ذكر تقرير مطول نشرته شبكة “سي أن أن”، الاثنين، أن الاتفاق السعودي الإيراني قد ينعكس على دول بالمنطقة ومنها العراق وإسرائيل ولبنان واليمن.
وأعلنت السعودية وإيران، الجمعة الماضي، الاتفاق على إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينهما منذ عام 2016، وفقا لبيان مشترك صدر عن البلدين.
وقال البيان المشترك الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية السعودية “واس” إنه وبعد محادثات في الصين “تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل السعودية وإيران إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثليتاهما خلال مدة أقصاها شهران”.
وأضاف أن “الاتفاق جاء استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ وبدعم من الصين لتطوير علاقات حسن الجوار”، بالإضافة إلى تأكيد البلدين “على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
وتقول سي أن أن إنه قبل إعادة السفراء إلى مناصبهم، من المرجح أن تناقش الدولتان سبل إنهاء نحو سبع سنوات من العداء، وهي مهمة كبيرة بالنظر إلى الآثار المترتبة على ذلك.
وتحدث المصالحة فيما تجد إيران نفسها معزولة بشكل متزايد على المسرح العالمي وتغير السعودية مسار سياستها الخارجية لصالح الدبلوماسية بدلا عن المواجهة. ومع التركيز على التنمية الاقتصادية، تحركت السعودية وجارتها الإمارات في السنوات الأخيرة لإصلاح العلاقات مع معظم خصومهم الإقليميين.
وتراجعت الرياض عن السياسة الخارجية المتشددة التي تبنتها عندما دخل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى المشهد بعد أن تولى والده الملك سلمان العرش في عام 2015. وقد تصالحت مع تركيا، وانخرطت مجددا مع سوريا، ودعمت وقف إطلاق النار في اليمن.
وقطعت السعودية العلاقات مع إيران، في عام 2016، بعد اقتحام سفارتها في طهران في أثناء خلاف بين البلدين بشأن إعدام الرياض رجل دين شيعي، كما أنها جاءت بعد عام على بدء العمليات العسكرية من “التحالف العربي بقيادة السعودية” ضد الحوثيين في اليمن.
وكان لـ”الحرب الباردة” الإيرانية السعودية تأثير على كل صراع في المنطقة تقريبا، لذلك يمكن أن يكون لحلها تداعيات قوية على هذه الصراعات وفقا لسي أن أن.
اليمن من أكثر الدول تضررا من خلاف الرياض وطهران. دعم البلدان الفصائل المختلفة في الحرب الأهلية اليمنية عام 2014، وفي عام 2015، تدخل تحالف تقوده السعودية لمحاربة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران الذين اجتاحوا أجزاء واسعة من البلاد.
وقال فراس مقصد، الزميل الأول في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة والأستاذ المساعد بجامعة جورج واشنطن، لسي أن أن إن “حرب اليمن كانت على الأرجح الأولوية على جدول أعمال البلدين”.
وشهدت البلاد هدوءا نسبيا في أعقاب هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل الماضي، وانتهت تلك الهدنة في أكتوبر، لكن يبدو أنها صامدة على أي حال، وانخرطت السعودية في محادثات مباشرة مع الحوثيين.
وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، في بيان السبت، أن المصالحة “ستسرع وقف إطلاق النار وتساعد في بدء حوار وطني وتشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن”.
وقال حسين إيبش، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن العاصمة، لشبكة سي أن أن إن إيران قد تستخدم نفوذها ضد الحوثيين للدفع باتجاه حل للحرب.
وأضاف: “من المحتمل جدا أن تلتزم طهران بالضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعدادا لإنهاء الصراع في ذلك البلد ، لكننا لا نعرف حتى الآن ما هي التفاهمات التي تم التوصل إليها خلف الكواليس”.
وأودى الصراع مذاك بعشرات آلاف اليمنيين وتسبب بأزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم مع نزوح ملايين الأشخاص، بحسب تقرير سابق لوكالة فرانس برس.
وفي تقرير سابق لموقع “الحرة”، قال المحلل السياسي السعودي، عبد الله الرفاعي، إن هذا “التقارب السعودي-الإيراني قد يؤثر على جميع الملفات، التي تشكل بؤر توتر في العلاقات”.
وأضاف أن من أهم هذه الملفات التي سيطالها التأثير “الملف اليمني”.
