غلاء ومستقبل قاتم.. العالم أمام أزمة غذاء جديدة

كتب موقع “الحرة”: أثار قرار موسكو بتعليق اتفاقية تصدير الحبوب من أوكرانيا، الحديث عن أزمة اقتصادية عالمية مرتقبة وموجة جديدة من ارتفاع الأسعار وزيادة نسب التضخم، وسط تحذيرات من مغبة القرار وتداعياته على اقتصادات العالم

والأحد، توقفت حركة نقل الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بعدما علقت روسيا، السبت، الاتفاق بشأن صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية الحيوية لإمدادات الغذاء في العالم، في قرار انتقدته بشدة كييف وواشنطن، حسب “فرانس برس”.

وقالت أوكرانيا إن “الحصار الروسي يجعل تصدير الحبوب أمرا مستحيلا”.

وبررت موسكو تعليق مشاركتها بهجوم مكثف بطائرات مسيرة استهدف، صباح السبت، سفنا عسكرية ومدنية تابعة لأسطولها في البحر الأسود المتمركز في خليج سيفاستوبول بشبه جزيرة القرم.

ونددت أوكرانيا بهذه “الحجة الكاذبة” ودعت إلى ممارسة الضغط على روسيا “لتلتزم مجددا احترام واجباتها” بموجب الاتفاق الذي تم إبرامه برعاية الأمم المتحدة وتركيا وكان الوحيد بين موسكو وكييف منذ بدء النزاع، حسب “فرانس برس”.

ويعد قرار روسيا ضربة كبيرة لصناعة الزراعة الأوكرانية المهمة عالميا، والتي عادت إلى مستوى ما قبل الحرب تقريبا من صادرات الحبوب في وقت سابق من هذا الشهر، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الاتفاقية، وفقا لتقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”.

وسمح الاتفاق الذي أبرم في تموز برعاية الأمم المتحدة وتركيا، بتصدير ملايين أطنان الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية منذ بدء النزاع في شباط.

ومنذ توقيع الاتفاقية، صدرت أوكرانيا 9.2 مليون طن من المنتجات الغذائية عبر ممر آمن في البحر الأسود، وفقا للأمم المتحدة.

وتم تصدير أكثر من 8 ملايين طن من الحبوب من أوكرانيا كجزء من الصفقة التي أدت إلى انخفاض أسعار الغذاء العالمية، وفقا للأمم المتحدة.

سلاح “الغذاء”
يري الخبير الاقتصادي والاستراتيجي، عبدالقادر سليماني، أن روسيا تستعمل “سلاح الغذاء” لحصار أوكرانيا لكنها في الحقيقة “تحاصر شعوب البلدان الفقيرة”.

وفي حديث لموقع “الحرة”، يشير سليماني إلى أن القرار “سيزيد عزلة روسيا عالميا” بعدما تسببت حربها مع أوكرانيا في ارتفاع أسعار الحبوب والزيوت والسكر والأسمدة وتكلفه الشحن البحري حول العالم.

ويتحدث الباحث والمحلل الاقتصادي، أحمد أبو علي، عن “استخدام روسيا لملف الطاقة والغذاء” لفرض سيطرتها الاقتصادية خلال الحرب في أوكرانيا وتحقيق مكاسب سياسية.

ويربط في حديثه لموقع “الحرة”، بين توقيت القرارات الروسية وبين اقتراب فصل الشتاء الذي يزيد خلاله “الحاجة للطاقة والغذاء”، بهدف ممارسة المزيد من الضغوط على أوكرانيا خصوصا ودول الغرب عموما.

وسيكون الشتاء المقبل هو “الأسوأ في تاريخ أوروبا”، في ظل تداعيات أزمتي الطاقة والغذاء على القارة العجوز، وفقا لحديث أبو علي.

ويستعد الأوروبيون لشتاء صعب في وقت قلصت روسيا إمدادات الغاز غداة حرب أوكرانيا، ما يؤدي إلى ارتفاع فواتير التدفئة وتفاقم أزمة تكاليف المعيشة بالنسبة للملايين، وفقا لـ”فرانس برس”.

