كامل الأسعد رئيساً لمجلس النواب:
مع قراري عدم إزعاج ( أم كامل ) وترك الساحة لها تفرح بفوز ولدها كامل مع لائحة المؤيدين. ألحيت على زوجي أن أمضي إلى أولادي في بيروت. هناك، فوجئت بالصحفيين يطرحون علي السؤال الكبير: ” هل كامل بك سيخوض انتخابات رئاسة المجلس، وقد تحددت بعد خمسة أيام “.
وعدتهم بإعطائهم جواباً بعد الرجوع إلى زوجي. ولما لم يتسنَّ لي الاتصال بكامل عبر الخط العسكري، فكرت بالتوجه إليه في الطيبة… لكن كيف ؟ والرحلة تستغرق يوماً كاملاً، والوقت لا يسمح. استعنت بالله، وأخذت على عاتقي اتخاذ القرار: بلغت الصحفيين، أن كامل الأسعد مرشح.
وبسرعة أعلن الخبر في عناوين الصحف، وتناقلته التلفزيونات والإذاعات المحلية والعربية والعالمية.
بدأت نشاطي المكثف الذي كان يتوجب علي إتمامه في غضون أيامٍ خمس.
نشاطي المكثف:
طلبت من مكتب زوجي لوائح النواب، عناوينهم، أرقام هواتفهم، وتحركت نحوهم حيثما كانوا!
نتيجة لتلك القرارات، حصلت على تأييد كبير من النواب، ولم يبقَ أمامي إلا حزب الكتائب، الذي أفادني الشيخ بيير الجميل: ” غداَ صباحاً سيُعقد اجتماع المكتب السياسي لحزب الكتائب، وعلى ضوئه سنقرر من سندعم ”
كامل يقطع إقامته:
صباح يوم الانتخابات، إذ علم كامل بالأمر، صُدم بشدة، فقطع إقامته في الجنوب، وأسرع إلى بيروت. بدخوله البيت، بدا غاضباً شارحاً ما يجري مؤامرة ضده، واستطرد: ” إنما تعيين موعد انتخابات رئاسة المجلس بهذه السرعة، هدفها: قطع الطريق على ترشيحي. وفجأة حدّق بي مستهجناً هدوئي ! شو يا غادة ألا تبالين !
عندها رحت أسرد له المستجدات بدءاً من إعلاني ترشيحَه، إلى زياراتي للنواب، والرؤساء والأحزاب، مبينة له ما قد حصل من مستجدات، وما حصلت عليه من وعود، وتأييد.
في تلك اللحظة: اتصل الشيخ بيير الجميل، معلناً لكامل بك قرار الحزب، بتأييده.
تلك الجلسة كانت المرة الأولى التي انتخب فيها كامل الأسعد وجلس على سدة رئاسة مجلس النواب لسنوات طويلات.
إني أشهد:
أنوه إلى حادثة كنت شاهدة عليها في عام 1972، أوائل الحرب اللبنانية، أرسل الملك فيصل إلى كامل بواسطة سفيره قائلاً: ” بما أن كل الفرقاء يا بن العم، تتسلح وتتهيأ لخوض الحرب، أرسل لك شِكاً، أترك لك وضع الرقم الذي تطلبه ويتطلبه الوضع، ونحن معك بقلوبنا وإمكاناتنا، في كل ما تحتاجه”.
يومها اعتذر كامل عن قبول الشِك شارحاً: ” أتسلح ضد من ! لأقاتل أبناء بلدي ! لا لن أفعل !
ويطيب لي كشاهدة أن أذكر التالي: في عهد رئاسته لمجلس النواب، كان يخصص له نصف مليون ليرة لبنانية تصرف على كبار الزوار الذين يفدون إلى لبنان، وإذ تُصرف تلك المخصصات في منتصف السنة، أشرت عليه بتقديم الفواتير والحصول على إضافة، انبرى كامل زاجراً، أنا أطلب مالاً ! لا تعودي إلى مثل هذا الكلام أبداً ! فكان يصرف من جيبه الخاص لباقي العام.
ختاماً، لا يفوتني أن أذكر مآثر كامل الوطنية، ونضافة يديه من العمالة للخارج ومن استغلال منصبه في تحقيق مآربه الشخصية، بالإضافة إلى رفضه تلطيخ يديه بدماء أبناء وطنه، حيث كان وطنياً صلفاً لا ينافس بين الوطنيين ولا يضاهى، ما أوحى إلي بأن أكون سنده الذي لا يميل ولا يتداعى أمام ملمات الحياتين السياسية، والأسرية… وبذلك كان كامل بك الأسعد قدوة لي ولكل اللبنانيين على امتداد أرض الوطن في الكفاح والنضال من أجل الحفاظ على وحدة التراب اللبناني، والشراكة بين الأخوة في الوطن بعيداً عن أي شكل من أشكال التعصب البغيض.
يتبع….