هل سيُواصل الدولار صعوده؟ تقرير يكشف ما سيجري في الـ2023

بدأ الدولار التداول مرتفعاً بقوة مقابل جميع العملات الرئيسية تقريباً في بداية العام الجديد 2023، بعد فترة من الهدوء في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي.

 

وعدا الين الياباني الذي عزز مركزه أمام الدولار، شهدت جميع عملات مجموعة العشرة، الدول ذات الاقتصادات الكبرى والعملات القوية، تراجعاً حاداً مقابل العملة الأميركية أو الورقة الخضراء، كما يحلو للمضاربين تسميتها في أسواق الصرف. وكان التراجع ملحوظاً في الكرونة النرويجية واليورو والفرنك السويسري.

وأدى ذلك تلقائياً إلى ارتفاع مؤشر بلومبيرغ للدولار الفوري بنسبة 0.9% في بداية يوم التعامل في العام الجديد، مما جعله يتمكن من تحقيق أفضل أداء يومي له منذ منتصف كانون الأول.

لكن هل سيواصل الدولار صعوده؟ وما هي العوامل الرئيسية التي ستؤثر على أدائه في العام الجاري 2023؟

وفق تجار عملات وسماسرة أسواق مال، فإن هناك نحو 4 عوامل رئيسية ستحدد قوة الدولار في العام الجاري 2023. وهذه العوامل هي: السياسة النقدية لمجلس الاحتياط الفيدرالي خلال العام الجاري، وعما إذا كان سيواصل رفع الفائدة المصرفية أم لا، لأن الفائدة عبارة عن آلية تسعيرة لصرف العملات، إضافة إلى الحرب الروسية في أوكرانيا، وتعافي الاقتصاد الصيني من جائحة كورونا، ودور الدولار كعملة احتياط وعملة حاملة للتجارة في أسواق الصرف.

في هذا الشأن، يرى مصرف “جي بي مورغان”، في تحليل، أن البنك المركزي الأميركي سيواصل رفع الفائدة حتى نهاية الربع الأول من العام الجاري، ثم يتوقف.

وفي حال زيادة الفائدة، فإن الدولار بالتأكيد سيواصل صعوده أمام العملات الرئيسية، لأن الطلب عليه سيكون قوياً، وربما تواجه الاقتصادات العالمية أزمة سيولة دولارية وتلجأ إلى فتح حسابات “مبادلة عملات بالدولار” مع بنك الاحتياط الفيدرالي، مثلما حدث إبان أزمة السيولة الدولارية في عام 2020.

 

وفي هذه الحال، سيرتفع الطلب على الدولار عالمياً أمام النقص في التمويلات، وبالتالي سيواصل الدولار ارتفاعه.

في ذات المنحى، يقول البروفسور في جامعة شيكاغو، ديف شابس: “إن بنك الاحتياط الفيدرالي يرى حتى الآن أن التضخم معتدل إلى حد كبير، وطالما أن الاقتصاد الأميركي لم يسقط في دورة الركود التضخمي، أتوقع أن يواصل الاحتياط الفيدرالي رفع أسعار الفائدة خلال جزء كبير من عام 2023”.

من جانبه، يرى خبير أسواق العملات في مصرف “جي بي مورغان”، ميرا شاندان، أن ضعف الاقتصادات العالمية مقارنة بالاقتصاد الأميركي سيكون من أهم العوامل التي ستدعم قوة الدولار، لأن المستثمرين من أنحاء العالم سيتدفقون لشراء الأصول الأميركية بحثاً عن العائد الدولاري.

وحسب بيانات “جي بي مورغان”، فإن العائد على الدولار مرتفع حالياً مقارنة بمتوسط العوائد على العملات بنسبة 56%، كما أن الدول والشركات في الأسواق الناشئة تحتاج الدولارات لتلبية التزامات خدمة الديون التي أخذت بالعملة الأميركية، أو ما يطلق عليه “يورو بوندز”. ويتوقع الخبير شاندان أن الدولار ربما يرتفع بنسبة 2% خلال العام الجاري.

