْ الخوف والغبن فتكبر الضغائن من جهة، وتضعف المواطنة عند الجميع من جهة ثانية.
9- مواجهة محاولات فرض التطبيع مع العدو الصهيوني بوسائل مختلفة وأساليب متنوعّة، ولغايات واحدة هي الدخول الى النسيج المجتمعي العربي للإمعان في تخريبه.
هذا في الجانب المشترك بين جناحي الأمّة وربما مع جسدها، المكوّن من بلاد النيل ودول الخليج العربي، اما في جانب الخاص من هموم وقضايا المشرق العربي فأذكر باختصار ما يلي:
1- مواجهة آثار الحروب المباشرة مع الكيان الصهيوني الغاصب، واحتلال أراض عربيّة، وتهديد دائم بالاعتداءات الإسرائيلية كما يحصل مع لبنان وسورية، واستمرار التوسع الاحتلالي والاستيطاني في الضفة الغربيّة لفلسطين، ومحاصرة غزة، وتهويد القدس. ومحاولة تعميم فكرة الأوطان الطائفيّة من خلال نموذج يهوديّة الكيان.
2- مواجهة آثار الاحتلال الأميركي للعراق، ليس داخل العراق فقط بل في المحيط الجغرافي العربي.
3- مواجهة آثار اتفاقيات وادي عربة وأوسلو. هذه الاتفاقيّات التي استُخدمت سبيلًا للتوّسع الصهيوني، وليست سبيلًا لاسترجاع حق سليب.
4- مواجهة الحروب داخل الوطن الواحد، بما يهدّد وحدة هذه الأوطان.
5- مواجهة التعصّب والتطرف، والحرب الإقتصاديّة، التي بدأت بإفقار المجتمعات وإغناء أفراد، والتي باتت تهدد بتفكيك المجتمعات وتعميم الحروب الأهلية.
6- التعامل مع مخيمّات اللاجئين الفلسطينيّين الذين يفتقدون الى أبسط الحقوق المدنيّة، وقد أضيف اليهم منذ عقد مخيمّات النازحين السوريّين. لقد بدأت الدول الخارجيّة بالتخلي عن التزاماتها. فالأونروا مهدّدة بالتوقف، ودول الاتحاد الاوروبي لم تسدّد التزاماتها حيال لبنان هذا العام مما فاقم ازمة التعليم الرسمي فيه.
7- التعامل مع وجود مشروعين إقليميّين على حدود بلاد المشرق العربي: المشروع التركي والمشروع الإيراني، وسعي كل منهما للاستفادة من واقع التشظي داخل بلدان المشرق.
8- التعامل مع محاولات استخدام دول المشرق العربي في الصراع الأميركي- الصيني – الروسي ، وربط المشكلات الداخليّة بالتفاهمات الدوليّة. مثال : تأليف حكومة لبنان.
9- مواجهة الاستنزاف المستمر والمتواصل للأدمغة، وقد زاد من وتيرته الأزمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة الخانقة التي تواجهها دول المشرق العربي قاطبة.
في الخلاصة: ان الهموم والمشاكل واحدة، ومواجهتها تتطلب مشروعا نهضويًا عربيًا واحدًا، يستفيد من التجارب السابقة بانجازاتها واخفاقاتها، تساهم فيه مؤسّسات مدنيّة ووطنيّة تعمل بنفس تكاملي ويكون للشباب العربي دور رئيسيّ فيه.
بيروت 18/3/2021