استرسالاً، نعيد ما نشره الدكتور سليمان حسيكي في مجلة غادة عن عظيم لبنان كا بك الأسعد الأول.
نسبه ونشأته:
كامل بك بن خليل بك الأسعد، حفيد نصيف النصار، عم الرئيس أحمد الأسعد الأول، وجد الرئيس كامل الأسعد الثاني، وأحمد الأسعد الثاني، الحفيد، يعودون بنسبهم إلى الوائليين الذين تمتد أصولهم العربية إلى العدنانيين، كانوا شيوخ المشايخ في الجزيرة العربية، وهم حكام البلاد، وزعماء جبل عامل، منذ زمن بعيد.
ولد في الطيبة – قضاء مرجعيون سنة 1870، وتوفي عام 1924. تعلم القراءة والكتابة على معلم مخصوص، في مسقط رأسه، ولما تعين والده على نابلس، كان معه، فتعلم في مدارسها مبادئ العربية، ودخل بعدئذ المدرسة البطريركية في بيروت، ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية وتخرج من المكتب الملكي الإعدادي، الذي كان يدعى المدرسة السلطانية، وكان برئاسة الإمام محمد عبده، صديق والده آنذاك، وكانت قد ظهرت عليه علائم النجابة والذكاء منذ طفولته، وليس ذلك بمستغرب، فهو سليل عائلة تميزت بالذكاء والفروسية والشجاعة والمحافظة على القيم.
بعد تخرجة قصد الأستانة، وأقام بها مدة يسيرة، ثم عاد إلى بلاده، وتعين مديراً لناحية النبطية.
توليه الرئاسة
بعد وفاة والده خليل بك الأسعد، تولى الرئاسة وكان في الثامنة والعشرين من عمره، فقام بأعبائها خير قيام، وأحرز شهرة عظيمة، ومقاماً رفيعاً في لبنان والأقطار العربية، فكان ظله ممدوداً في أنحاء جبل عامل، وقوله مسموعاً، وأمره متبوعاً.
انتخب عضواً للمجلس العمومي في بيروت، ثم عضواً لمجلس ” المبعوثان التركي “، وأحرز من الرتب الرتبة الأولى، ونيشانين ” المجيدي والعثماني ” ( عن مجلة العرفان، المجلد33،1924)، وكان شديد الذكاء حسن الأخلاق، وذا بأس وشدة ومهابة، له هيبة السلاطين، وعنده من قوة الشخصية والإرادة والجرأة الأدبية، والشجاعة، ما يشير إلى أنه خلق ليكون زعيماً، أو كما قال عنه الأمير شكيب أرسلان: ” خلق ليكون سيداً بل ليكون سيد السادات، ورئيس الرؤساء، اجتمع فيه من خلال الزعامة والرئاسة ما قلما رأيته في مخلوق، هذا مع التماهي في دماثة الخلقن والتواضع، وحسن العشرة، وسرعة الفهم، ولطف المحاضرة، وكانت أخلاقه تسيل عسلاً، ومجالسه تتألق أنساً ونوراً ( مأخوذ عن: السيد محسن الأمين: أعيان الشيعة. دار المعارف. سنة 1982. المجلد9. ص33).
فاز على خصومه ومناوئيه – على شدة شكيمتهم – لما جمعه الله فيه من عرق ذكي، ومناقب زائدة؛ وهل أنا فيما أقوله إلا كالدال على القمر الطالع، ونور الشمس الساطع، وكيف تدرك غاية من قد اصطلح إليه المتخاصمون، أو كما قال أرسطو طاليس للإسكندر: ” أما مناقبك، فقد صارت كاالشيء، يؤسى به، لا الشيء يعجب منه “. فكانت الإشارة إليه، أبلغ من الدلالة عليه.
مواقفه السياسية
إن الباحث في سياسة كامل بك الأسعد، لو شاء أن يعدد مآثره ومفاخره لطال الأمر وضاق المجال، كما يذكر الأمير شكيب أرسلان، وحسبي أن أشير في هذه الصفحات إلى البعض من مواقفه السياسية بما يدل على وعيه وإدراكه للسياستين الداخلية والخارجية، ومدى رؤيته لآفاق المستقبل السياسي، وما فيه مصلحة جبل عامل.
موقفه من الأتراك
بعد أن انتخب كامل بك عضواً للمجلس العمومي في بيروت، ثم عضواً لمجلس المبعوثان التركي، لمع اسمه في الأستانة، لجرأته وشجاعته، إذ كان يمثل كل العرب، ويسعى دائماً إلى إصلاح ذات البين في حكمة ودراية، فكان واسطة خير كلما جرت وحشة بين اثنين، اجتهد في إزالتها، وطالما أدب المآدب لمبعوثي العرب، بقصد جمع كلمتهم “.
وقد انتظم في حزب الائتلاف، وكان من أركانه، وعاكس الاتحاديين، ثم عاد إليهم لأسباب قسرية، وكان جمال باشا، يحاول استمالة الزعماء، إذا كان يخطط للانفصال عن الدولة العثمانية، فأقام علاقة ودية بينه وبين كامل بك، بقصد إقامة علاقة طيبة بينه وبين عبد الكريم الخليل، فتنبه كامل بك إلى محاولة الفتنة، فاتصل بعبد الكريم، سراً، واتفقا على مقاومة العثمانيين، وقد أورد جمال باشا في مذكراته، أن بعض الأشخاص زاروه وقالوا له : إنكم ضعتم ثقة كبيرة في جماعة الإصلاح وخولتموهم حرية مطلقة في البلاد، وأخشى أن يكونوا أساؤوا استعمال تلك الثقة، وحاول جمال باشا أن يوحي إلى أخصام كامل بك، أن مفتي الجيش الرابع أحمد الشقيري أخبره أن كامل بك يعلم أن عبد الكريم الخليل يحضر لثورة على الدولة العثمانية، فتلقف بعض المغرضين هذا الخبر ليوقعوا بكامل بك، ويسيؤوا إليه، علماً أن جمال باشا كان يعلم العلاقة الوثيقة التي تربط عبد الكريم الخليل بكامل بك، ويكفي أن يكون هذا الخبر على لسان جمال باشا، ليعرف المؤرخون خلفياته، والقصد منه. ويذكر الشيخ علي الزين أن كامل بك كان يذم الأتراك، ومن قوله فيهم: ” ولا خير في أقوام لا خير عندهم .. ولا يمن في أقوام ميمونهم قرد ”