على وقع التشرذم السياسي في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، جدّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وصفه جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بـ”الهزلية”. وقال لإذاعة “لبنان الحر” من روما اليوم الجمعة: “نرى أن هناك فئة من الكتل النيابية طرحت مرشحها النائب ميشال معوض وتصوت له، وفئة أخرى تصوت بورقة بيضاء، والبعض يصوت لأسماء أو لشعارات، فهل يجوز أن نستمر في هذه الطريقة؟”.
وتوجّه إلى أصحاب الأوراق البيض بالقول: “من هو مرشحكم، لماذا لا تعلنون عن اسمه وتصوتون له؟ واذا كانت هناك من اسماء تستطيعون أن تتفاوضوا عليها،
تَدعون الى التفاوض ولا أحد يعرف ماذا يضمر الآخر، وهذا ما وصفته أنا بالجلسات الهزلية، ثم ماذا يعني حضور النواب كل خميس لجلسة انتخاب رئيس، فهذا غير دستوري؟”. وتابع: “عندما كنا على مقاعد الدراسة هنا في ايطاليا رأينا لمرات عدة كيف ينتخبون الرئيس:
البرلمان يكون مفتوحًا يوميًا، الجلسات متتالية، أسماء تظهر وأسماء تغيب ويصلون أخيرا الى انتخاب رئيس. أما وفق الطريقة التي تحصل في لبنان فيمكن أن نستمر جيلاً بعد جيل وسنة بعد سنة في الأسلوب نفسه، وهذا الأمر لا يجوز”. وسأل النواب: “ماذا يعني انكم تأتون
الى مجلس النواب ويكتمل النصاب ثم بعد الدورة الانتخابية الأولى تغادرون القاعة ويُفقد النصاب؟ فلو لم يتوافر هذا النصاب في الدورة الاولى “محلولة”، ولكن ما معنى أن توفروا النصاب في الجلسة الاولى وتغادروا في الجلسة الثانية؟ أين الدستور والمفاهيم،
اليس هذا يُعدّ استخفافاً بالشعب اللبناني وبشخص رئيس الجمهورية، أياً يكن الرئيس؟وجدّد السؤال: “لماذا تفعلون هكذا فقط برئيس الجمهورية المسيحي الماروني، فيما رئيس مجلس النواب يُنتخب بجلسة واحدة ورئيس الحكومة يُكلف فور انتهاء الاستشارات النيابية؟ كأنكم تقولون إنكم تستطيعون الاستغناء عن رئيس الجمهورية. واذا كنتم تتمسكون بالميثاق فأين هو العنصر المسيحي وأنتم تغيّبون انتخاب الرئيس، وأين هو فصل السلطات؟ فهذا كلُه ضد الدستور واستبداد وظلم في حق لبنان”. وتابع: “لو كانوا يستطيعون حلّ الموضوع الرئاسي داخليا لكانوا انتخبوا الرئيس، وهذا يدل، أسبوعا بعد أسبوع، أنهم بانتظار كلمة السر من الخارج .للاسف، وإن كانوا “رح يزعلو منّي”، فهم لم يصلوا بعد الى النضج في تقرير مصير وطنهم مع بعضهم البعض لانتخاب رئيس للجمهورية”،
مشددا على أن “الاكثرية المسيحية طرحت إسمًا للرئاسة فليطرح الآخرون اسمًا ولا يقولوا إن المسيحيين لم يتفقوا، وحتى الآن يبدو أن لا توافق على اسم مرشح في انتظار الخارج، وحتى الآن لن يأتي هذا الاسم، ولكن على المسؤولين اللبنانيين التشاور والتصويت، فهكذا يُنتخب البابا والبطريرك، ولو كنا نتفق قبل الانتخاب لما كان لنا لا بابا ولا بطريرك”. وهل طرح خلال لقاءاته في الفاتيكان الموضوع الرئاسي ودور الكرسي الرسولي في هذا الموضوع،
قال: “نسمع جميعنا نداءات قداسة البابا ودعوته المجتمع الدولي الى مساعدة لبنان للخروج من أزماته، فالفاتيكان يعنيه أمر لبنان، لان هذا البلد هو نموذج وصاحب رسالة في هذا الشرق، كما أعلن القديس الراحل يوحنا بولس الثاني، والفاتيكان ملتزم هذا القول، وفي كل مناسبة يعلن قداسته هذا الموضوع، وهو معني بالعمق ان لبنان يجب أن يخرج من أزمة الرئاسة، ويجب انتخاب رئيس جديد للجمهورية. وأضاف،”أنا اقول إن من حق لبنان أن يكون له رئيس، ولا يحق لأحد أن يعطل هذا الاستحقاق فعدم وجود رئيس للجمهورية يعني أن هناك جسماً من دون رأس، ويعني أيضًا تفتيت أوصال الدولة”. وعن مساعِي الفاتيكان مع الدول الفاعلة، قال: “أكيد، الفاتيكان يعمل ديبلوماسيا مع الدول، ويبحث عن المفاتيح الدولية لمساعدة لبنان للخروج