طوى عام 2022 أيامه الأخيرة في إيران والتي بدأته على وقع أزمة ملفها النووي مع تطورات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة. إلا أن ومع ذلك، فإن ما تخشاه طهران في المرحلة الراهنة هو أن يكون العام 2023 امتداداً مباشراً لآخر صفحة في سجل احتجاجات مهسا أميني
وشهدت إيران خلال عام 2022 تطورات سياسية لافتة على الصعيدين الداخلي والخارجي رافقتها موجة احتجاجات شعبية منذ أكثر من 3 أشهر، إثر وفاة الشابة مهسا أميني، تطالب بحريات اجتماعية وإصلاحات سياسية.
ولعل توقف مفاوضات فيينا النووية وبلوغ المساعي الدولية والإقليمية الرامية إلى إنقاذ الاتفاق النووي، شكّل الحدث الأكثر تأثيرا على سياسة طهران وزيادة الضغوط الخارجية عليها، إلى جانب تفاقم الخلافات المتبقية مع الوكالة الذرية التابعة للأمم المتحدة.
وبالرغم من نفي طهران جميع اتهامات الوكالة الأممية بشأن “العثور على جزيئات يورانيوم في 3 مواقع لم يصرَّح عنها داخل إيران”، فإن الملف الخلافي مهّد الطريق إلى مناقشته في مجلس محافظي الوكالة الذرية وإصدار قرارين ضد طهران حتى الآن.
لكن الضغوط الخارجية المتصاعدة لم تقتصر على ملف طهران النووي فحسب، فقد أثار اتهامها بإرسال طائرات مسيرة إلى روسيا إلى جانب احتجاجات مهسا، نقاطا خلافية واتهامات أخرى بشأن حقوق الإنسان وانتهاك القرارات الأممية.
ولاستشراف مستقبل الاحتجاجات داخل إيران، وما ينتظر ملفها النووي على الصعيد الخارجي خلال عام 2023، تستعرض الجزيرة نت -في سؤال وجواب- أبرز السيناريوهات التي قد تشهدها السياسة الإيرانية في العام الجديد.
ما احتمالات احتواء التوتر المتواصل بين إيران والقوى الغربية بشأن ملف طهران النووي؟يعتقد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طهران، محسن جليلوند، أنه لا يمكن فصل مستجدات الملف النووي عما يجري داخل إيران من احتجاجات وتطورات الحرب الروسية على أوكرانيا، مؤكدا أن مستجدات هذه الملفات تكاد تقضي بالكامل على الاتفاق النووي، مستبعدا إنقاذه خلال الفترة المقبلة.
وفي حديثه عبر “الجزيرة نت”، قال جليلوند، إن إخراج الملف النووي الإيراني من عنق الزجاجة ليس مستحيلا لكنه بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية لم تعد متوفرة، موضحا أنه لا يستبعد التفاوض على اتفاق مختلف عن اتفاق 2015 بشأن الملفات الخلافية بين إيران والقوى الغربية.
وبالنسبة للخلافات التقنية بين إيران والوكالة الذرية، يرى أن بلاده حققت طفرة كبيرة في قدراتها النووية منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، مؤكدا أن قدرة طهران على تخصيب اليورانيوم بدرجات نقاء عالية تضاعفت عشرات المرات مما يجعل التراجع عنها أمرا صعبا للغاية.
ما السيناريو الأكثر احتمالا بالنسبة للملف النووي الإيراني في 2023؟
يتوقع جليلوند أن يؤدي التحرك الغربي بقيادة الولايات المتحدة إلى إجماع دولي ضد طهران خلال العام الجديد، وبالتالي تفعيل آلية فض النزاع التي ستعيد البرنامج النووي الإيراني إلى المربع الأول ومرحلة ما قبل اتفاق 2015.
ويرى الأكاديمي المتخصص في الملف النووي الإيراني، أن ألمانيا تبدو أكثر حماسة لممارسة أقسى الضغوط على طهران في المرحلة الراهنة، وتوقع أن تقدم برلين على اتهام الجمهورية الإسلامية بعدم الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي، وإحالة ملفها إلى مجلس الأمن الدولي مما سيؤدي إلى إعادة العقوبات الأممية على طهران، وفق قوله.
بعد الضجة التي أثارتها وفاة الشابة مهسا أميني في الشارع الإيراني، ما التوقعات بتراجع الحراك الاحتجاجي مستقبلا؟
“لا شك أن الشارع الإيراني سيشهد فترات هدوء طويلة في 2023، إلا أن الاحتجاجات لن تختفي نهائيا لطالما الأسباب المؤدية إلى اعتراض جيل الإنترنت لم تعالج بالكامل”. هكذا يستشرف عالم الاجتماع الإيراني، مجيد أبهري، مستقبل الحراك الاحتجاجي في بلاده.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعزو أبهري سبب استمرار المعضلات الاقتصادية والمعيشية في بلاده خلال العام الجديد إلى العقوبات والضغوط الخارجية، مؤكدا أن الجيل الجديد يشهد المتاعب التي يتحملها آباؤه من أجله، ولذلك يعترض على الواقع الاقتصادي المتردي في البلاد.
ولفت أبهري إلى أنه لا أمل بوقف الحرب الإعلامية وعمليات التحريض الموجهة من الخارج، مما يدفع السلطات الإيرانية إلى تقييد الإنترنت وحجب مواقع التواصل العالمية، وبالتالي توفير ذريعة للاحتجاج على المضايقات وسلب الحريات، لأن الفضاء الافتراضي أصبح جزءا من حياة الأجيال الحديثة.
وخلص الأكاديمي الإيراني إلى أن الاعتراضات الاجتماعية سوف تتراجع في الشارع الإيراني بقدر نجاح الحكومة في تبديد هواجس المجتمع وتلبية متطلباته.
في ظل المطالبات السياسية والمجتمعية بإجراء تعديلات دستورية، هل ستقدم سلطات طهران على تعديل الدستور والعبور بالبلاد نحو الجمهورية الثالثة؟