معرض الكتاب العربي (64) الذي ينظمه “النادي الثقافي العربي” في وسط بيروت، لا يبدو أنه في مساره الطبيعي والصحيح، وتبقى كلمة “معرض” مُطابقة لمواصفات معناها ودلالاتها ، فالكتاب اليوم في واجهات المعرض هو كتاب للعرض فقط، وليس للبيع كما هو متعارف عليه. والسبب الرئيس في تحول سوق الكتاب للعرض فقط، عائد الى انحدار مستوى التسوق الى مستوى ضعيف جداً،
وذلك بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشلّ البلاد والعباد، وبات شراء الكتاب هدفاً مستحيلاً لشرائح مجتمعية لبنانية واسعة، بسبب الغلاء الفاحش للكتاب، وليس مبالغة القول أن شراء الكتاب اليوم بات محصوراً لمن يقبض بالعملة “الصعبة” وللقادمين من الخارج مع “دولاراتهم الطازجة”،
أمّا حامل العملة الوطنية،فهو في واد والكتاب في واد بعيد. وبسؤال الكاتب والروائي وصاحب دار “غوايات” علي سرور عن الكتاب والمعرض، فيقول: “معرض الكتاب العربي والدولي .. بيروت”. هكذا كان اسمه منذ اربعة وستين عاماً ومازال ..
وكان معرضا للكتاب وطنياً وعربياً ودوليا بكل ما تحمل هذه اليافطة من فكر وادب وثقافة وطباعة ونشر وتوزيع للكتب، وكان معرض بيروت واحدا من ثلاثة معارض عربية ينتظره الجمهور بحب ولهفة واحتضان، لكنه لم يعد كذلك بكل اسف ومرارة والمجال ضيق للغوص في الاسباب والظروف
وكنا كل عام نقدم لادارة المعرض الاقتراحات للحفاظ على بهجة المعرض واهمية استمراره لكن لا حياة لمن تنادي لذلك قررت مثلما قرر غيري عدم المشاركة في المعرض والذين قرروا لهم اسبابهم ومبرراتهم ، معرض بيروت اكثر من ضرورة لانه بيروت الحرف والمطبعة والتفاعل الحضاري و”ست” الدنيا وهي خيمتنا ونجمتنا وشراعنا وشارعنا ومشروعنا ،،، وستبقى..
” وكتب الروائي جورج يرق في صفحته الفايسبوك : “انه آخر أيّام معارض الكتب: أحد أبرز أسباب فشل “معرض الكتاب العربي” في بيروت صعوبة الوصول إليه بـ”السرفيس”. إذ ليس باستطاعة من لا يملك سيارة دفع تعرفة الـ”تاكسي”.
هذا كان من زمان، قبل أن يسرق ضباع المنظومة الحاكمة تعب العمر. فكيف هي الحال اليوم؟ إنها صعبة جدًّا. لأن الراغب في زيارة المعرض يدفع أقله ثلاثمئة ألف ليرة أجرة “سرفيسات”، ذهابًا وإيابًا، إذا كان مقيمًا في إحدى ضواحي العاصمة،
ليصل إلى مفرق “البيال”. وعليه أن يمشي نحو كيلومتر من المفرق إلى مكان المعرض. أمّا إذا كان مقيمًا في جونيه، مثلًا، فعليه أن يدفع نحو خمسمئة ألف ليرة. ومن المستبعد أن يأتي المقيمُ في المناطق البعيدة إلى المعرض من أجل… كتاب”.
أما الشاعر مارون أبو شقرا فيقول: “الأحبة الكتاب والشعراء والأدباء، والأصدقاء أصحاب دور النشر، المشاركون في معرض بيروت للكتاب.. تحية وبعد، كنت قد قرّرت زيارة المعرض غداً الأحد لمشاركتكم فرحة الولادات، وبهجة هذا العرس الثقافي العزيز،
لكنّ العين الباصرة فقأتها اليد القاصرة. وصلتني عشرات الدعوات من المحبّين، لحضور تواقيع في مواعيد متعدّدة، ولمّا كنت مقيماً في البقاع الغربي، وكلفة النقل في الرحلة الواحدة قد تتجاوز ثلث راتبي، وأنا مدعو لأكثر من زيارة في أيّام مختلفة، ناهيكم عن أسعار الكتب وأعدادها.
