حرّكت مشاركة الرئيس التونسي مؤخرا في القمة الصينية – العربية وحاليا في القمة الأمريكية – الأفريقية المطالبَ بتنويع الشركاء وصياغة خارطة دبلوماسية جديدة تقلّص من “التبعية للغرب” وتتجه إلى الشرق وأفريقيا.
تعتقد أغلبية واسعة من الطيف السياسي والدبلوماسي أن تونس كبّلت أقدامها لعقود بالتعويل المفرط على صندوق النقد الدولي الذي يفرض شروطا بتكلفة اجتماعية باهظة وعلى الدول الغربية التي عمّقت تبعيّة تونس الاقتصادية والأمنية، بحسب البعض.
ويرى مراقبون أن الوقت قد حان لتغير تونس بوصلتها الخارجية نحو الشرق وحتى نحو أفريقيا التي تعترف الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأنها قارة المستقبل.
ويشارك الرئيس التونسي منذ الثلاثاء في القمة الأمريكية– الأفريقية التي تنتظم في واشنطن من 13 إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعد أيام من مشاركته في القمة العربية الصينية التي احتضنتها الرياض الجمعة الماضية.
تأكيد تجسيد العمق الأفريقي
ويعتقد الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي في تصريح لـ”سبوتنيك”، أن مشاركة تونس في القمة الأمريكية الأفريقية لا يجب أن تكون حدثا مناسباتيا، وأنه يجب عليها أن تفكر جديّا في تعميق روابطها بالقارة السمراء.
وأضاف:
“مع الأسف لا تمتلك تونس سياسة أفريقية واضحة واهتمامها بهذه القارة بقي مناسباتيا. والدليل الأكبر على ضعف هذه الروابط هو عدد سفاراتها في أفريقيا الذي لا يتجاوز أصابع اليد إذا ما استثنينا الدول العربية”.
ويرى المغزاوي أن العالم وليس أمريكا فقط يتجه إلى أفريقيا ويعتبرها قطبا تنمويا واعدا نظرا لموقعها الاستراتيجي، مشيرا إلى وجود تنافس كبير بين القوى العظمى في العالم حول أفريقيا على غرار الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى بعض الدول العربية مثل المغرب التي تعتمد سياسة أفريقية واضحة، بحسب قوله.
وتابع “من المهم أن لا تقتصر علاقات تونس بأفريقيا على المناسبات الدولية أو الاقليمية وأن تجسد دولتنا العمق الأفريقي في برامج وتصورات ورؤى واضحة، خاصة وأن كل العالم يحسد تونس على موقعها الاستراتيجي الذي يمكن أن يجعل منها بوابة حقيقية لأفريقيا”.
كسر الهيمنة الغربية
ويقول المغزاوي إن من بين أكثر الحلول المقترحة للخروج من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس هو تنويع الشراكات الخارجية والتوجه إلى الشرق وأفريقيا، خاصة وأن موازين القوى الدولية تتغير يوما بعد يوم.
وأضاف “لقد أكدنا في مناسبات عديدة على ضرورة الذهاب إلى الشرق وإلى تجديد الشراكات. فالعالم يشهد اليوم تشكل موازين قوى جديدة بإمكانها أن تمثل فرصة لتونس حتى تعيد تموقعها في هذا العالم وتخرج من الهيمنة الغربية التي خضعت لها طيلة السنوات الفارطة”.
ولفت المغزاوي إلى أنه نقل هذا المطلب إلى رئيس الجمهورية في لقاءاته الأخيرة به، مشيرا إلى أن الرئيس مقتنع تماما بمسألة تجديد الشراكات الخارجية لتونس وتبنّي سياسة جديدة تجاه القوى الاقتصادية العالمية في الشرق.
ويؤكد الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي لـ “سبوتنيك”، أن تونس تسعى حاليا إلى رسم خط سياسة خارجية جديد تخرج بمقتضاه من دائرة الهيمنة الغربية إلى بناء نوع من العلاقات المتوازنة على المستوى الدولي.
