من الطبيعي ان تسعى اي معارضة لنظام سياسي مهما كانت طبيعته، استغلال وتوظيف اي حادثة وتحويلها الى رمز لحراك شعبي مطلبي، وبناء سرديتها التراجيدية والدرامية لتحريك واستثارة المشاعر وحشد الشارع الى جانبها، في مواجهة النظام او السلطة التي خرجت عليها.
اما من المستهجن، لا بل من النادر ان يعمد النظام والسلطة، للبحث عن اختراع سرديتها الدارمية والتراجيدية لمواجهة المعارضة، والذي يعني في بعده النفسي عمق الازمة التي يمر بها هذا النظام، وتعيشه هذه السلطة امام وفي مواجهة مطالب الحراك الشعبي. في عام 2006، وبعد نحو سنة من تولي محمود احمدي نجاد رئاسة الجمهورية خلفا للرئيس محمد خاتمي، بدأ الحدث عن اجراءات متشددة لمعاقبة الحركة الطلابية في الجامعات الايرانية، التي اتهمها النظام ومنظومة السلطة بانها شكلت الحامل الرئيس والمؤثر في ايصال الخطاب الاصلاحي الى رئاسة الجمهورية وبعدها الى مجلس النواب، وبالتالي من المفترض ان يتم التعامل معها باسلوب مختلف ومتشدد، والعمل على تفكيكها وتشتيت صفوفها.
النظام لا يرى ضرورة لمثل هذه التجمعات، فالنظام يعمل على توفير وتهئية جميع الظروف التي تجعل منها، اي الحركة الطلابية، غير ذات جدوى وتنتفي الحاجة لها وفي دردشة مع غلام علي حداد عادل عندما كان عضوا في البرلمان الاصلاحي، وقبل ان يتولى رئاسة السلطة التشريعية في الدورة ما بعد الاصلاحيين وخلفا للشيخ مهدي كروبي في نيسان 2005، تحدث عن رؤيته للحركة الطلابية، مؤكدا بان “النظام لا يرى ضرورة لمثل هذه التجمعات، فالنظام يعمل على توفير وتهئية جميع الظروف التي تجعل منها، اي الحركة الطلابية، غير ذات جدوى وتنتفي الحاجة لها”.
هذا الموقف الذي كشف عن عمق النظرة الرسمية للنظام تجاه الحركة الطلابية، والتحدي الذي تشكله لخطابه العقائدي والرسمي هذا الموقف الذي كشف عن عمق النظرة الرسمية للنظام تجاه الحركة الطلابية، والتحدي الذي تشكله لخطابه العقائدي والرسمي، لم يبق في دائرة التنظير، خاصة بعد ان احس بالتحدي والخطر الآتي من جهة الجامعات، عندما اندلعت موجة اعتراضات في جامعة طهران في السنة الاولى من رئاسة خاتمي عام 1998، على قرار السلطة اقفال صحيفة سلام الاصلاحية، والكشف عن سلسلة الاغتيالات للمثقفين والسياسييين على يد عناصر من وزارة الامن والاستخبارات.
ولم يعد امام النظام والمنظومة الحاكمة خيار سوى العمل واطلاق ورشة تفكيك هذه الحركة في كل الجامعات الايرانية وعلى جميع المستويات، فكان ان دعمت السلطة كل حالات الانشقاق والتعدد لضرب وحدة الصف داخل الطلاب، وبالتالي اصبح مجلس تحكم الوحدة الطلابي الى مجلسين، واحد محسوب على القوى والخطاب الصلاحي، محاصر وملاحق، ومجلس اخر يحمل الاسم نفسه مع ابراز صبغته الموالية للسلطة،
استطاع الهيمنة على المشهد الطلابي ومصادرته وبالتالي افراغ هذه الحركة من ضمونها واهدافها وتحويلها الى اداة للسلطة، للسيطرة على الوسط الجامعي والطلابي وتوظيفها في سياق سياساتها وخطابها في مواجهة الخطاب الاصلاحي. لجأت حكومة احمدي نجاد لاعتماد سياسة ارهاب الكادر التعليمي المتخصص، الى جانب ملاحقة الطلاب الناشطين وبالتزامن مع جهود التفكيك هذه، لجأت حكومة احمدي نجاد لاعتماد سياسة ارهاب الكادر التعليمي المتخصص، الى جانب ملاحقة الطلاب الناشطين المقربين من الخطاب الاصلاحي، اذ تم احالة العديد من الكادر العلمي المتقدم والمؤثر على التقاعد او الطرد من الجامعات، في حين تعرض العديد من الطلاب الناشطين لعقوبات مسلكية حرمتهم من استكمال دارستهم والاستمرار فيها. فبات من الطبيعي ان تسمع عن طالب نال “نجمة” تحرمه من استكمال عامه الدراسي، او نال “نجمتين” تمنعه من البقاء في الجامعة او الانتقال الى اخرى داخل ايران.
