تتجلّى أهمية فكر العلامة السيد محمد حسن الأمين، في كونه لا ينحصر في معالجة المسائل الدينية فحسب، بل ينسحب على ثقافة متعدّدة الأبعاد والتنوّع. وتأتي قراءته لتكسب الفرد رؤية أكثر وضوحاً و تقدّماً و موضوعية، يسقطها على كلّ ما يحيط به، بالإضافة إلى تحليل عقلانيّ لكل ما يختبره في حياته، سواء على المستوى الخاص أو العام، أو الإثنين معاً. بمعنى آخر، إن تمثّل الفرد بفكر العلامة الأمين يحرّره من سجنه الذي جرى ترسيم “حدوده” الضيقة، إن صحّ التعبير، من قبل الكثير من رجال “الدين – سياسيّين” الذين فرضوا التابوات والفتاوى، و عمدوا إلى “تأطير” العقول على قياس مصالحهم الخاصة أو مصالح أوليائهم الإقليمية. ولسنا هنا في صدد تناول الجانب الديني من فكر العلامة الأمين، لأنه يتطلّب مقاربة من قبل أخصائيين في الشريعة. احتلّ الحق بحرية المعتقد و الإختلاف في الرأي، حيّزاً كبيراً من اهتمام السيد الأمين، الذي سعى إلى توفير بيئة “حاضنة” له، وذلك عبر اعترافه بأهمية اعطاء المساحة القصوى لحريّة الفرد بالإيمان ، بغضّ النظر عن طبيعته، و تأكيدها. و لا يخفى ما لتوفير هذه الحرية من أهمية في تعزيز الاستقرار ليس فقط الإجتماعي، و إنما أيضاً النفسي باعتبارها ترتبط بالإيمان القوي بالذات، والثقة الكبيرة بالنفس اللذين يقويّان تقدير الفرد لنفسه. آن الأوان لإعادة النظر أو إحياء الحوار حول مفاهيم عامة كرّسها الكهنة والتي يرى العلامة الامين انها شكّلت عاملاً سلبياً وقف في وجه تقدّم المجتمعات كما أن منح “الشرعية” للتعدّدية، التي نادى بها العلامة، سواء كانت على مستوى الأفكار والمواقف والتنوّع في الآراء، يؤدّي دوراً في تهيئة الفرد لمرونة فكرية و “معتقدية”، تسهم في الحفاظ على غنى المجتمع من الناحية الثقافية و صلابة هويّته الخاصة، باعتبارها تؤسس لاحترام الإختلاف. ويؤدي أيضاً الإعتراف بتعددية المعتقدات و حرية الرأي واحترام الاختلاف، دوراً فاعلاً في تأسيس مناخ تنويريّ يطلق العنان للتفكير العقلانيّ، و يؤسّس للوسطية والاعتدال اللذين شكّلا دعامة لفلسفة السيد الأمين و لفكره ، واللذين بتنا أيضاً نفتقدهما في ظلّ ما يجري، من عملية تزييف لوقائع أو حتى إغفالها عن قصد بغية خلق بيئة حاضنة للتطرف، تلقي بثقلها على ديمقراطية الحياة السياسية، من خلال ابتداع “بوصلة” باسم الدين لتسيير الأفراد و توجيههم، ليصار إلى انتزاع انسانيّتهم عنهم، بما يتناسب مع أهداف بعيدة عن قضاياهم المحقّة. ويعدّ الحق في حرية المعتقد و الوسطية، محرّكين ديناميّين في تعزيز مفهوم المواطنة، و عاملين أساسيين في خلق “مواطنين” بدلاً من “موالين”. تمثّل الفرد بفكر العلامة الأمين يحرّره من سجنه الذي جرى ترسيم “حدوده” الضيقةمن قبل الكثير من رجال “الدين – سياسيّين” الذين فرضوا التابوات والفتاوى وتأتي التنشئة القائمة على احترام الآخر المختلف والاعتدال، لتضعف درجة الأنانية و الوصولية، مما ينعكس، بالتأكيد، إيجاباً على المواطنة، ليصار بعد ذلك إلى تصليب ركائز الدولة بدل تقويضها. وانطلاقاً من هذه الركائز ، تناول العلامة الأمين مسألة علمنة الإسلام، ونادى بها، معتبراً أن الإسلام يجب أن يكون في تجدّد دائم. إقرأ ايضاً: باسيل يشن «هجومه الأخير» الثلاثاء..والأرض «تغلي» من دير عمار إلى صيدا! وفي هذا التجدد تأتي استعادته للعلمانية. خلاصة، لقد سعى العلامة الأمين إلى العمل على نهضة الإسلام التي ترتكز ، برأيه، على العقل و الحرية و استعادة علمانية الإسلام، مشدّداً على أن الحقيقة هي فقط إنسانية، و لا يمكن تصنيفها إلى إسلامية و غربية و هندية. وفي حال لم يستعد الإسلام صناعة الحقيقة، يبقى ناقصاً. أخيراً ، أتت رسالة العلامة الأمين التنويرية، لتكسر الحصار المفروض على الفكر الاسلامي، الذي يمنعه من الإنطلاق نحو التجدّد و الإبتكار و الإعتدال. سعى العلامة الأمين إلى العمل على نهضة الإسلام التي ترتكز على العقل و الحرية و استعادة علمانية الإسلام بمعنى آخر، تجلّى فكره التنويري في سعيه إلى “قيامة” الإسلام. لذلك ، آن الأوان لإعادة النظر أو إحياء الحوار، حول مفاهيم عامة كرّسها الكهنة، كما يرى العلامة الأمين، والتي شكّلت عاملاً سلبياً وقف في وجه تقدّم المجتمعات، ليس فقط الإسلامية و إنما العربية أيضاً ، ومنعها من أن تتصدّر الحضارات والثقافات القائمة.