تحلّ ذكرى استقلال لبنان التاسعة والسبعون هذا العام في ظلّ شغور رئاسيٍّ يلامس الشهر، أطاح الاحتفال السنوي الذي دائماً ما كانت مراسيمه معلَّقة على حبال الفراغات في مراكز الدولة العليا والصراعات السياسية الداخلية، تماماً كما تقضي الصراعات السياسية على ما تبقّى من مؤسسات في الدولة اللبنانية.
وعلى الرغم من نيل لبنان استقلاله، إلّا أن الخارج، وضمنه فرنسا، لا يزال يعدّ لاعباً أساسياً في أهم الاستحقاقات الدستورية اللبنانية، وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية الذي لا تُعبَّد طريقه إلا بتوافق داخلي مكلّل برضى خارجي أو تسوية سياسية أربابها الدول المؤثرة لبنانياً.
إلغاء الاحتفال المركزي بالاستقلال بسبب الشغور الرئاسي
ويحتفل اللبنانيون في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام بعيد الاستقلال الذي أنهى، سنة 1943، مرحلة الانتداب الفرنسي، وتتبع للمناسبة مراسم وضع أكاليل على أضرحة رجالات الاستقلال، وإقامة عرض عسكري في وزارة الدفاع الوطني، وذلك بحضور الرؤساء الثلاث، الجمهورية، الحكومة، والبرلمان، بيد أن الاحتفال المركزي يلغى بحالة الشغور في سدّة الرئاسة الأولى، وهو حالُ يوم غدٍ الثلاثاء، في مشهدٍ ليس بجديدٍ على لبنان.
يقول المحامي جميل مراد لـ”العربي الجديد” إن العرض العسكري لا يمكن أن يقام في ظل الشغور الرئاسي، حيث إن رئيس الجمهورية، تبعاً للمادة 49 من الدستور، هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، واستناداً أيضاً إلى المادة 53، فإن الرئيس يرأس الحفلات الرسمية، عدا عن رمزية المناسبة التي تحتم وجود رئيس للجمهورية، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، احتراماً لمقامه.
وفي وقتٍ ألغي الاحتفال المركزي بالعيد، كُلّف وزراء بوضع أكاليل من الزهر على أضرحة رجالات الاستقلال باسم الجمهورية اللبنانية، وذلك بتوجيهات من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
من جهته، يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” (شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية مستقلة) محمد شمس الدين، لـ”العربي الجديد”، إن عشرات الاحتفالات بذكرى الاستقلال في لبنان ألغيت في محطاتٍ سابقة لأسباب عدّة، لكن أربعة منها ارتبطت بالشغور الرئاسي.
ويلفت شمس الدين إلى أن المرّة الأولى سُجِّلت إبان انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل عام 1988، وكذلك ألغي الاحتفال عامي 2014 و2015، وهي فترة الشغور الرئاسي عقب انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، قبل انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016، واليوم يتكرّر المشهد للمرة الرابعة.
ولمناسبة ذكرى الاستقلال، وجّه قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون أمر اليوم إلى العسكريين، أكد فيه أنه “مع دخول البلاد مرحلة الشغور الرئاسي وارتفاع سقف التجاذبات السياسية، يبقى حفظ الأمن والاستقرار على رأس أولوياتنا”، مشدداً على أننا “لن نسمح بأي مسٍّ بالسلم الأهلي ولا بزعزعة الوضع لأي أهداف”.
قائد الجيش الذي يعدّ في لبنان مرشحاً طبيعياً للرئاسة، بالنظر إلى طائفته المارونية ودوره في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد، قال، في كلمته اليوم، إن الظروف الاستثنائية التي يمرّ به الوطن تتطلّب من الجميع، مسؤولين ومواطنين، الوعي والحكمة والتحلّي بالمسؤولية والتعاون من أجل المصلحة الوطنية العليا، في انتظار استقامة الوضع السياسي واستعادة انتظام المؤسسات.
كذلك، أشار المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى أن “لبنان يمرّ بأسوأ مراحله، وما نزل بنا وأنزل علينا، لم يسبق أن سجّله تاريخ هذا الوطن الذي تحوّل من مصدر للحضارة إلى مرتع للانهيارات بكل تعابيرها القاسية، التي لم تُبقِ لا بشراً ولا حجراً”، معتبراً أن هذا ما يستدعي منا أن نكون على أهبة الاستعداد لما قد يحصل على كل المستويات.
وتوجه اللواء إبراهيم إلى العسكريين بالقول: “ما حلّ بنا ليس قضاءً ولا قدراً، بل هو نتيجة لسياق داخلي عقيم أتى على كل شيء، حتى صار لبنان بحاجة إلى بطاقة تعريف جديدة عن دوره ووظيفته في الداخل وفي محيطه الأقرب والبعيد”، مشيراً إلى أن لبنان صار مرتعاً للطائفية والمذهبية والمناطقية وساحة للاستزلام الغريزي، اللذين ضربا مفاصل الدولة بكل مؤسساتها.
بدوره، وجّه المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا نشرة توجيهية إلى العسكريين، شدد خلالها على أن الشغور في بعض المؤسسات السياسية لا يعني البتة شغوراً في الأمن، مشيراً إلى أن العاصفة التي ضربت لبنان شارفت على نهاياتها، ولبنان عصيّ على الاندثار.
في السياق، قال رئيس البرلمان نبيه بري: “كي لا يتحوّل الاستقلال إلى ذكرى، يجب أن يبقى الاستقلال نهج حياة وفعلاً يومياً لإرادة وطنية واحدة وموحّدة، حيال كل العناوين المتصلة بحياة الدولة ومؤسساتها وإنسانها في الحرية والكرامة والأمن والاستقرار”.
وأضاف بري: “الاستقلال بدأ قبل 79 عاماً من الآن برئاسة وحكومة، أين نحن اليوم؟”.
المرشح للرئاسة اللبنانية ميشال معوض-حسين بيضون
تقارير عربية
لبنان: فشل سادس بانتخاب رئيس جديد
تحديد جلسة سابعة لانتخاب رئيس للبنان
ووجّه رئيس البرلمان، اليوم، دعوة إلى النواب لانتخاب رئيس للجمهورية، صباح الخميس المقبل، في جلسة سابعة متوقع أن تشهد سيناريو الجلسات الستّ السابقة الآيل إلى “تمديد” الفراغ في سدة الرئاسة، خصوصاً في ظلّ بروز الصراع الرئاسي على مستوى ما يُعرف بـ8 آذار، بعد تسريب حديث لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من باريس، طاولت حدّته بالمباشر بري، ورئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، بالدرجة الأولى.
ويعدّ فرنجية المرشح غير المعلن لـ”حزب الله” و”حركة أمل” (يرأسها بري) بانتظار تأمين التوافق عليه، مع تريث بدعمه، في وقتٍ يعمل حزب الله على مراعاة حليفه باسيل، الذي جاهر بأنه لا يمكن انتخاب رئيس “من دوننا”، في كلامٍ أتى على طريقة الحزب الذي بدوره يفاخر بأنه سيأتي إلى الرئاسة “من نريده”.