خبر مفجع إنتابنا الدكتور وجيه فانوس أتته المنيّة بعد أن كان يكتب مقالاً لأصدقائه المقاصديّين. هذا ما وردني صباح الأمس من المحامي الشهير الأستاذ رامي عيتاني أطال الله بعمره. لم أصدّق الخبر لو لم يؤكّده لي هذا الشاب اليافع المثابر. بيروت حزينة لأنّها ودّعت راحلها الكبير في مدافن العائلة، رجل العلم والأخلاق الدكتور وجيه فانوس المعروف بعلمه وبأدبه وبأخلاقه الفاضلة.
الدكتور وجيه فانوس الذي ترأس ندوة العمل الوطنيّ والمركز الثقافي الإسلاميّ، هو الكاتب الكبير الذي عُرف بالعلم من أجل خدمة الإنسان والفقراء، وعلى هذا الأساس لم يبخل قط في تقديم الخدمات بقدر إمكاناته لأبناء بيروت وغير بيروت حيث تكون الخدمة في إطار المصلحة العامة لا خارجها. كان ينزعج من الظلم والظالمين ويناصر المغلوبين على أمرهم، كونه كان إنسانيّاً في أعماقه الدفينة ولطالما إنحاز في كتاباته لصالح الضعفاء وليس القادرين من ذوي السلطان والجاه.
كان كل نشاطه من أجل رفعة جمعية المقاصد الخيريّة الإسلاميّة، فكان خير رفيق لكل أهل الخير أصحاب الأيادي البيضاء من أجل رفع شأن هذا الصرح البيروتيّ الإسلاميّ والمركز الثقافيّ الإسلاميّ.
لن يتخلى يوماً عن واجباته النضاليّة وكان من المثابرين الذين عرفتهم في منطقة الطريق الجديدة. كان ينهل العلم وكان يحب خدمة المجتمع. كان وجهاً مشّعاً لخدمة بيروت الوطنيّة وأحيائها الشعبيّة التي عرفت فيه الإخلاص وتفانيه لأهلها. بيروت تبكيه اليوم كما جماهيره الشعبيّة بحرارة.
غاب إلى رحاب الخالدين والموت حق، وبالتأكيد سار في مأتمه جميع أبناء بيروت وخصوصاً المثقفين والمظلومين منهم. لقد كان محترماً لدرجة عالية لأنّه لم يكن يوماً إلّا بجانب أهله وأصدقائه. بيروت تعاني الأسى والحسرة على وفاة الباحث الموسوعي والكاتب والأديب الدكتور وجيه فانوس. بموته إنطفأت شعلة البحث والمعرفة التي طالما أغنت المكتبة العربية بتراث لا ينضب من المؤلفات. فشكّلت ثروة معرفية سيستمر شعاعها المتسرّب إلى عقول الناس مثل تيار يُضيء الكون بنوره.
بالتأكيد، التقى في جنازته ي كل محبّيه من مثقفي بيروت وأهلها ورثته بكلمات مؤثرة. أهل القلم والفكر حزينون لفقدانهم أديب ومفكر كبير هو الدكتور وجيه فانوس.
سنودّع الراحل الكبير بخشوع إلى رحاب الموت الأبدي. فهو لم يكن عاديّاً في عطائه الفكري، فلقد استطاع عبر سنوات حياته الحافلة بالجد والمثابرة أن يمنح ترسانة الأدب والمعرفة والثقافة الوطنيّة أعمدة راسخة من مداميك نتاجه الفكري. كان عروبيّاًّ نهضويّاً طليعيّاً في ثقافته التي أرادها عملاً تأسيسيّاًّ لرفع شأن المجتمع العربيّ ورفده بروائع الثقافة الوطنيّة والمعرفة الأدبيّة المتطوّرة. سيظل إرثه الثقافيّ والمعرفيّ كبير. إنّه من الصعب فراقه، فبوفاته وبغيابه خسرت حديقة الأدب والفكر شجرة معطاءة وطير غنّاء من الصعب تعويضهما.
لقد ترصّد الكلمة بمعانيها ومرادفاتها كما يترصّد الصياد فريسته، وكل ذلك بخبرة العارف الفذّ. فكان موقعه كبير في عالم الإبداع والنضال الوطنيّ، وكان في مقدّمة النابغين ومعبّراً إلى ثقافة العالم وتراثه.
نمْ قرير العين يا دكتور وجيه، فروحك الطاهرة في حضرة الموت الواجب. عزاؤنا في نتاجك الفكري واستمرارية رسالتك المعرفيّة في كامل الرعاية والصون لمجمل عطاءاتك. تعازينا الحارّة لكل أهالي بيروت ولحرمك وأولادك، ولكل من عرفك عن قُرب أو بُعد. في جنات الخلد أنت يا دكتور وجيه.