هذه حصة لبنان من النفط والغاز

يشغل النفط والغاز اللبنانيين اليوم باعتبارهما خشبة خلاص لبنان من الانهيار الحالي، في وقت يستبعد فيه اقتصاديون تحقيق استفادة قريبة نظرا للتعقيدات السياسيّة والأمنية واللوجستية الملازمة للملف.

 

الاهتمام بمسألة النفط والغاز في لبنان يعود لعهد الانتداب الفرنسي، إلا أن السياسة وحساباتها والحرب الأهلية وصعوبة الاستخراج في الماضي، عوامل حالت دون إتمام عملية الاستفادة، على أنّ شركات عربية وغربية عديدة تعاقبت على أعمال المسح والحفر والتنقيب خلال السنوات الماضية.

 

عام 2010، قدّر التقرير الصادر عن هيئة المسح الجيويولوجي الأميركية احتياطات الغاز في الحوض الشرقي للمتوسّط بـ122 تريليون قدم مكعب، بالإضافة إلى مليار و700 مليون برميل من النفط، في وقت تقدّر فيه دراسات سابقة أنّ لبنان يعوم على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز و30 إلى 40 بليون برميل فقط من النفط الخام. فيما تتلخّص أبرز المشاكل الآنية التي تعيق استخراج هذه الثروة بعدم ترسيم الحدود البحرية تحديدا مع الكيان المؤقت.

 

بين الخط 23 و29

 

يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي أنّ جدّية قضية النفط تعود لسنة 2010 مع صدور قانون النفط، تلاه رسم بياني من قبل بعض ضباط الجيش آنذاك منذ أكثر من 10 سنوات، تبيّن من خلاله أنّ الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة (الكيان المؤقّت) تقع على الخط 23، ووقّعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حينها على هذه الإحداثيات وكذلك فعلت حكومة الرئيس سعد الحريري بعدها، وتمّ إرسال المستندات اللازمة الى الأمانة العامة للأمم المتحدة، الى أن بدأت المفاوضات الأخيرة بين الوفد اللبناني الذي يتضمن ممثّلين عن قيادة الجيش وخبراء والوفد (الإسرائيلي) والوسيط الأميركي.

 

وبهذه المفاوضات -تابع يشوعي- أعاد الجيش اللبناني عبر الخبراء العسكريين وضع إحداثيات ورسم بياني جديد للحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة (الكيان المؤقّت) حسب المعايير الدولية التي ترعى مسألة تحديد الحدود المائية بين الدول، وتبيّن لممثّلي الجيش أن الخط 23 لم يكن الخط الصحيح إنّما الخط 29 والفرق بينهما نحو 1800 كلم مربع وأنّ المنطقة غنية بمخزونات مهمة من الغاز وربّما النفط، وعندما أثار الوفد اللبناني هذه المسألة رفض الجانب (الإسرائيلي) وعُلّقت المفاوضات.

 

الموقف الأميركي: من الخط المستقيم إلى المتعرج

 

يشير يشوعي في السياق إلى المرسوم رقم 6433 الذي يحدّد أن الخط 23 هو الحدود البحرية، مستعرضًا الطرح الذي جاء به الوسيط الأميركي والذي قال باستحالة رسم خط مستقيم عند ترسيم حدود مائية، وانّه لا بد من النزول إلى جوف البحر ورسم الحدود حسب وضع الآبار الموجودة، ما يعني الدخول بالخط المتعرّج.، ولأنّ الوسيط الأميركي يريد المصلحة (الإسرائيلية)، ابتدع طريقة في حقل أو بلوك “كاريش” بهذا الخط المتعرّج، ليصبح كلّه تقريبًا للجانب (الإسرائيلي) الذي عمل على استقدام شركة “إنرجي” للبدء بعمليات الحفر.

 

لبنان مقصّر!

