رئيسَة التّحرير غادة الخَرسا

لُبْنانُ، مَا أرْوَعَكَ !  للشاعرة د. غادة الخرسا

 

 

لُبْنانُ، كُنْتَ وَلا تَزالُ مَزَارَا

تُعْلِي حَضاراتِ الشُّعوبِ شِعارَا

 

مِنْ فجْرِ أَحْلامِ التُرابِ تَرَسَّلَتْ

أيْدٍ لنا تُذْري السَّلامَ بِذارَا

 

لُْبنانُ، أَطْلَقْتَ الحَضارَةَ مَشْرِقاً

فَإِِذا الرِّمالُ تفَتَّحَتْ أَزْهارَا

 

وَفَلَحْتَ مَوْجَ البَحْرِ غَرْباً فاسْتَوَتْ

أُوروب(١) في ليْلِ الدَّمارِ عَمارَا

 

فَغَدا الوُجودُ مَلاعِباً لِكِبارِنا

أَنَّى نَشَا نَبْني الحَياةَ كِبارَا

 

هَذي طَرابُلُسٌ(٢) تُؤَكِّدُ أَنَّنا

مَنْ عَمَّروا المُدُنَ الثَّلاثَ إِزارَا

 

يَوْمَ الإِِطارُ تَفَرُّقٌ وَتَمَزُّقٌ

كانَتْ لِتَوحيدِ الشُّعوبِ إطارَا

 

هِيَ تَسْتَحِقُّ بأَنْ تُسَمَّى مَرْكزاً

أُمَمِيَّ وَجْهٍ، تَجْمَعُ الأَحرَارَا

 

هَذي”جُبَيْلُ”(٣)”بإِيْلِها”(٤)و” بتُورِها”(٥)

 

 

وَمُلوكِها، والأَرْضُ كَانَتْ نَارَا

زَرَعُوا السَلامَ بِكَبْدِها(٦)كتبوا هُنا

كُتُبَ العُلىَ كُرْمى لها تَذْكارَا

 

لِمْ لا تَكونُ المَكْتَباتُ بأرْضِها

في وُسْعِ ما بَنَتِ المَكاتِبُ دارَا؟!

 

“بَيْروتُ”(٧)عَلَّمَتِ الحُقوقَ وَصَدَّرَتْ

لِلعَقْلِ قَانوناً هَدَى الأَبْصارَا

 

وَالعَقْلُ، حَتّى الآنَ، يَسْتَهْدِي بِهِ

لِيَظَلَّ وَجْهُ المُهْتدِي نَوَّارَا

 

فَلْنَبْنِ فِيْها خَيْرَ جَامِعَةٍ فَمَا

هَمٌّ إِذا مَا الدَهْرُ فِيْنا جَارَا

 

“صَيْدونُ”(٨) مع”موخّوسَ”(٩)قَدْ حَدَسَتْ

أَنَّ التُّرابَ، المَاءَ، والأحْجارَا

 

لَيْسَتْ سِوى ذَرّاتِ كَوْنٍ فارِغِ

لَوْ جُزِّءَتْ صَارَ الوجودُ دَمارَا

 

فِي البَالِ ذي صَيْدونُ مَعْهَدُ ذَرّةٍ

تُعْلي وَتَهْدِمُ، تَصْنَعُ الأَقْدارَا

 

مِنْ”صورَ”(١٠)مَجْدِ الحَرفِ،”قُدْموسُ”(١١)اهْتَدَى

للأَبجَدِيَّةِ تَحْفَظُ الأَسْرارَا

 

لوْلا اخْتِراعُ الأَبْجَدِيَّةِ كَوْنُنَا

مَا بَانَ غَيْرَ مَغاوِرٍ وصَحارىَ

 

فَلْنَبنِ في عَدِّ الحُروفِ وَشَكْلِها

تُحَفاً تُرَصِّعُ تُرْبَةً وَبِحَارَا

 

“قَانا الجَليلُ”(١٢)هُنا بأَرْضِ جَنوبِنا

وَالمَاءُ خَمْرٌ والضّيوفُ حَيارَى

 

قَدْ زارَها يَسوعُ إنْسَاً هَانِئاً

فَاسْتَصْدَرَتْهُ مَسيحَنا المُخْتارَا

 

فِي صَخْرِها فَليُبْنَ أعْظَمُ هَيْكَلٍ

للهِ… وَلتأْتِ الدُّنى زُوَّارَا

 