ايران هذا الاجراءات لم تكن محصورة او حصرية على الجسم التعليمي والطلابي، فقد توسعت لتشمل حتى الناشطين السياسيين والاعلاميبن، الذين تمت ملاحقتهم واعتقالهم بتهم التحريض على الحكومة والعداء للنظام. وقد توزعت العقوبات ضد هؤلاء بين السجن والمنع من مغادرة الاراضي الايرانية ومصادرة وثائق السفر، وقد وصلت هذه الاجراءات اوجها بعد احداث عام 2009 والحركة الخضراء، ولم يسلم منها حتى الان الرئيس الاسبق محمد خاتمي والكثير من الفريق الذي عمل معه، اذ لا يستطيع ولا يستطيعون السفر، حتى وان كان لامور انسانية، ناهيك عن المشاركة في اي فعالية او نشاط ثقافي او سياسي عالمي او اقليمي. الاجهزة الامنية، كانت خلال جلسات التحقيق، توحي للبعض الناشطين المعتقلين، وتقدم لهم النصيحة بمغادرة الاراضي الايرانية والذهاب الى الخارج الا ان اللافت في تلك الفترة وما بعدها، ان الاجهزة الامنية، كانت خلال جلسات التحقيق، توحي للبعض الناشطين المعتقلين، وتقدم لهم النصيحة بمغادرة الاراضي الايرانية والذهاب الى الخارج، حيث يمكنهم البدء بحياة جديدة وممارسة الناشط السياسي والاعلامي، بعيدا عن الملاحقة والتضييق الذي يمارس عليهم في الداخل، وكان هدف هذه الاجهزة وبموافقة الجهات المسؤولية في المنظومة الحاكمة، هو التخلص من هؤلاء والازعاج الذي يسببونه، نتيجة وجودهم قريبين من الاوساط الشعبية وقدرتهم على التأثير المباشر، وان الحل يمكن في ابعادهم طوعيا، وبالتالي الحصول على قدر من الراحة منهم ومن نشاطاتهم المزعجة والمقلقة. الجديد في التفكير الامني للنظام واجهزته، جاء من خلال الدعوة التي اطلقها عدد من النواب والناشطين في الوسط الطلابي والجامعي، خاصة التشكلات الطلابية الموالية للنظام والسلطة، بتدوين مسودة مشروع قانون يطالب البرلمان بتشديد العقوبات، وفرض حظر سفر لمدة 10 سنوات بحق الطلاب “المشاغبين”، الذين شاركوا ونشطوا في الحراك الاعتراضي الاخير داخل الجامعات الايرانية، وكانوا من المحرضين على الاعتصامات وتعطيل الدروس ورفع شعارات ضد قيادة النظام واجهزته، والتسبب في مواجهات داخل الجامعات، ما اجبر القوى الامنية والاجهزة على اقتحامها، لقمع واعتقال الطلاب بشكل واسع. اصحاب مشروع القانون هذا، وبكثير من الخبث، يحاولون ويسعون لممارسة اعلى درجات الظلم بحق الطلاب والحركة الطلابية لمنعها من اي تحرك اصحاب مشروع القانون هذا، وبكثير من الخبث، يحاولون ويسعون لممارسة اعلى درجات الظلم بحق الطلاب والحركة الطلابية لمنعها من اي تحرك، خاصة وان القانون المقترح يحرم الطالب من متابعة دراسته ويمنعه ايضا من التفكير في مغادرة الاراضي الايرانية، بحثا عن فرصة لاستكمال دراسته في الخارج، وتحديد مدة الحظر بعشر سنوات، تهدف الى قتل الرغبة لدى المعاقبين، او الذين يشملهم هذا القانون بمتابعة الدراسة مع تقادم ومرور الزمن والوقت. لكن من ناحية اخرى، فان ما يثير السخرية في هذا القانون، ان اصحابه يعترفون بشكل غير مباشر، او حتى بشكل مباشر، بان البقاء في ايران بات يشكل عقوبة للمعارضين، وكأنهم يعترفون بان السلطة واجهزتها، قد حولوا الجغرافيا الايرانية الى معتقل كبير، يمكن ممارسة عقوبة السجن فيها، من دون اللجوء الى وضع الموقوفين والمعاقبين خلف ابواب الزنازين وجدران السجون والمعتقلات، فهل تحولت ايران الى مثل هذا السجن؟ يبدو انها باتت تتحول الى مسرح لمثل هذه الكوميديا السوداء.