وقال مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني السعودي، “إننا نثمن ما توصلنا إليه، ليحدونا الأمل أن نستمر في مواصلة الحوار البناء، وفقا للمرتكزات والأسس التي تضمنها الاتفاق، معربين عن تثميننا وتقديرنا لمواصلة جمهورية الصين الشعبية دورها الإيجابي في هذا الصدد”.
وتعد السعودية وإيران أبرز قوتين إقليميتين في المنطقة، ولكنهما على طرفي نقيض في العديد من الملفات، إذ تبدي الرياض قلقها من نفوذ طهران الإقليمي وتتهمها بـ”التدخل” في دول عربية مثل سوريا والعراق ولبنان، ناهيك عن المخاوف من برنامجها النووي وقدراتها الصاروخية.
وقد ذكر البيان المشترك أن البلدين اتفقا في المحادثات، التي أجريت بين 6 و10 آذار، على “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية”.
يعاني لبنان من أزمة مالية خانقة. فقد انسحبت السعودية، الحليف العربي الأقرب لها في السابق، منها إلى حد كبير في أعقاب خلاف دام سنوات بسبب نفوذ حزب الله المدعوم من إيران في البلاد.
ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها في عام 2021، عندما سحبت السعودية وبعض حلفائها العرب في الخليج سفراءهم من بيروت في أعقاب انتقادات سابقة لوزير الإعلام جورج قرداحي آنذاك لحرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.
وعاد المبعوثون في وقت لاحق، لكن العلاقات السعودية اللبنانية لا تزال فاترة.
وأشاد حزب الله ورئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بالصفقة السعودية الإيرانية ووصفها ميقاتي بأنها “فرصة للتنفس في المنطقة والتطلع إلى المستقبل”.
لكن محللين يقولون لسي أن أن إن هذا لا يعني أن علاقات لبنان مع الرياض ستتحسن تلقائيا.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، الجمعة، إن لبنان بحاجة إلى “تقارب لبناني” لتحسين الوضع في لبنان، وليس “التقارب السعودي الإيراني”.
وقال فراس مقصد: “لبنان ليس على رأس أولويات صناع القرار في الرياض”.
وأوضح لسي أن أن “هناك الكثير من الملفات التبعية في الرياض يجب القلق بشأنها قبل معالجة التحديات في لبنان”.
وتابع, “أن لبنان حاليا أكثر أهمية للإيرانيين منه للسعوديين، وأنه ما لم يتغير ذلك، فإن حزب الله “في شكله الحالي” من المرجح أن يظل “اللاعب المهيمن في لبنان”.
وألقى الخلاف السعودي الإيراني بثقله على لبنان الواقع تحت سيطرة النفوذ الإقليمي للبلدين، تُرجم ذلك من خلال الانقسام الحاد بين الفرقاء السياسيين، وما نتج عنه من تعطيل كل استحقاق رئيسي، وصولا إلى انزلاق البلد نحو الانهيار الكبير على مختلف الأصعدة منذ العام 2019، لاسيما بعد رفع المملكة مظلتها عنه، والتوقف عن مساعدته نتيجة مواقف حزب الله المناهضة لها.
وما أن أعلن انتهاء مرحلة الخلاف بين السعودية وإيران، حتى عبر محللون سياسيون لبنانيون عن تفاؤلهم بأن يساهم هذا التقارب في لجم الانهيار الاقتصادي، بدءا من وضع حد للفراغ الرئاسي وتشكيل حكومة.
لكن في المقابل يرى آخرون أن ملف بلدهم لم يعد ضمن اهتمامات الدول الإقليمية والدولية، وبالتالي أصبح بعيدا عن أي طاولة مفاوضات. وبين المتفائلين والمتشائمين هناك من يفضّل الترقب تاركا للأيام كشف انعكاسات هذه الانعطافة التاريخية المهمة.
وشقّت المصالحة طريقها إلى الجدل السياسي الداخلي الإسرائيلي، وفقا لسي أن أن.
وقبل ساعات من الإعلان عن الصفقة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في إيطاليا، يمجد أحد أهدافه الرئيسية: التطبيع مع السعودية.
بالنسبة لإسرائيل، يُنظر إلى السلام مع السعودية على أنه ذروة اتفاقيات التطبيع, على الرغم من استمرار العلاقات من وراء الكواليس لسنوات، فإن السلام الشامل سيكون إنجازا كبيرا، وأحد العناصر الرئيسية في تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران.
ثم ساد الواقع في وقت لاحق، الجمعة، وهو أن عدو إسرائيل القديم والأخير (إيران)، وصديق نتانياهو المقبل المفضل (السعودية)، كانا يتصالحان.