لذلك ألتمس منكم العذر بسبب عدم قدرتي على تلبية دعواتكم حتى لا أفرح لصديق وأتجاهل آخر، متمنّيًا لكم جميعًا التوفيق والنجاح…” وبدوره، الشاعر مردوك الشامي، يتحدث عن حفلات التواقيع في معرض الكتاب: “سأحضر كل التواقيع .. ولن اشتري كتابا!.. 4بكل جدية أحاول ومنذ أيام أن أحسبها اقتصاديا ومادياً ، وأنا الضعيف جداً بكل ما يتعلق بالحسابات ، والأموال والبورصة ، والتوفير والصرف والممنوع من الصرف،
ولم أتعامل مع الحسابات المصرفية إلا في فترة إقامتي في السعودية ، وقصمت ظهري بطاقات الفيزا والماستر ، ولم أتعامل يوما مع مقولة “خبي قرشك الأبيض ” لأني أعيش كلّ ايامي سوداء بلا حدود. أشتغل على حساب عدد التواقيع للأصدقاء المقربين والمبعدين والبين بين في معرض الكتاب في البيال ..
بصراحة عدد كبير ومخيف لو فكرت ولو وهمياً بأنني سأشتري نسخا من الجميع ، أو حتى من بعضهم!.. المبلغ يتجاوز ال15 مليون ليرة ، في أقل تقدير ، ومستحيل علي في ظرفي الراهن تأمينه حتى للمعيشة ، فكيف بتأمينه من أجل حفظ ماء الوجه أمام شعراء وكتاب أعرف أنهم أيضا يعيشون الحرج ذاته. لهذا قررت الآتي ، وأمل ألا يزعل مني أحد .. سـأزور كلّ حفلات التوقيع ، لكنني لن أشتري ولو كتابا واحدا، ليس لبخلي ،
بل لعسر الحال ، سأشارك الأصدقاء فرحتهم ، وعرسهم ، بحضوري ، وسروري بهم ، فهل سيتقبلون هذا الأمر .. ثم هناك حل يرضي كل الأطراف ، أنا أيضا لي حفل توقيع في المعرض ذاته ، فلماذا لا أصطحب نسخا من كتابي إلى كل توقيع وأستبدلها بنسخ من كتب الأصدقاء ؟
.. أليست الغاية أن تصل كتبنا لبعضنا البعض، أن نكون حاضرين ومساهمين .. سنلتقط الصور ، ونتبادل المرحبا والمبروك ، وسنكتب عن تجاربنا ونتاجنا ، ولو بكلمات بسيطة تعبر عن لقاءات فيها مودة وانسجام.. أن أحضر ولا أقتني كتابا مدفوع الثمن ،
أليس بأفضل من تسجيل الغياب ، والانزواء والاختباء في أركان المعرض كي لا يلمحني أحد؟.. أليس هذا حال غالبيتنا؟
أعرف أن الكاتب ينتظر حفل توقيعه ، لكي يعوّض ولو قليلا في الجانب المادي ، ويشعر أن عرقه أنبتَ بعض سنابل الاكتفاء أو التعويض ، لكن الضغط الاقتصادي يطالنا أجمعين ، فلماذا نكابر ، ألا يكون حضور واحدنا حفل صديق له ، أهم بكثير من مبلغ 200 الف ليرة ؟ خارج المعرض ، في حفلات توقيع فردية وخاصة ، كلنا لا نقصر ونذهب ، ونقتني الكتاب ، شراء كتاب واحد لن يقصم ظهورنا ، لكن شراء 130 كتاب ، أقسم بجميع القديسين جريمة يعاقب عليها القانون”.