من هذه الازمة”. وتطرق إلى “طرح الحياد والمؤتمر الدولي لخلاص لبنان”، قائلا: “الفاتيكان لا يطرح عادة قضايا من هذا النوع بل يعمل عندما يقتنع بالأمر بطريقته الديبلوماسية. لا ننتظر أن يعلن الفاتيكان يوما ما انه مع حياد لبنان أو مع مؤتمر دولي للبنان، فهو عندما يقتنع بذلك يعمل ديبلوماسيًا وليس إعلاميًا، ومن جهتي، كتبت للفاتيكان عن هذه الامور وأترك له أن يقرر هل يريد أن يسير بهذا الموضوع او لا. ولكن أنا كبطريرك من واجبي أن أكتب للفاتيكان عن هذا الموضوع لكي يفهموا مني وليس من غيري ماذا أعني بالحياد وكيف أنه لخير كل اللبنانيين وليس لفئة معينة، وماذا أعني بمؤتمر دولي”. وجدّد القول: “لكي يفهم الجميع لمرة واحدة وأخيرة، إذا أرادوا أن يفهموا، ما دام السياسيون والفئات والكتل السياسية لا يجلسون الى طاولة للبحث في مشكلة لبنان، وأن يُشّخصوا سبب معاناته، فلا يجوز ترك لبنان يموت على قارعة الطريق وهو عضو فاعل ومؤسس وملتزم في الامم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، ولا يجوز أن يترك هذا البلد للموت كما هو الآن، أما أن تنتظروا أن يتفق كل اللبنانيين على هذا الموضوع فهذا غير ممكن، لأن هناك من لا يريد، ويرى أن مصلحته ألا يكون لبنان في حياد.ولفت إلى أنّ “ما نطرَحُه في موضوع المؤتمر الدولي هو أولا تطبيق اتفاق الطائف نصًا وروحًا ولا نريد تغيير هذا الاتفاق، إذ إن عدم تطبيقِه منذ 30 عاما هو الذي أوصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم، فلا توجد سلطة في لبنان بل عثرات أمام تطبيق الدستور”. وتابع: “هناك قرارات مجلس الامن وهي الـ 1559- 1680 – 1701 ترتبط بسيادة لبنان وبسط سلطة الدولة على كامل الاراضي اللبنانية، وهي لمصلحة لبنان، ولبنان غير قادر على تنفيذها بقوته، لذا على المجتمع الدولي الذي أصدر هذه القرارات أن يطبقها”. أما في ما يخصّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، فقال: “يجب إيجاد حل لهم لأننا لا نستطيع لا نحن ولا هم أن نحلُم بأنه سيكون هناك دولة فلسطينية وإن كنا نرغب في أن يحصل ذلك ولكن في حال لم يتم ذلك ولا يسمح لهم أن يعودوا الى أرضهم، فعلى المجتمع الدولي أن ينظر بشأنهم وايجاد طريقة لهم لكي يعيشوا بطريقة لائقة، لا في المخيمات، فلبنان لا يستطيع أن يكون هناك على أرضه بُقع لا سلطة للدولة عليها، نحن مع القضية الفلسطينية ولكن في حال لم تُحل فيجب ايجاد الحل لهذا الشعب”.وبالنسبة الى قضية اللاجئين السوريين، شدّد على أنّ “لبنان لا يستطيع بعد اليوم أن يتحمل مليون ونصف مليون لاجئ سوري على أرضه، إضافة الى نصف مليون فلسطيني، وشعبه يهاجر، لذا يجب عودتهم الى بلادهم كما أنه لا يجوز أن يردد المجتمع الدولي أن لا أمن في سوريا ويجب العودة الكريمة والمضمونة، وهذا يعني إرزح يا لبنان تحت كل الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، فلبنان استقبل اللاجئين السوريين، ولكن يجب أن يعودوا الى سوريا لا كرهاً بهم، بل لأن سوريا وطنهم وهناك ثقافتهم وتاريخهم”. ولفت إلى أنّ، “لبنان لا يستطيع ان يعيش وهو يعادي الدول، فقيمة هذا الوطن بحياده لأن هويته وتكوينه انه بلد متعدد الديانات والثقافات، منفتح على جميع الدول والحضارات، وهو أول من وقّع وما زال يلتزم حقوق الانسان والحريات العامة، نظامه ديموقراطي، فلبنان ليس أرضًا للحروب بل أرض اللقاء، ومجلس الأمن سبق له ان أعلن أنه بلد الحوار والتلاقي”. وختم الراعي بالقول: “يتكلمون على تدويل القضية وعلى سلام مع اسرائيل، فهذا ليس ما أطالب به عبر “المؤتمر الدولي لخلاص لبنان” كما يقول البعض، وأتمنى، ولو لمرة واحدة وأخيرة، ان يفهموا ماذا أعني من طرحي. وأجدد القول :إن هذا كله لخير جميع اللبنانيين من دون استثناء”.