(لِمُناسَبَةِ عِيدِ البِشارَةِ في 25 آذار)
عَبِقَ النِّسرِينُ، وانداحَ الخُزامَى، وعَلا الأَرضَ أَقاحٌ يَتَنامَى
وتَلالَت سُحُبٌ أَلقَت على وَجنَةِ الفَجرِ، مِنَ السِّحرِ، لِثاما
وزَهَت، لِحْفَ السُّفُوحِ الفِيْحِ، في مَيعَةِ الفَجرِ، مُرُوجٌ تَتَرامَى
وتَناغَت بَينَها الغُدرانُ في نَغَماتٍ تَملَأُ الأَرضَ سَلاما
قُلتُ: رَبِّ، هَل سِوَى جُودِكَ مِن فَيضِكَ الغامِرِ مَن أَغنَى الأَناما؟!
مَن لَنا إِلاَّكَ إِن عاثَ المَلا، بِهَناءِ القَومِ، ظُلمًا وانتِقاما؟!
رَبِّ! يا مَن جِئتَ مِن أَطهَرِ مَن بَرَأَت يُمناكَ بِرًّا، وهُياما
شِئتَ أَن تَأتِي إِلَينا مُنقِذًا، فَحَلَلتَ الرَّحِمَ الأَعلَى مَقاما
جِئتَنا في زَوْرَةٍ تَمحُو بِها وِزرَنَا المُضنِي، وتَجتَثُّ السَّقاما
وارتَضَيتَ العَيشَ في حِضْنِ الَّتِي أَرِجَت حُبًّا، وعِزًّا، واحتِشاما
مَن إِذا مَرَّت يَمُرُّ العِطرُ فِي إِثْرِها، والأَرضُ تَفتَرُّ ابتِساما
مَريَمٌ… ثُمَّ يَضُوعُ المِسْكُ مِن أَحرُفٍ تَكشَحُ مِ الخَلقِ الظَّلاما
«إِفرَحِي يا ابنَةَ صِهْيُونَ»(1) فَقَد شاءَكِ البارِئُ بِالرَّحمَةِ جاما(2)
فِيهِ رُوحُ اللهِ قَد حَلَّ، وَمُذْ حَلِّهِ باتَ لِدُنيانا القِواما
«فَاصطَفاكِ مِن نِساءِ الأَرضِ»(3) في غَرَضٍ جَلَّ، وبِالحُبِّ تَسامَى
فَحَمَلتِ الطِّفلَ أَنقَى مِن سَنا ـــــــــــــ الصُّبحِ يَنسابُ على مَرْجٍ خُزامَى
ما عَرَفتِ دَنَسًا، أَو ذِلَّةً، أَو جُنُوحًا، أَو وِصالًا، أَو غَراما
خَسِئُوا مَن عَيَّرُوكِ بِالزِّنا، وتَداعَى مَن رَمَى نَحوَكِ ذاما(4)
ثُمَّ عُدتِ، يا إِناءَ القُدْسِ(5) في عُصُرٍ تَتْرَى، فَهَل نَبقَى نِياما؟
أَفَلَيسَت «لُورْدُ»، «فاطِمَةٌ»، كَما هذه «الوَردِيَّةُ» الأُخرَى، كِماما
تَهَبُ الإِيمانَ لِلرُّوحِ فَما رَهِبَت بَعدُ فَناءً أَو حِماما؟!
وَسَلِ الأَقرَبَ «صُوفانِيَّةً»، عَطَّرَت، مِن طُهرِها الفَوَّاحِ، شاما(6)
كُلُّها لِلمُؤمِنِ القانِتِ مِن نِعَمِ اللهِ، ولو بَعضٌ تَعامَى
فَإِلاما نُنكِرُ النُّورَ، وقد جاءَ يَحدُونا إِلى الخَيرِ، إِلاما؟!
***
وأَتَى يَومٌ ودانَت خَمرَةُ ـــــــــــــ «العُرسِ في قانا» نُضُوبًا، وخِتاما
وغَدا الضِّيْفانُ أَسرَى أَكؤُسٍ تَجلُبُ النَّشوَةَ ما دامَت سِجاما
قالَتِ العَذراءُ: رَبِّ… لا تَدَع بَهجَةَ العُرسِ مَعَ الأَهلِ، حُطاما
قالَ: لَم يَأْتِ زَمانِي، فَدَعِي غَرَضَ الخالِقِ يَستَوفِي التَّماما
لَم تَكُن ساعَتُهُ قَد أَزِفَت إِنَّما العَذراءُ لا تَخبُو مَراما
أَومَأَت، فَامتَلَأَت أَجرانُهُم صافِيَ الماءِ، وقد ضاقَت فِطاما
وَجَرَت أُعجُوبَةُ الخَمرِ فَإِذْ مُحتَوَى الأَجرانِ قَد باتَ مُداما!