وبدأت لعبة اللوم في المؤسسة السياسية الإسرائيلية، وفقا لسي أن أن.
ونقلت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن “مصدر سياسي رفيع في روما” لم تحدد هويته إلقاء اللوم على الحكومة السابقة بقيادة نفتالي بينيت ويائير لابيد في المصالحة.
في المقابل، قال رئيسا الوزراء السابقين لبيد وبينيت إن نتانياهو يهمل الوضع في الشرق الأوسط، ويركز بدلا عن ذلك على جهود حكومته لسن إصلاح قضائي مثير للجدل.
وقال لبيد إن إلقاء اللوم عليه في تدهور العلاقة مع السعودية كان “وهميا”، وإنه أثناء وجوده وبينيت في السلطة، وقعت الرياض اتفاقية طيران مع إسرائيل، وتم ترتيب رحلات جوية مباشرة للحج واتفاق أمني متعلق بجزر في البحر الأحمر.
وأضاف, “توقف كل هذا عندما تم تشكيل الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ البلاد هنا وأصبح من الواضح للسعوديين أن نتانياهو كان ضعيفا وأن الأميركيين توقفوا عن الاستماع إليه”.
وتابع, “دول العالم والمنطقة تراقب إسرائيل في صراع مع حكومة مختلة تعمل في التدمير الذاتي المنهجي”.
ولم يشر نتانياهو إلى الاتفاق في تصريحات قبل الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الإسرائيلي، الأحد، وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إنه ليس لديها تعليق عليه.
وتعمقت حالة الاستقطاب السياسي الداخلي في إسرائيل على وقع صدور البيان الثلاثي المشترك الذي أعلن فيه عن استئناف العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية.
وتخوض إيران حرب ظل مع إسرائيل منذ سنوات، إذ تتهم طهران، إسرائيل بالوقوف وراء سلسلة من الهجمات التخريبية والاغتيالات التي استهدفت برنامجها النووي.
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، في تقرير سابق لموقع “الحرة” إن ما حدث من استقطاب سياسي حاد “يدل على عمق الأزمة الداخلية التي تعيشها البلاد”.
وسارع العراق، الذي استضاف عدة جولات من المحادثات بين إيران والسعودية، إلى الترحيب بالمصالحة. ويقول محللون إن من مصلحة بغداد أن تستمر المصالحة لأن البلاد أصبحت ساحة للتنافس الإيراني السعودي منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003.
وقال إحسان الشمري، أستاذ السياسة في جامعة بغداد ورئيس المركز العراقي للفكر السياسي، لسي أن أن “لقد استخدمت إيران العراق لزيادة الضغط على السعودية في جميع المجالات، بما في ذلك الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية على وجه التحديد”.
وأضاف, أن العراق قد فاته تحسين العلاقات مع السعودية والاستثمارات الكبيرة المحتملة في البلاد بسبب النفوذ الإيراني الكبير.
ولطالما كان للأحزاب المتحالفة مع إيران نفوذ في السياسة العراقية وتسببت في بعض الأحيان في مأزق سياسي بلغ ذروته في أعمال عنف، وفقا لسي أن أن.
وقال الشمري: “إن السعودية تريد من إيران كبح جماح بعض حلفائها في العراق، لا سيما الجماعات المسلحة شبه العسكرية التي تعتبرها تهديدا أمنيا”.
وتابع, “أن هذا قد يكون مجرد حلم لأن إيران ترى العراق كدولة تابعة وأن حلفاءها في البرلمان سيرغبون في الحفاظ على مصالحهم وتحالفهم مع طهران”.
ولم ترد وزارة الخارجية الإيرانية على طلب سي أن أن للتعليق.
ويتفق مراقبون على أن الاتفاق المفاجئ بين السعودية وإيران على استعادة العلاقات الدبلوماسية سينعكس إيجابيا على الوضع في العراق في ظل الصراع الدائم على النفوذ في هذا البلد بين القوتين الأبرز في المنطقة.
وأُعلنت الصفقة بعد محادثات استمرت أربعة أيام في بكين ولم يكشف عنها في حينها بين البلدين الخصمين، بعد قطيعة استمرت أكثر من سبع سنوات.
ولعب العراق دورا بارزا في التوصل للاتفاق بعد أن استضافت بغداد عدة جولات للحوار بين البلدين خلال السنتين الماضيتين.
وبدأت جلسات الحوار بين البلدين في نيسان 2021 بتسهيل من رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي الذي تربطه علاقات جيدة بالجانبين.