لا بُدّ من التّنويه والإشادة ، بمضمون المحاضرة التي ألقاها الناشط السياسي والباحث العراقي فارس حرّام ، في الندوة التي استضافه فيها ” منتدى جنوبية ” ، تحت عنوان : ” ألفاشيّة الجديدة في العالم العربي … ألعراق نموذجاً ” . وذلك لمناسبة مرور ثلاث سنوات على قيام ثورة تشرين في العراق ، وهي الثورة التي شاءت المصادفة ، أن تتزامن مع اندلاع ثورة 17 تشرين في لبنان . اقرا ايضا: النموذج العراقي للفاشية.. قراءة لفارس حرّام في «رحلة الثورة» بين تشرينين خلال ندوة «منتدى جنوبية» قراءة تقييميّة للتاريخ الفاشِيّ فلقد قدّم حرّام ، في محاضرته هذه ، وعبر قراءةٍ نقديّة متوازنة ، على مستوى التّقييم الأدائي للفاشِيّة ، على المستوى التّاريخي ، عموماً ؛ وخصوصاً لكلٍّ من : فاشيّة سلطة حزب البعث العراقي ( قُبيل حُكم صدام حسين ؛ وأثناء حكم هذا الحزب ، أيضاً ، بقيادة صدام حسين ) ؛ والفاشيّة العراقيّة الجديدة ، لمن جاء إلى السلطة ، بعد نظام صدام حسين . وجاء ذلك من خلال تحديد حرّام : سِمات وملامح النّموذج الفاشي العراقي ، بوجهيه هذين القديم والجديد . وفدت الفاشيّة إلى العالم العربي بعد نجاحها في ألمانيا وإيطاليا بالإطاحة بالديموقراطية بعد الحرب العالمية الأولى وقُبيل الحرب العالمية الثانية ملخَّصٌ ضِمنيّ إنّ هذا التّقييم ، هو الذي يخوِّلنا أن نَضَع المُلَخَّص الضِّمنِيّ لهذه المحاضرة ، باعتبار أنّ هذا التقييم هو نُواتُها المركزيّة التي تنضح بما يُشَكِّلُ هذا الملخَّص الذي مفادُهُ : إنّ الفاشيّة الجديدة في العراق وبنموذجها الذي قدَّمَته – بطبيعة الحال – هي عينُها ، سبَبُ ثورة تشرين العراقيّة . ذلك أنّ المشهد السياسيّ العراقيّ ، مشهد ما بعد سقوط نظام صدّام ، كان مخيِّباً لآمال الشعب العراقي ، بقيام نظامٍ ديموقراطي . فبدلاً من أن يتحوّل النظام – وعلى ما كان مأمولاً- إلى نظام ديموقراطي ، ما بعد صدّام حسين ، استمرّت معاناة الشعب العراقي ، معاناةً قاسية ومؤلمة ومريرة بسبب ما حصل بعد التّخلُّص من فاشيّة النظام السّابق . وذلك لأنّ الذي حصل ، وعلى حدّ قول حرّام : ” بعد أن سقط النظام ( البعثي ) ، كان من المفترض أن يتحوّل النظام ( العراقي ) إلى ديموقراطي ، ولكن ما حصل هو أنّ العراق غرق في إطار حركاتٍ فاشية جديدة ، استلهمت من النظام البعثي ، ما أدّى إلى عسكرة المجتمع في العراق ” . فخٌّ ذَاتِيٌّ ! وتحدّث حرَّام بإسهابٍ عن : نشأة الفاشيّة وتاريخها عبر فحص وتسليط الضوء عل العلاقة بين القِيم والحركات التي تتبنّاها ، وقال : ” أنّ الفكرة تصنع الحادثة ، والقيم الفاشية بوصفها أفكاراً ، هي التي تصنع الأحداث السياسية .” . وأشار إلى أنّ ” كلّ الحركات الفاشية التي تحوّلت إلى أنظمة سياسية ، لاتُقَدِّر أعداءها ، تقديراً حقيقياً ، وتسقُط في فخِّ تمجيد الذّات والمبالغة في تقدير القدرات الذّاتية وتصغير قُدُرات العدوّ ، وهذا ما حصل مع ألمانيا في الحرب العالمية الثانية ، والعراق ” . في العراق كانت النّقطة الفاصلة عام 1974 بتحوُّل الحركة الفاشيّة أي حزب البعث إلى نظامٍ شموليّ ولفت حرّام إلى أنّ : ” الفاشية وفدت إلى العالم العربي ، بعد الحرب العالمية الأولى وقبيل الحرب العالمية الثانية ، بعد أن نجحت في ألمانيا وإيطاليا بالإطاحة بالديموقراطية . إذ كانت الإجابة على بناء الدولة ، كيف نقِيمها على غرار دولة الإسلام ، وعندما جاء النموذجان : ألألماني والإيطالي ، سُحر العالم العربي بالحركة الفاشية ، فكانت هناك حركات علمانية ودينية فاشية ، وتوّج حزب البعث في العراق الحركة بانقلابين : الأوّل عام 1963 ( وبقي 9 أشهر في السلطة ) والثاني عام 1968 ( وبقي 35 سنة في الحكم ) في أعنف وأشدّ صور الفاشية . ” . ألنّقطة الفاصلة في العراق وقال مشيراً إلى أنه ” في العراق كانت النّقطة الفاصلة عام 1974 ، بتحوُّل الحركة الفاشية ، أي حزب البعث ، إلى نظامٍ شموليّ ، وصدر قانون الحزب القائد الذي فرض على مؤسسات الدولة ، أن تتبنّى وجهة نظرٍ في مؤسسات الدولة ، ما يعني دَمجَ الحزب بالدولة وتَحَوُّل الحركة الفاشية إلى نظام شموليّ ، وهذا يذكِّرنا بقانونٍ أصدره هتلر عام 1933 وهو قانون الحزب النازي ووحدة الدولة .” . وشدّد حرّام على أنّ الفاشية العربية ألعلمانية والدينية اعتمدت على ثلاث سلطات هي : دينية ( فرضت التقديس ) وقبليّة ( حوَّلت الأحزاب إلى عوائل ) ومالية ” . وعن كيفية مواجهة الفاشية ومعالجة قيمها بعد سقوط النظام ، تحدّث حرّام عن ” أنّ قِيم الفاشية لايمكن أن تُجتثّ ؛ ولكن يمكن أن تواجَه بالنقاش وتُفَنَّد، ليس مع الجمهور الفاشي ، بل مع القادة الفاشيين ، وليس فقط الاكتفاء بمحاكمتهم . ” . مَكمَن الخطورة ولفت إلى ” أنّ الخطورة تكمن بأنّ الجمهور الفاشي ، ينظر إلى قادته بأنّهم ليسوا مذنبين ، لذلك فالخطورة في الفاشية ليس في قادتها ، بل في جمهورها لأنه هو أداة هؤلاء القادة . ” واعتبر حرّام أنه ” يجب مواجهة الفاشية في عنصر قوّتها أي القيم التي تروِّج لها ، ولايجب الاكتفاء بالمحاكمة الجنائية لقادة الفاشية بل يجب إردافها بمحاكمة ثقافيّة ” ، مشيراً إلى ” أنه ينبغي أن تُقام في إطار دولة تدافع عن الديموقراطية بوجه الاستبداد ، عبر عملٍ سياسيّ ممزوج بالاحتجاج ، ليس فقط بالتظاهرات بل بالأطر الثقافيّة لكشفِ التّناقُض وتحجيم الحركة الفاشية .” . لم يكن تشرين العراقي تعبيراً عن تغييرٍ سياسيّ فقط بل هو في العمق صراع بين قيم الحريّة والديموقراطية والقيم الفاشِيّة وختم بالقول : ” لم يكن تشرين العراقي تعبيراً عن تغييرٍ سياسيّ فقط ؛ بل في العمق ، هو صراع بين قيم الحرّيّة والديموقراطية والقيم الفاشية . ” . لافتاً إلى ” أنّ البديل الذي لا يقدّم نفسه ممثِّلاً لنزعة القطيعة بين المجتمع والسلطة سيبؤ بالفشل ، وهذا ما حصل بالعراق . ” . ولقد حظيت محاضرة حرّام بنقاشٍ مهمٍّ ، في هذه الندوة ، وفي تعقيبه على مداخلات النّقاش ، أكّد حرّام أنّ ” فكرة البديل عن الفكر النّازي والفاشي ليست كافية ؛ بل المواجهة الثقافية هي أمرٌضروريّ . ” ، معتبراً أنّ ” الصراع هو صراع ثقافيّ مع الفاشيّة ، ولذلك يجب توسيع المواجهة الثَّقافيّة ، إلى جانب السياسة عبر تنوّع الوسائل ، من أجل الوصول إلى النتيجة المرجوّة . ” . سؤالٌ مُلِحٌ دائمٌ وأخيراً، يبقى سؤالنا الدّائم ، وهو السؤال الذي يبقى قائماً ، وعلى نحوٍ إلحاحيّ دائمٍ أيضاً : متى يبزغ فجر الحُرّيّة والديموقراطية ، على الصعيد السياسي العام في العالم