أسعار الغاز فى أوروبا.. ارتفاع 16% مع أول موجة برد فى الشتاء.. تضاعف الأسعار بأكثر من 4 مرات يؤدى لزيادة التضخم وغلاء المواد الغذائية.. انقسام القا

تستمر أزمة الغاز فى أوروبا فى التعمق مع ارتفاع جديد للأسعار مع أول موجة برد فى فصل الشتاء، حيث أدت توقعات زيادة الطلب إلى ارتفاع أسعار العقود الآجلة للغاز الهولندى بنسبة 16% فى اليومين الماضيين، وهو المقياس الذى يعمل كمرجع لتحديد السعر فى القارة القديمة، وذلك وسط ترقب للاجتماع الطارئ الذى حدده الاتحاد الأوروبى يوم 13 ديسمبر.

وترك الغاز تكلفته عند 151 يورو لكل ميجاواط / ساعة، وهو يعتبر الأغلى منذ 13 أكتوبر الماضى، حيث إنه إذا أدت المستويات المرتفعة لاحتياطيات الغاز فى أوروبا ودرجات الحرارة الدافئة نسبيا إلى انخفاض تكلفتها فى الأسابيع الأخيرة، فإن احتمالات شهر ديسمبر البارد تقف وراء هذا الارتفاع الجديد، حسبما قالت صحيفة “ثينكو دياز” الإسبانية.

وقد يؤدى الشتاء القاسى إلى تعرض القارة لمزيد من الضيق والتقلب فى هذا السوق بعد أن فقدت أوروبا موردها الرئيسى فى الصيف، وساعد الغاز الطبيعى المسال فى استبدال الشحنات المفقودة وملء الخزانات فى أوروبا، لكن مجرد احتمال الاضطرار إلى استخدام الاحتياطيات، عند 93.2 ٪ من مستواها فى 29 نوفمبر، وفقًا لبيانات نشرتها الصحف الأوروبية، يكفى لإعادة التوتر مرة آخرى لدى الأوروبيين، حيث أصبحت أسعار الغاز أعلى بأربعة أضعاف من المعتاد فى هذا الوقت من العام، وهى حقيقة تغذى التضخم وتضر بالاقتصادات.

وأوضحت الصحيفة أنه من الممكن أن يرتفع أيضًا استهلاك الغاز، بالإضافة إلى أنواع الوقود الأحفورى الأخرى التى بدت وكأنها محكوم عليها بالفشل، مثل الفحم، إذا لم تساعد الرياح فى توليد الكهرباء.

كما أشارت الصحيفة إلى أن هناك توقعات للأسبوعين المقبلين تشير إلى إمكانية توليد رياح معتدلة إلى منخفضة فى المملكة المتحدة وأوروبا الوسطى ودول الشمال، وهو ما يولد الأمل لدى الأوروبيين بالمساعدة فى توليد الكهرباء.

وتضاعفت أسعار الغاز بأكثر من 4 مرات عن المعتاد فى هذا الوقت من العام، مما أدى إلى زيادة التضخم وإلحاق الضرر بالاقتصادات.

وتتعرض أوروبا لضغوط كبيرة مع دخول فصل الشتاء ،وبرودة الطقس، حيث حذرت شركة جازبروم القارة العجوز من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعى فى أوروبا إلى مستويات 4 آلاف دولار، وذلك فى الوقت الذى يسعى فيه الاتحاد الأوروبى إلى الحد من الارتفاع المفرط فى الغاز، والذى سيتكون من يقف سعر قدره 285 دولارا لكل ميجاوط / ساعة.

ومن ناحية آخرى، تتعرض أوروبا لانقسام حول اقتراح المفوضية الأوروبية بوضع حدا اقصى لسعر الغاز حال تجاوز السعر 275 يورو لكل ميجاواط / ساعة لمدة أسبوعين، حيث وصف وزير الطاقة البولندى الاقتراح بأنه “مزحة” واقترح المحللون أنه تم تصميمه وفقًا لمعايير صارمة لدرجة أنه لن يتم استخدامه أبدًا.