أما العامل الثاني الذي سيدعم الدولار فهو الدور الذي يلعبه الدولار في احتياطات البنوك المركزية، إذ أنه صاحب نصيب الأسد في احتياطات البنوك المركزية بالعملات الصعبة. ووفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي، ارتفعت حصة الدولار من إجمالي احتياطات البنوك المركزية إلى 6.63 تريليونات دولار، أو نسبة 61.94%، في نهاية الربع الثالث من العام الماضي 2022.

والعامل الثالث، فهو الدور الذي يلعبه الدولار كعملة “ملاذ آمن” في أوقات الحروب والأزمات المالية والاضطرابات السياسية. ويقول البروفسور ديف شابس، في هذا الصدد: “لا يزال المستثمرون من أنحاء العالم ينظرون إلى الدولار كملاذ آمن ضد خسائر النكبات والأزمات، وقد هرع المستثمرون إلى حماية أموالهم من الخسائر بشراء الأصول الدولارية حينما اندلعت الحرب الروسية في أوكرانيا”.

 

وبما أنه لا تلوح بوادر لنهاية الحرب حتى الآن، فمن المتوقع أن يتواصل دور الدولار كملجأ لأموال كبار المستثمرين خلال العام الجاري. ويذكر أن غزو روسيا لأوكرانيا هدد الاقتصادات الأوروبية ورفع من أسعار الطاقة ودفع عملة اليورو للتراجع إلى دولار واحد، وهو ما دفع المستثمرين إلى بيع الأصول المقومة باليورو وشراء الأصول الأميركية.

 

أما العامل الرابع الذي يحدد اتجاه الدولار في العام الجديد، فهو مستقبل تعافي الاقتصاد الصيني، إذ تلعب الصين دوراً رئيسياً في جذب الاستثمارات الآسيوية والأميركية، خاصة سوق السندات الحكومية.

ويراقب المضاربون على سوق الصرف مدى نجاح السياسات الصينية في السيطرة على جائحة كورونا، بعد التخلي عن القيود الصارمة التي أدت إلى إغلاق العديد من النشاطات التجارية والصناعية في البلاد.

بالنسبة للدولار، فإن نجاح بكين في الحد من انتشار جائحة كورونا مع الاستمرار في فتح الاقتصاد الصيني، فإن ذلك سيكون من العوامل التي ستضر بقوة سعر صرف الدولار وربما تدفعه إلى التراجع بمعدل كبير، خاصة إذا نشطت بورصة شنغهاي للسلع في صفقات تسعير السلع باليوان. ويتوقع محللون أن نمو الاقتصاد الصيني سيعني عودة المستثمرين والبنوك الغربية لشراء سندات الحكومة الصينية المقومة باليوان.
ad

وشهدت الصين، خلال العام الجاري بسبب جائحة كورونا وإغلاقات النشاط الاقتصادي، هروباً للأموال من أسواق السندات والأسهم إلى الخارج، حيث دفع تدهور النمو الاقتصادي وارتفاع سعر الفائدة المرتفع في أميركا والاقتصادات الرأسمالية، أصحاب الثروات، إلى البحث عن عوائد أفضل خارج السوق الصيني.

ووفقًا لبيانات الإيداع المركزي والمقاصة الصينية التي كشفت عنها “نشرة نيكاى المالية اليابانية”، تراجعت حيازات المستثمرين الأجانب من السندات الصينية للشهر السابع على التوالي، حتى آب في العام الماضي 2022، حيث انخفضت بإجمالي بلغ 594 مليار يوان (83 مليار دولار) إلى 3.48 تريليونات يوان.

كذلك، شهدت بورصات بكين وشنغهاي وشينزن، بورصات البر الصيني، في أيلول الماضي، نزيفاً من التدفقات الصافية إلى هونغ كونغ. (العربي الجديد)