وأضاف “لقد لخّص رئيس الجمهورية قيس سعيد هذا التوجّه خلال خطابه في القمة العربية الصينية حينما أكد أن السياسة الخارجية التونسية ستتجه نحو البحث عن التوازن وتجديد الشراكات باتجاه قوى عالمية جديدة مثل روسيا والصين وبقية القوى الصاعدة، بمعنى أن تونس ستبحث مستقبلا عن مصالحها بناءً على قاعدة رابح رابح”.
وقال النابتي إنه يجب على القوى التقليدية الحليفة لتونس التي تمثلها أساسا الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي أن تفهم أن تونس مطالبة بتجديد رؤيتها، لأن العلاقات الخارجية القديمة والهيمنة الأمريكية أضرت بها. مضيفا “ليس لتونس رغبة في مشاكسة أي طرف دولي ولكن لنا رغبة في أن نحافظ على مصالحنا”.
التوجه إلى الشرق
ويقرُّ أستاذ العلوم الجيوسياسية رافع الطبيب بوجود مساعي لتحريك بوصلة العلاقات الخارجية التونسية، خاصة في ظل تصريحات أخيرة قادمة من الشرق تدعم التنمية في تونس وترفض التدخلات الغربية فيها.
وذكّر الطبيب في حديثه لـ “سبوتنيك”، بتصريح السفير الصيني الذي شدّد فيه على رفض التدخل الغربي في تونس، تلاه تأكيد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال القمة العربية الصينية بأن جمهورية الصين الشعبية لا تقبل بأي حال من الأحوال تدخل البلدان الغربية وضغطها على تونس.
وذكر الرئيس الصيني خلال اجتماعه بنظيره التونسي في العاصمة السعودية الرياض أن قال بلاده “تدعم بشدة تونس في اتباع مسار تنمية يتلاءم مع ظروفها الوطنية، كما تُعارض التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية”.
وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال سفير جمهورية الصين الشعبية لدى تونس جانغ جيانقوه في مؤتمر إعلامي إن “تونس تعرضت خلال الفترة الأخيرة إلى هجمة تدخل في شؤونها الداخلية من قبل الدول الغربية وخاصة مجموعة الدول السبع والولايات المتحدة الأمريكية وذلك لاتخاذها قرارات سيادية لا تتواءم مع مصالح هذه الدول “.
ويرى الطبيب أن اجتماع الرياض أظهر بالكاشف رغبة الصين في لعب دور محوري في المنطقة، مشيرا إلى أن تونس أبدت نوعا من الاستعداد للانخراط في تثمين هذا التمشي. وأضاف: “في المقابل يبدو أن أمريكا أعادت صياغة سياساتها وحساباتها بشكل جدي بعد أن اكتشفت أنها تحولت إلى ماكينة لخسارة الأصدقاء وتكثيف جبهة الأعداء”.
ويجزم أستاذ العلوم الجيوسياسية بأن تغيير تونس لشراكاتها أصبح أمرا محتوما، وأنه بات من الضروري عليها أن تجتهد في تنويع علاقاتها الخارجية وأن تدخل نوعا من التوازن عليها.
وتابع:
“تحريك العلاقات الدولية والشراكات الاستراتيجية شبيه بتغيير حركة البواخر الكبرى التي لا يمكن إدارتها آليا، فالمسألة إذن تتطلب مساحة زمنية وجهدا”.
ويرى الطبيب أن تونس لم تثمن نقاط القوة لديها في علاقتها بشركائها التقليديين، قائلا “نحن لا ندري لماذا كل هذا الانبطاح أمام الغرب في العشرية الأخيرة بشكل أضر حتى بأمننا القومي”.
ولفت الطبيب إلى أن علاقة تونس مع أوروبا ومع المحور الغربي ليست فقط علاقة تبعية اقتصادية، مشيرا إلى أن بعض البلدان الأوروبية أرادت أن تجعل من تونس ذراعا استخباراتية لها وأن تعبث بأمنها القومي.
ويطمح الطبيب إلى أن تشهد تونس في الفترة القادمة إعادة لصياغة علاقاتها الخارجية، خاصة في ظل تأكيد الرئيس قيس سعيد على ضمان السيادة الوطنية، قائلا “لا أستبعد أن يتم إمضاء شراكات مع الدول الصاعدة مثل روسيا والصين والهند التي يمكن أن تحقق لتونس استفادة مشتركة”.