لا مَرَدٌّ لِكَلامٍ مِن فَمٍ طالَما جاذَبَ بارِيهِ الكَلاما!
***
آهِ يا سَيِّدَةَ الحَقِّ لَقَد قَوَّضَ الظُّلمُ بِظَهرَيْنا الدِّعاما
نَحنُ نَحتاجُ إِلى عَينَيكِ كَي نَعبُرَ الوَعْرَ، ونَجتازَ الإِكاما
قد نَذَرنا لا نُرَجِّي مِ الوَرَى طاغِيًا يُرهِبُ، أَو نَخشَى الطَّغاما
بَل سَنَبقَى في حِماكِ، كُلَّما طَغَتِ البَلوَى، تَشَبَّثنا اعتِصاما
لَقَدِ اعتَدنا، ونَبقَى، كُلَّما أَمعَنَ الطُّغيانُ في الحَقِّ ضِراما
نَرفَعُ الأَيدِي إِلى اللهِ ولا نَمتَطِي الظُّلمَ، ولا نَنضُو الحُساما
وإِذا ما سامَنا العَسْفُ ففي هانِئِ الأُلفَةِ نَستَبقِي الوِئاما
نَهَبُ السَّائِلَ كَيْلًا ضِعْفَهُ، وبَشِيرَ الخَيرِ نُقرِيهِ السَّلاما
هكذا قالَ لَنا الفادِي، إِلى قَولِهِ نَركُنُ، لا نَخشَى المَلاما
دِينُنا الحُبُّ، إِليهِ نَغتَدِي لا نَرَى، في رَكبِهِ، إِلَّا الأَماما
نَقرَأُ الإِنجِيلَ، والقُرآنَ، ـــــــــــــ والأَنبِياءَ النُّجْبَ، والرُّسْلَ الكِراما
لِنَرَى لُبنانَ أَعلَى هامَةً، وهُمامَ القَومِ لِلقَومِ سَناما!
***
أُحضُنِي مَوطِنَنا، سَيِّدَتِي، هُوَ، مِن دُونِكِ، ما كَفَّ الخِصاما
فإِذا جافَيتِهِ قد يَنتَهِي يَبَسًا نُكْرًا، وصَخرًا، ورَغاما(8)
لَيسَ إِلَّا كُلَّما هَلَّ، على دارِنا، عِيدُكِ وَشلًا، وغَماما
يَومُهُ الخامِسُ والعِشرُونُ مِن ـــــــــــــ مارِسٍ، يَومٌ لَنا جَلَّ احتِراما،
نَتَغاضَى، فِيهِ، عَمَّا عابَنا، نَلتَقِي زَنْدًا على العَزْمِ، وَهاما
نَرفَعُ البُنيانَ، نَجلُو هِمَمًا، نَبذُرُ الخَيرَ، نُعَلِّيها الرُّكاما
حانَ أَن نَبلُغَ مِ الحِكمَةِ ما بَلَغَ الأَجدادُ، مَن كانُوا عِظاما
فَإِلامَ نَنزِفُ الرُّوحَ فَلا تَثِبُ الفُرسانُ إِذ تَدعُو الأَيامَى(9)؟!
وإِلامَ نُغمِضُ الأَعيُنَ عَن أُمَّةٍ تُمعِنُ في العَيشِ انقِساما
وعَلامَ نَئِدُ الغَلاَّتِ، أَو نُضرِمُ النَّارَ بِمَغنانا، عَلاما؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): «رَنِّمِي وَافرَحِي يَا بِنْتَ صِهْيُونَ فَهَآءَنَذَا آتِي وَأَسكُنُ فِي وَسَطِكِ يَقُولُ الرَّبُّ»
(الكِتَابُ المُقَدَّسُ، نَبُؤَةُ زَكَرِيَّا، الفَصلُ الثَّانِي، الآيَة 10)
(2): الجامُ: إِناءٌ لِلشَّرابِ والطَّعامِ مِن فِضَّةٍ أَوْ نَحوِها، وهي مُؤَنَّثَة
(3): «وَإِذ قالتِ المَلائِكَةُ يا مَريَمُ إِنَّ اللهَ اصطَفاكِ وطَهَّرَكِ واصطَفاكِ على نِساءِ العالمِين»
(القُرآنُ الكَرِيمُ، سُورَةُ آل عُمرَان، الآية 42)
(4): الذَّامُ: العَيْب
(5): القُدْسُ: البَرَكَةُ
(6): فِي إِشَارَةٌ إِلَى أُعجُوبَةِ «سَيِّدَة الصُّوفَانِيَّة» فِي دِمَشق (الشَّام)
(7): الرَّغام: التُّراب
(8): أَيَامَى: ج أَيِّم / أَيِّم: مِنَ النِّساءِ هي مَن لا زَوْجَ لَها ومِنَ الرِّجالِ مَن لا امرَأَةَ لَهُ