يَا بَعلَبَكُ(١٣)تَشامَخِي، ماصَخْرَةٌ

إلّاكِ عانَدَتِ الفَنا أدْهارَا

 

نَحْنُ الّذينَ بَنَوْكِ مَجْداً شاهِقاً

في هَيْكَلٍ يُغْوي المَدى الدُّوارَا

 

لوْ هُمْ بَنَوا كَانوا عَلَى أرضٍ لَهُم

شادوا كمِثْلِكِ شاهِقاً جَبّارَا

 

لَو بَعْلَبَكُّ تَكونُ قَصْرَ رِئاسَةٍ

مَا كانَ أَرْوَعَها الرِّئَاسَةُ دارَا!!!

 

لُبْنانُ، أَنْتَ المُبتَدا والمُنْتَهى

أَعْطَيْتَ مَا مَنَّنْتَها الأَمْصارَا (١٤)

 

واليَوْمَ يَدْعوكَ الزَّمَانُ لِنَهْضّةٍ

أّنْتَ الخَليقُ بِها يَداً وسِوَارَا

 

لا تأْبَهَنَّ لِمُحْبَطٍ مُتَخاذِلٍ

يَدْعوكَ مَجْدٌ، فَاسْتَجِبْ هَدَّارَا

 

مِنْ صُورَ، صَيْدَا، مِنْ طَرابُلُسٍ ومِنْ

قَانا، جُبَيْلٍ، بَعْلَبَكَّ، فَخَارَا

 

وَلْتَجْمَعِ الأَصْداءَ دُوْرٌ طَالما

عَصَمَتْ جِبالاً شَعْشَعَتْ أَنْوارَا

 

لُبْنانُ فِيْ التّاريخِ حُلْمٌ رائِدٌ

يَبْقَى لِكُلِّ العَالمِينَ مَسارَا

 

فِي البَالِ تَبْقَى وَاعِداً يَامَوْطِني

فِي أنْ تَكونَ الغَيْثَ، كُنْ مِدْرَارَا

 

هوامش:

 

١ _ أوروب أختْ قدموس – ملكةً من صور تَسَمّتْ قارة أوروبا على اسمها.

 

۲- طرابلس – Tripoli _ المدينة المثلّثة، أول مدينة توحدت أمم متحدة

 

٣ – جُبيل – أقدم مدينةٍ في العالم، وعلى اسمها تَسمّى الكتاب Bible والمكتبة Biblioteque سُميت Bible على إسم بيبلوس

 

٤ – بإيلها – إيل ملك جبيل ۳۰۰

سنة قبل المسيح.

 

٥ – وَبِثورِها – ثور – عبقری رافق إيل وهو واضع الثوار بقسمها القديم.

 

٦- تذكيراً يقول إيْل: إزعوا السلام في كبد الأرض.

 

٧- بيروت – فيها أهم مدرسةٍ للحق في كُلِّ العصور

 

٨ – صَيدون فيها حَدسَ موخوس بالذرّة.

 

٩- موخوس – إبن صیدون ، أوّل من أشارَ إلى أن الذرّة إذا تجزأت أحرقتْ مدينة.

وأسماها “tome” بعد ٤٠٠ سنة، وسمّاها ” ديمقريت” Atome ، التي لا تتجرأ وقد جُزئت ولا يَزالُ اسمها خطأ.

 

۱۰ – أعظم حَواضر فينيقيا

 

۱۱ – قُدموس – إبن صور ومخترع الأبجديّةِ التي سُمّيتْ أبجديّة جُبيل لأنها اكتشفت على ناموسِ أحيرام في جُبيل.

 

۱۲ – قانا الجَليل قريةٌ في جنوب لبنان (۱۲ کلم جنوباً شرق صور) وفيها كان تَحويل الماءِ إلى خَمْرٍ ، على يَدِ المسيح (وكانت عجيبته الأولى).

 

١٣- بَعلبَك ـ أعظم بِناءٍ قديم في العالمِ، ويتَمَيّزُ من غيره مِنَ القلاعِ القديمةِ ، بأنه جَمَعَ بين العَظمةِ والقِوى

 

١٤ – أعْطى لبنان ثُلِي الحضارةَ من خلالِ تعاليمِ إيلْ – الأبجدية الحدس بالذرّة – القانون – الدُستور القائم على حُكمِ مَجْلسَيْنِ للشعبِ والشّيوخ … الرّياضيّات مع أقليدُس.