هكذا أطاح الرئيس برّي باللواء إبراهيم

طُويت صفحة اللواء عباس ابراهيم بعد 12 عاماً قضاها في إدارة الأمن العام، حقّق خلالها إنجازات عدة وبعض الإخفاقات التي لا بدّ منها. ولعلّ أبرز ما قيل بحقّ ابراهيم، جاء على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حين قال “ستكون للواء ابراهيم أدوار وطنية في المستقبل”.

ما نطق به ميقاتي خلال مقابلة على قناة “الجديد” قبل أسبوع، كان الإشارة الأولى بأن التمديد لإبراهيم لن يحصل رغم كل المساعي التي بُذلت والمخارج التي وضعت، إلاّ أن رياح الرئيس نبيه برّي جرت كما لا تشتهي سفن عباس ابراهيم.


أول الراغبين بعدم التمديد للواء ابراهيم، كان الرئيس نبيه برّي. الأخير استطاع بحنكته محاصرة التمديد وتحويله إلى تجميد. عرقل برّي مسيرة التمديد أولاً بتعطيل عقد جلسة تشريعية أحد بنودها التمديد للأمنيين، ونجح في وضع إسم المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، على لائحة المُمدَّد لهم، كي يحرج رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، ودفعه نحو مقاطعة الجلسة، وبالتالي إفشال عقدها.

حوّل برّي ملف التمديد إلى حليفه ميقاتي، الذي لا ينقصه من الحنكة ما يكفي لجعل التمديد بحاجة لقانون غير متوفر، وأن مجلس الوزراء ليس بإمكانه القفز فوق القانون لتنتهي مسيرة عباس ابراهيم الأمنية، بانتظار ما ستحمله قادم السنوات.

لكن، هل فعلاً كان اللواء ابراهيم رجل أمن فقط، وهل لو كان أمنياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى للقي المصير نفسه؟ طبعاً لا، عباس ابراهيم لم يكن مديراً للأمن العام فحسب، بل رجلاً سياسياً ممارساً السياسة كما لو أنه نائب أو وزير، ولهذا السبب لم يُمدَّد له. ومن يطلع على مسار تشكيل الحكومة الأخيرة التي لم تتشكّل، يعلم أن برّي رفض تولّي عباس ابراهيم وزارة العمل بدلاً من مصطفى بيرم. ومن هنا، كانت الشرارة الأولى.

يعتبر عباس ابراهيم الرجل المؤسّساتي للطائفة الشيعية، وهو القادر على الجلوس مع جميع القوى السياسية ممثلاً “حزب الله” الذي لا يجلس على الطاولة مع معظم القوى السياسية. كما أن ابراهيم يلعب أدواراً وسطية، يدخل في وساطات، ينسج تسويات ووصل صيته من دمشق إلى واشنطن مروراً بدول الخليج.

يصحّ القول، أن إبراهيم هو الصورة الشيعية التي يريد “حزب الله” تعميمها والإستفادة منها في الداخل والخارج، كما أنه المرشّح فوق العادة لخلافة رئيس مجلس النواب نبيه برّي في رئاسة المجلس، ناهيك عن أن اللواء ابراهيم هو الرجل الشيعي الأول على مستوى الدولة اللبنانية، بعد برّي طبعاً.

أراد الحزب وسعى من أجل التمديد لعباس ابراهيم، والأسباب الكثيرة التي دفعت الحزب نحو التمسّك بابراهيم هي نفسها التي دفعت برّي نحو تطيير التمديد. بكل بساطة، إصطدم اللواء ابراهيم برغبة الرئيس برّي البقاء وحيداً على عرش السياسة الشيعية دون شريك.

وللتذكير، فإن برّي يملك كل مفاتيح السياسة الشيعية موكلاً من قبل “حزب الله” وبرضاه، وعبره تنجز الإستحقاقات الرئاسية من بعبدا إلى السراي، ومن خلاله تنجز التعيينات وتعقد التسويات، وهو الشيعي الذي اشتهر بتدوير الزوايا وعقد طاولات الحوار وإتمام المصالحات حتى بين الدروز نفسهم.

ولمن يسأل عن موقف الحزب من عدم التمديد للواء ابراهيم، عليه مراجعة ما حلّ ب”تفاهم مار مخايل” بين الحليفين اللدودين. فمن ضحى بميشال عون وجبران باسيل وبالغطاء المسيحي كرمى عيون برّي الخضراء، لن يصعب عليه العضّ على جرح عدم التمديد لعباس ابراهيم.