وانقدت دول مثل ألمانيا وهولندا مثل هذا الاقتراح، وقالت إنه قد يردع الموردين عن إرسال الغاز التى تحتاج اليه، كما أبدت إيطاليا وإسبانيا وبلجيكا ومالطا واليونان الحد الأقصى المقترح لكونه مرتفعا جدا.

وقالت ” لا تريبيون” فى تقرير لها، أن الشروط التى تضعها المفوضية لتفعيل الألية صارمة للغاية لدرجة التشكيك فى الرغبات الحقيقية للمفوضية، التى تخشى أن يؤدى تدخل السلطات العامة فى السوق إلى تفاقم الأزمة الحالية على حد سواء.

وتسألت “لا تريبيون”: “بعد عدة أشهر من بدء أزمة الطاقة، لا يزال السؤال بلا إجابة هل الاتحاد الأوروبى قادر حقًا على كبح جماح ارتفاع أسعار الغاز، التى لا تزال مستوياتها مرتفعة بشكل قياسي، أم أنها يمكن أن تفكر فقط فى اتخاذ تدابير مخففة؟.

وأشارت الصحيفة إلى أنه اقتناعا منها بضرورة اتخاذ إجراء، فإن بعض الدول الأعضاء تضغط من أجل أن تقترح المفوضية فى النهاية آليات مراقبة السوق، والتى تعتقد أنها ضرورية لتصحيح الأسعار، ومع ذلك لم يتمخض بعد أى اتفاق طموح من المفاوضات الجارية.

ولفت التقرير إلى أن الاقتراح الذى تقدمت به المفوضية الأوروبية، الثلاثاء الماضى، بناء على طلب من إسبانيا وفرنسا على وجه الخصوص يشير إلى أن تطبيق سقف الأسعار سيبدأ إذا تجاوز سعر التسوية فى بورصة (تي.تي.إف) لتعاقدات الشهر المقبل 275 يورو للميجاوات ساعة لمدة أسبوعين متتاليين وهو شرط على ما يبدو صعب المنال بحسب الصحيفة.

وبحسب ” لا تريبيون” أثار هذا الاقتراح حفيظة العديد من الدول، التى خاب أملها مرة أخرى بسبب تردد بروكسل الكبير منوهة إلى أن على المفوضية التعامل مع التوجهات المتضاربة: فمن ناحية، تطالب عدة دول بوضع حد واضح وفعال لأسعار شراء الغاز، من أجل كبح جماح الارتفاع القياسى للأسعار فى الأسواق.

من ناحية أخرى تريد المفوضية تجنب استعداء موردى الغاز من خلال فرض أسعار “منخفضة ” عليهم، فى وقت يخاطر فيه هذا الوقود بالنفاذ فى أوروبا – والذى يجب أن تستغنى عن جزء كبير من الهيدروكربونات الروسية، والنتيجة هى معادلة مستحيلة، لخصتها رئيسة المفوضية الأوروبية نفسها: “يجب أن يكون السقف مرنا بما يكفى لضمان أمن التوريد، ومرتفعا بما يكفى لكى يعمل السوق“.

وفى الواقع، فإن هاجس بروكسل هو التقليل من مخاطر النقص المحتمل للغاز فى أوروبا فيما يتعلق بالطلب، بدلاً من السعى بأى ثمن لخفض السعر، كما أوضحت مفوضة الطاقة الأوروبية كادرى سيمسون، الخميس الماضى، مشيرة إلى أنه قد يتم تعليق العمل بحد أقصى لسعر الغاز من قبل المفوضية فى أى وقت حتى لو تم استيفاء الشروط صعبة المنال فى حال وجود خطر على أمن الإمدادات لأن الهدف هو الاستمرار فى جذب شحنات الغاز الطبيعى المسال لتعويض الكميات المفقودة من روسيا.

