خط الغاز العربي الى الواجهة من جديد .. ما علاقة ملف الترسيم ؟!

بين كماشتي روسيا وأميركا بدت القارة العجوز في حالة ترنح بين الصمود والذهاب نحو الانهيار، نتيجة ازمة الطاقة العالمية التي تسببت بها الحرب الروسية الاوكرانية وما تبعها من عقوبات على روسيا التي تعتبر المُصدر الاكبر الى دول القارة في مقابل ارتفاع متزايد لاسعار الغاز والكهرباء الى مستويات قياسية ما نتج عنه انتقادات واسعة من دول الاتحاد الاوروبي الى الولايات المتحدة والنروج.
على حدة تلك الانتقادات لا سيما لناحية رفع الاسعار حوالى اربعة اضعاف،على حد تصريح الرئيس الفرنسي ايمونيل ماكرون مؤخراً، الا ان خيارات الدول الاوروبية تكاد في الظرف الحالي ان تكون معدومة في ظل اصطفافها الى جانب اوكرانيا في حربها ضد روسيا وبالتالي لا ملاذ لها في الوقت الحاضر سوى الجنوح على مضض نحو الولايات المتحدة الاميركية التي تبدو حتى الساعة المستفيد الاكبر من العقوبات على روسيا، اذ انها في العام 2021 اصبحت اكبر مورد للغاز الطبيعي الى الاتحاد الاوروبي وهي في طريقها لتصبح اكبر مُصّدر اجمالي للغاز الطبيعي. اضف الى ذلك انها تاريخيا لطالما كان شغلها الشاغل قائما حول كيفية حرمان روسيا من التحكم باوروبا وتمكنها من حيازة ورقة النفط والغاز التي تعد الورقة الذهبية التي تمكنها من بسط سيطرتها ونفوذها على المنطقة ككل.

ad

من هنا لا يمكن استبعاد ملف ترسيم الحدود بين لبنان والعدو الاسرائيلي من خارطة التنافس وصراع المصالح الدولية، وهو، في هذه المرحلة، يكتسب اكثر من اي وقت مضى اهمية بالغة اظهرها الاهتمام الخارجي والدفع نحو تسريع انجازه وعلى راسه الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا. وهذا ما يعيدنا بالتاريخ الى ما بعد الحرب العالمية الاولى عندما اجل الحلفاء ابرام معاهدة الصلح حتى ينتهوا من الاتفاق على مصالحهم البترولية ففي نيسان العام 1920 تم توقيع اتفاقية “سان ريمو” والتي تقرر بموجبها وضع البلاد العربية حينها التي كانت ضمن الممتلكات العثمانية تحت وصاية بريطانية وفرنسا، حيث تقع العراق والاردن وفلسطين تحت الوصاية البريطانية ولبنان وسوريا تحت الوصاية الفرنسية. ولدى ظهور نفط كركوك العراق ونتيجة للضغط الاميركي وقعت الاطراف المتصارعة فرنسا وبريطانيا واميركا وهولندا اتفاقية نهائية العام 1927 ، وُضع من خلاله خريطة لاقليم الشرق الاوسط وعليها خط احمر يطوق تلك الاراضي ما عدا اراضي مصر والكويت باعتبارها في نطاق النفوذ البريطاني وتضمنت الاتفاقية بان تعمل المصالح البترولية التابعة لتلك الدول كفريق واحد متضامن في المنطقة.
بالطبع هذا المشهد يقودنا الى الذهاب ابعد في ملف الترسيم ونحو اي خط امداد يمكن للقارة العجوز التعويل عليه للاستفادة من غاز ونفط لبنان في حال وصل هذا الملف الى خواتيمه السعيدة. لاشك ان العين قد تذهب باتجاه “خط الغاز العربي” كاحد الاحتمالات القوية الواردة، وهو خط تم انشاؤه عام 2000 وهو يمتد من مصر وصولا الى تركيا عبوراً بالاردن وسوريا ولبنان. وكان من المفترض ان يضع الغاز العربي في السوق الاوروبية عبر وصله بخط “نابوكو” اي ممر الغاز الجنوبي العابر في الاراضي التركية الذي صمم لجلب امدادات الغاز من بحر قزوين وشرق آسيا الوسطى والشرق الاوسط لاوروبا لتحريرها من الحاجة للغاز الروسي. ولكن يبقى هذا الاحتمال معرضا للسقوط . فالهدوء الايراني الذي يعكسه حزب الله عبر الاحتكام لقرار الدولة اللبنانية في ملف الترسيم ، قد يمهد الحديث مجددا عن تعويم الاتفاق الايراني- السوري- العراقي الذي حصل عام 2011 والذي يهدف الى مد خط غاز ينطلق من ايران وصولا الى سوريا ولبنان عبر الاراضي العراقية بهدف ايصال غازها الى تركيا واوروبا. فهل سيكون لبنان على موعد مع تعقيدات جديدة بعد انجاز ملف الترسيم؟