وفي 25 تشرين الأول، أكدت وكالة الطاقة الدولية أن شح أسواق الغاز الطبيعي المسال في العالم وخفض كبار منتجي النفط الإمدادات وضع العالم في خضم “أول أزمة طاقة عالمية حقيقية”، وفقا لـ”رويترز”.

موجة ارتفاع أسعار عالمية
من المحتمل أن يؤدي توقف شحنات الحبوب الأوكرانية، لارتفاع الأسعار العالمية للقمح والذرة والمنتجات الغذائية الحيوية الأخرى، وفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”.

ويتوقع أبو علي، أن القرار سيؤدى إلى “موجة عالمية جديدة من ارتفاع الأسعار، وزيادة نسب التضخم” ويشمل ذلك الاقتصاديات الناشئة والأكثر تقدما.

ويشير إلى أن الدول المرتبطة بعقود إمداد مع أوكرانيا لاستيراد الحبوب ستكون المتضرر الأكبر من ذلك التعليق، لكن تداعياته ستطال العالم بأسره.

وحسب أبوعلي، فسوف “تتأثر أسعار الغذاء العالمي بذلك القرار في الوقت الذي تعاني فيه غالبية دول العالم بالفعل من تداعيات اقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية”.

ويفاقم القرار من أزمة ارتفاع أسعار الغذاء في العالم، وسط تغيرات مناخية تؤثر على الأمن الغذائي العالمي، ما يزيد من التحديات الاقتصادية العالمية، وفقا لحديث أبوعلي.

ولن تستطيع كل الدول تأمين “بدائل” للحبوب الأوكرانية، ما ينذر بأزمة غذاء عالمية حقيقة يمكن أن تتفاقم في ظل طول أمد الصراع في أوكرانيا، بحسب المصدر نفسه.

ويرى سليماني أن القرار الروسي جاء لـ”يزيد الطين بله”، ويفاقم اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية، ويزيد أسعار المواد الغذائية التي سوف “تلتهب” أكثر مما كانت عليه في السابق.

المتأثر الأكبر؟
يرى أبوعلي أن غالبية دول الشرق الأوسط لن تتأثر بالقرار، مستشهدا في حديثه بخطوات استباقية اتخذتها بعض البلدان مثل “مصر لتوفير بدائل للحبوب الأوكرانية وتنويع مصادر الغذاء”.

وتقوم مصر حاليا بعدد من المشروعات الزراعية لذلك فلن تتأثر بشكل كبير من القرار الروسي، بحسب أبوعلي.

ويتوقع أن تكون دول أوروبا المتضرر الأكبر من ذلك القرار.

وتعد روسيا مُصدرا رئيسيا للحبوب والأسمدة، وقد سهلت الاتفاقية بيع هذه السلع في السوق العالمية، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.

على جانب آخر، يشدد سليماني على أن القرار الروسي على سيؤثر على “حياة الملايين وخاصة من الشعوب الأفريقية التي تستورد قرابة 50 في المئة من احتياجاتها من الحبوب من أوكرانيا“.

ووفقا لسليماني فستطال تلك التداعيات الاقتصادية غالبية الدول العربية التي تستورد غالبية احتياجاتها الاقتصادية من روسيا وأوكرانيا.

مستقبل “قاتم”
تزيد الخطوة الروسية  المخاوف بشأن “انعدام الأمن الغذائي العالمي”، وفقا لتقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.

ويحذر سليماني من “مستقبل قاتم” قد يواجه غالبية دول العالم في حال استمرار الحصار الروسي لموانئ البحر الأسود وذلك بـ”تزايد معدلات التضخم وتضاعف الأسعار وتوقف سلاسل التوريد تماما”.

وقد يؤدي ذلك إلى “مجاعة مرتقبة وانعدام للأمن الغذائي في الدول الفقيرة”، وفقا لسليماني.