وأضافت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبى الذى يعد إنتاجا للغاز ضعيف، يعتمد كثيرا على الغاز الطبيعى المسال الذى يتم شحنه من أرجاء المعمورة إلا أن بعض دول التكتل خاصة ألمانيا ،تعتبر أن هذا الاقتراح يمكن أن يؤدى إلى هروب الموردين من أوروبا إلى آسيا، خاصة مع وجود منافسة قوية من دول كالصين واليابان وكوريا الجنوبية الذين يشترون الغاز بأسعار مرتفعة.

ووفقا لخبراء الطاقة من الصعب على المشترى فى وضع الطلب على الغاز وحتى النقص، أن يشرح لمورديه أنه لن يدفع لهم ما يتجاوز حدًا معينًا طالما أن العرض يهيمن على السوق، فقد يلجأ المنتجون إلى مشترين محتملين آخرين.

ولفت التقرير إلى أن هذه الظاهرة حدثت بالفعل فقد أدى اندفاع القارة القديمة للغاز الطبيعى المسال لتقليص اعتمادها على الهيدروكربونات الروسية، إلى اضطراب السوق الدولية وتسبب فى ارتفاع أسعار الغاز المسال لدرجة أن العديد من البلدان التى تعتمد عليه لإنتاج الكهرباء، بما فى ذلك باكستان، لم تعد قادرة على المزايدة .

وخلص التقرير إلى أنه فى ظل هذه الظروف، وفى الوقت الذى من المرجح أن يكون العرض العالمى للغاز الطبيعى المسال غير كافٍ لتلبية طلب الجميع – على الأقل لعدة سنوات – يجب أن يظل نطاق التفاوض بشأن سعر الغاز الطبيعى المسال محدودًا للغاية، وبالتالى فإن الحل الوحيد “الذى لا يندم عليه” لصدمة العرض التى تهز أوروبا هو تقليل الطلب بشكل كبير.

ويقول أحد خبراء الصناعة: “لا توجد طريقة أخرى لتقليل الضغط على النظام بسرعة”، فى حين أن أى سقف لأسعار الغاز قد يؤدى على العكس من ذلك، إلى تحفيز استهلاك الهيدروكربونات أو تحويل الموردين، لذلك تفضل المفوضية التأجيل على الرغم من غضب إسبانيا واليونان وبولندا وفرنسا فى مواجهة هذا الترقب.

ويشار إلى أن غالبية دول الاتحاد الأوروبى طلبت من (بروكسل) اقتراح حد أقصى لأسعار الغاز، لكنها تختلف حول التفاصيل، فبينما تسعى بعض الدول إلى وضع حد أقصى لجميع تجارة الغاز وعقود الاستيراد، يفضّل البعض الآخر سقفًا محدودًا فى قطاع الكهرباء فقط.

ويعد سقف أسعار الغاز هو واحد من مجموعة من المقترحات والمبادرات التى أطلقتها الدول الأوروبية للتعامل مع انخفاض إمدادات الغاز من روسيا ،التى كانت توفر 40% من احتياجات القارة العجوز، وارتفاع الأسعار.

وعلى الرغم من الانتقادات والرفض الذى تتعرض له خطة المفوضية الأوروبية، دافعت دائرة شئون الطاقة فى المجلس الأوروبي، قائلة فى تقرير لها أن الآلية تهدف إلى “الحد من ارتفاعات أسعار الغاز القادم لأوروبا بصورة مغالى فيها ومنع انفلات أسعار الطاقة فى الأسواق الأوروبية ومكافحة نمو أية أشكال من نقص إمدادات الغاز الطبيعى إلى أى من البلدان الأعضاء فى الاتحاد“.

وأوضحت مفوضية الاتحاد الأوروبى – فى تقرير لها – أن ما شهدته أسواق الطاقة الأوروبية فى أغسطس الماضى من انفلاتات غير مسبوقة فى أسعار الغاز والمضاربة السعرية عليه، كان باعثا لخبراء دائرة الطاقة فى المفوضية لعمل المراجعات اللازمة لتأمين احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعى وذلك مع استمرار أزمة الصراع الروسى الأوكراني.