 

“لبنان ما عمل شي” وفق يشوعي الذي روى أنّه عندما بدأت المفاوضات وبدأ الكلام عن الخط 29 منذ أكثر من سنة، أرسل لبنان رسالة إلى الأمم المتّحدة يؤكد فيها أنّ الحدود البحرية لم تعد 23 إنّما 29، متسائلًا كيف نستطيع تفسير ذلك للأمم المتحدة؟ وهل هي مرسوم معدل؟ مشدّدا على أنّه أصولًا لا بدّ من العودة إلى السند القانوني أي المرسوم 6433 وأن يتّم التوقيع على تعديله، والإقرار بأنّ هناك خطًا جديدًا هو الخط 29، وإرسال المرسوم المعدّل الى الأمانة العامة للأمم المتحدة وتصبح المنطقة تلقائيًا منطقة متنازعًا عليها، ما يجعل الشركات تتردّد قبل أن تقدم على الحفر أو الاستخراج بمنطقة بحرية ليس هناك تفاهم دولي حولها.

 

الثروة كبيرة

 

حول حجم الثروة النفطية، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكّوش بأنّ آخر التقديرات اليوم تتحدّث عن حوالي 95 تريليون قدم مكعب من الغاز وحوالي 900 مليون برميل نفط، موضحًا أنّ المتر المكعب يعادل 36.31 قدم مكعب، وإذا تمّ احتساب كميّة الغاز بالمتر المكعب فإنّها تبلغ حوالي 2616 مليار متر مكعب والذي يباع اليوم في أوروبا بحوالي 2226 دولارًا ما يعني أنّ كميّة الغاز تقدّر بأكثر من 5000 مليار دولار-قابلة للزيادة- وفق سعر الصرف الحالي، وحصة لبنان الثلث وبالتالي آلاف مليارات الدولارات من الثروة التي يمكن أن نحصل عليها من الغاز الطبيعي إضافة إلى الثروة من النفط، فاليوم سعر البرميل نحو 100 دولار.

 

فوائد بالجملة

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ مسار استخراج النفط والغاز، سيترافق حكما مع تنمية شاملة، ويقرن عكّوش الاستفادة باكتشاف آبار الغاز واستخراجه بإنتاج الكهرباء بسرعة كبيرة جدا لا تتجاوز السنة، وتخفيض الفاتورة النفطية التي تتجاوز اليوم 2.5 مليار دولار وبالتالي تخفيض العجز في الميزان التجاري والمدفوعات، ما ينعكس على المدى القصير على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى سعر صرف الليرة، فيما ينعكس على المدى الطويل ثقة بالعملة الوطنية والسوق والاقتصاد اللبناني نتيجة هذه الاكتشافات النفطية ما يشجع المستثمرين على دخول السوق اللبناني. متى تتحقّق هذه الاستفادة؟ يجيب عكّوش أنّ الأمر يحتاج إلى جرأة في التنفيذ والقرار من المنظومة السياسية وهذا ما نفتقده في لبنان للأسف.

أمّا يشوعي فيرى أنّ الاستفادة من الثروة الغازية والنفطية تتحقّق بعد تلزيم الشركات والبدء بالحفر والاستخراج وبناء منصات وتحديد حصة الدولة والغاء الشركات الوسيطة واستبدالها بشركة وطنية للنفط حسب القانون الأساسي، ولا يعتبر يشوعي أنّ حصة الدولة من هذه الثروة يجب أن تستعمل لإطفاء الديون أو تغطية الخسائر المالية للبنان والذي يمكن أن يتحقق عندما ننجح بعملية التدقيق المالي الجنائي في الأموال الطائلة المفقودة في البنك المركزي أو المهدورة من قبل الخزينة المركزية ومن قبل إدارة الدولة اللبنانية ومن التزم مشاريع فيها، ويرى أنّ الموارد المالية المتوقّعة يجب أن تدخل في الموازنات السنوية العامة من أجل أن تموّل نفقات مجدية على صعيد تحسين الخدمات العامة والبنى التحتية والمسألة البيئية وعملية صيانة مشاريع الدولة وسواها.

 

بالنتيجة

 

لبنان إذًا في مصافّ الدول النفطية، ولكن ما يميّزه عن أقرانه هو أنّ موارده ليست متاحة أمام العدّو ما يجعل الضغط عليه من الأخير يشتد بين الحين والآخر والحصار الاقتصادي خير دليل. وفيما لا يزال الجدل قائما حول المرسوم وسواه من العقبات لاستخراج النفط، تشخص التحليلات إلى ما يحمله الموفد الأميركي هوكشتاين الإثنين ومضمون الردّ اللبناني الذي يؤمل أن يرقى لمستوى ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة وقبلها تشكيل حكومة لبدء النهوض من تحت ركام الانهيار.