رواية جموح جمعية “حزب الله” للسيطرة على أراضٍ في رميش

تخفت قضيّة الخلافات الطائفية بين المسيحيين والمسلمين الشيعة في بعض قرى الجنوب القليلة، لتعود الى الظهور مجدداً عبر بعض الحوادث، وكان آخرها في بلدة #رميش الجنوبية بين الأهالي وإحدى الجمعيات المسمّاة بيئية “أخضر بلا حدود” التابعة مباشرة لـ”حزب الله”.

جهد “حزب الله” منذ التحرير عام 2000 للظهور بمظهر المحافظ على النسيج المتنوّع في القرى الحدودية وخصوصاً في قضاء بنت جبيل، وهو طالما تغنّى بحمايته هذه القرى وسكانها على الرغم من الاتهامات التي كانت تكيلها البيئة “الشيعية” الى أهالي هذه القرى بأنهم كانوا أكثر المتعاونين مع ميليشيات العملاء وغيرها، وهناك جزء من أهالي القرى غادروها رغم عدم ارتباطه بجيش لبنان الجنوبي نتيجة تهديدات تلقاها من أفراد من “حزب الله”، وجزء منهم نزحوا الى بيروت خوفاً، لكن في النهاية بقيت هذه الحالات مضبوطة ولم تؤدّ الى نزوح أو هجرة جماعية من هذه القرى.

وعلى عكس بعض المناطق التي تشهد تجاذبات على الملكية الأصلية في عدد من المناطق اللبنانية ومنها لاسا في جبيل وبعض مناطق الضاحية الجنوبية، التي تشتبك فيها الكنيسة المارونية مباشرة مع الطائفة الشيعية والرعاة السياسيين لهذه الطائفة، فإن من النادر أن تسمع بخلاف على ملكيات وأراضٍ في قرى الجنوب سوى بعض الحالات التي تحدث في جميع أنحاء الوطن وهي حالات يومية تجري بين شقيق وشقيقه.

يقول أحد الناشطين في الجنوب، وهو يعمل في الشأن العام، إن الإشكالية الكبرى تقع في مكان واحد، وهي ليست السيطرة على الأرض بل توق المسيحيين في هذه القرى الحدودية الى بيع الأراضي، وهي غالباً تكون لأبناء القرى المجاورة أي من الطائفة الشيعية، وهنا يستسهل المسيحيون ترك أراضيهم، لعدد من الظروف منها اجتماعية وسياسية ولها علاقة بالبيئة الدينية والسياسية المسيطرة على المنطقة، ومنها مادية نتيجة الفقر والعوز.
هناك أربع قرى مختلطة في قضاء بنت جبيل هي تبنين، برعشيت، يارون وصفد البطيخ، كان المسيحيون يشكلون فيها بين الثلث وأقل من النصف عددياً وبالأملاك، أغلبهم باعوا بيوتهم وأملاكهم طوعاً ولم يعد لهم سوى وجود شكلي وضعيف جداً، وحتى من بقيت لديهم منازل، وهم موجودون في لبنان، لا يزورون قراهم، فبقي ما يسمّى الأحياء المسيحية في هذه المناطق مهملة وأصبحت تصغر وتضيق رويداً رويداً، وطبعاً هذا الأمر لا يقتصر على هذه القرى، بل تعدّاها الى القرى غير المختلطة، كدبل وعين إبل والقوزح وصولاً الى رميش، التي بدأت أملاك المسيحيين فيها بالتقلص كثيرًا، وأضحى امتداد هذه القرى ضيّقاً الى حدّ ما عمّا كان عليه في السابق حيث كانت لهم امتدادات واسعة كبيرة.

إلا أن عملية التضاؤل كانت عبر البيع والتفاهم بين المتعاقدين من دون وضع يد أو مشاكل كما يحدث في لاسا على سبيل المثال، وبغضّ النظر عن الظروف وعن الإمكانيات التي تدفع لشراء الأرض وإن كانت هناك أهداف سياسية أو استراتيجية أو ديموغرافية من ورائها فإنها تحدث بالاتفاق والتوافق، طبعاً هنا الحديث عن الأغلب، بحيث إن بعض حالات البيع استُعملت فيها أساليب الترهيب والتهديد وأخرى استُعملت فيها أساليب الترغيب كدفع أثمان أكثر بكثير من قيمة الأراضي الفعلية.

ولكن بالنسبة لرميش فهي البلدة الأكبر، وكانت تضمّ نحو 12000 نسمة وهم من الموارنة فقط، وعلى الرغم من حالات النزوح التي حصلت في لبنان عموماً حافظت هذه البلدة على عدد سكان مقبول يعيشون فيها صيفاً وشتاءً، وهذا ما جعل عملية التخلّي عن الأرزاق والبيوت قليلة مقارنةً بغيرها من القرى، والأساس في الأمر هو موقعها الاستراتيجي على الشريط الحدودي مباشرة، ما جعل خراجها منطقة عمل ملزمة لـ”حزب الله”، وهذا ما جعل فرص الاحتكاك أكبر، وخصوصاً أن للقرية مشاعات واسعة وكبيرة وتستحوذ على جزء جيّد من الحدود.
وفي هذا الموضوع شقان أساسيان يمكن الحديث عنهما، الجزء الاول هو تدخل بعض الميسورين مالياً، بدعم من الكنيسة وشخصيات حتى من خارج البلدة، لشراء أي قطعة أرض يرغب أصحابها في بيعها وعدم السماح ببيعها لخارج الطائفة، والثاني كثرة الورثة والإشكالات العقارية على عدد كبير من العقارات وهو ما يجعل بيعها وتسجيلها رسمياً من المستحيلات.
ومن هذا المنطلق ومع الحاجة الى تغطية الحدود من قبل “حزب الله” وعدم ترك ثغرة كما يقولون، وقعت هذه الإشكالات، رغم اللجوء الى عملية استئجار واسعة وبمبالغ كبيرة قامت بها جمعية “حزب الله” إلا أنها لم تستطع تملّك أجزاء كبيرة من المشاع الذي بقي أملاكاً خاصة.

وعلى الرغم من تبرير الجمعية في الحادث الأخير أن الأراضي ليست أملاكاً فردية وهي أملاك متنازع عليها بين عائلات فلسطينية وأخرى من رميش، كما أن العقارات موضع نزاع عقاري بين أهل رميش أنفسهم، لم ينجح الأمر هذه المرّة. ونجح الأهالي إعلامياً في هذا الأمر، ما أحرج الحزب وداعميه في هذه القرية كما “التيار الوطني الحر” الذي سحب يده من القضيّة على اعتبار أنه لا يتحمّل تبعات هذا الأمر طائفياً، هذا بالاضافة الى رغبة “حزب الله” في ضبضبة الموضوع إعلامياً لما له من بُعد عسكري حسّاس وعدم الإضاءة على بعض المراكز والثكنات والطرقات التي تقام في أحراج هذه المناطق، فتم التراجع عن أعمال شق الطرق ووضع البيوت (البيئية العسكرية) في المنطقة، والاتفاق مع الأهالي على عدم الولوج الى قطع الأشجار الكبيرة بالذات، أو القيام بأي ثغر يمكن أن تساعد الإسرائيلي لاحقاً في أي حرب.