…….
المهندسة اليمنيّة اليهوديّة نجاة النهاري تروي قصّة حدثت لها مع جارها القاضي، فقالت:
القاضي الأكْوع عَلَّمني حسنة الصَدَقَة بعدما أضحَكَتْهُ سذاجتي، وأبْكاهُ رَحِيلي.
كتبت المهندسة والكاتبة اليهوديّة اليمنيّة نجاة النهاري عن قصّة حدثت لها في اليمن “وطنها الأصلي” أيّام الطفولة مع جارها القاضي المُسْلِم تقول:
كُنتُ بعمرٍ أقلّ من 7 سنوات أقف قرب رجل في حارتنا يُدْعَى القاضي “مُحمّد الأكْوع”، حينما طلبتْ منه إمرأةٌ عجوز صَدَقَة، وبالصُّدْفَة وقعت عيناه عليَّ وأنا أُمْسِكُ بقطعةٍ نقديةٍ من فئة أل – 5 – ريالات وأعبث بها بين شَفَتَيَّ، فقال لي: هاتي أل 5 ريالات للعجوز، وإنَّ القاضي كان رجلاً مرحاً جدًا يُحِب ملاطفة الأطفال.
إبتسمتُ وقلتُ له: ليس معي غيرها.
فقال لي: لوْ تصدّقتِ بها لفقير فإنّ الله سيعيدُها إليكِ – 10 – ريالات، أو ربّما 20 ريالًا، وظلّ يُغريني لأدفعها للعجوز ويُحاولُ إقناعي حتّى وجدتُ نفسي أَمُدُّ يدي بال – 5 – ريالات وأضعها بيد العجوز.
لكنّه ظلّ يُركز نظره إلى وجهي ليقرأ مشاعري بعد أن خسرتُ أل- 5 – ريالات، وكِدْتُ أن أبكي، لأن أبي لم يكن يعطيني – 5 – ريالات إلاَّ مرّةً أو مرّتينِ بالأسبوع.
حينها ضحِكَ القاضي وأخْرجَ من جيبه ورقة نقديّة فئة (20) ريالاً وقال لي: خُذيها، ألم أقل لكِ بأن الله يُرجع إلينا الصَّدَقَة مُضَاعفة بعدما نُنْفِقُها على الفقير؟
تردَّدت في أخذِها، لأن أل – 20 – ريالاً مبلغٌ كبيرٌ؛ لم أكن أملكه إلاّ في عيد المسلمين فقط، لكنّه وضعها في يدي وهو مبتسم في وجهى، فَطِرتُ بها إلى البيت، وفرحي بها لا يوصف.
بعد أسبوعين تقريباً دخل حارتنا رجلٌ فقير، وكان معي – 5 – ريالات فتذكّرتُ كلامَ القاضي محمد الأكْوع وهرعتُ نحوَ الفقير وتصدّقتُ بها، وبعدها بقيتُ أغلي من داخلي نتيجة إنتظاري لكي يُعيد الله لي أل – 5 – ريالات، 20 ريالاً، كما فعل سابقًا، وعندما حَلَّ أذان المغرب كنت أدعو الله أن يُعيدها لي – 5 – ريالات فقط من دونِ زيادة، وانتظرت ليلة لكن من دُونَ جدوى، فشعرتُ وقتها أنّيِ قد خُدِعت.
وفي اليوْم التالي، وأثناء عوْدتي من المدرسة ظُهْراً لمحتُ شيئاً وكأنَّها نُقودًا على الأرض، فانحنيتُ وإذْ بها ورقتين من فئة أل – 20 – ريالاً!!!.
فَفَرِحتُ جدًا وقُلت في نفسي: إنّ الله قد أعاد إليَّ الصَّدَقَة مُضاعَفَة، لكنّني إكتفيْتُ بأخذ ورقة واحدة، وتركت ورقة أل- 20 – ريالًا الأُخْرى على الأرض وهرولتُ إلى البيت.
وفى عَصْرِ نفس اليوم رأيتُ القاضي “محمّد الأكْوع” عائداً من المسْجد فقطعتُ طريقهُ وسردّتُ له ماحدث معي بالتفصيل وهو يُصْغيِ مُبتسماً، ثمّ سألني لِماذا تركتِ ورقة أل 20 ريالًا الأُخرى؟ فقلتُ لهُ: إنني عرفتُ بأنَّ اللهَ أرسلَ إليَّ – 20 – ريالًا فقط ، والأُخْرى ينبغي أن تكون لبنت ثانية أخرى في الحارة قد تَصَدَّقَتْ هي مثلي، فتركتُها لها!!!.
فانفَجَرَ القاضي ضاحكاً من طريقةِ تفكيري، وأخبر الناسَ بما فعلتُ، فضحِكوا أيضا بصوت عالٍ، وظلّ القاضي كلما رآني ينفجرُ ضاحكاً، وبينَ الحينِ والآخر يُعطيني – 5 – أو – 10 – ريالات ويقولُ لي إنّ الله يُحِبُّني ويُرسلُ لي معهُ نقودًا، ومُنذُ ذلك اليوم تَعوّدتُ أنْ أُعْطي الفُقراء أيَّ شيءٍ مما عِندي.
وفي يوم مُغادرتٍنا صنْعاءَ ( نحن اليهود) للهجرةِ إلى فلسطين كانت زوجتهُ وبناتهُ يبكين لأجْلِنَا، ولأوّلِ مرةٍ في حياتي رأيتُ دُموعًا في عَيْنَيْ القاضي الأكْوع الذي لم تكن تفارقه أبدًا الإبتسامة.
لمْ أكُن وقْتها أعرفُ قيمةَ ذلِكَ الموْقِف، لكنني بعدَ أنْ بلغتُ الرُشْدَ أصْبحتُ أتذكّر تفاصيلَ كل شيء، وأتألمُ كثيراً على خسارة شعب طيّب يحبُ اللهَ، ويُحِبّهُ اللهُ.