تنسيق سوري – سعودي في بيروت؟

فتح الإتفاق السعودي – الإيراني في بكين كوّة في جدار الإقليم. الإختبار الأولي لا بدّ أن يسري على ساحتين: اليمنية والسورية. الأولى تُشكِّل صلب اختبار النوايا بين الجانبين، وسط مساعٍ يبذلها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لإنهاء الملف والتفرّغ للتفاصيل الداخلية السعودية، وعلى رأسها رؤية 2030، فيما الثانية مُقبلة على اتفاق استعادة علاقات دبلوماسية مع الرياض، ما يمهِّد لانفتاحٍ خليجي على سوريا.

ثمن الإنفتاح الخليجي على عاصمة الأموِّيين ما زال مجهولاً. مع ذلك، ثمة من يخفّف من وهج ما يحدث، ويقلّصه إلى مستوى استعادة العلاقات من خلال العودة إلى فتح مكاتب قنصلية بين الجانبين لتسهيل أمور الحجّ. إذاً الحجّ هو العنوان أو الإختبار المبدئي لاستعادة العلاقات، وعلى الطريق ثمة اختبارات أخرى كثيرة، تبدأ من حلّ موضوع إرساليات “الكبتاغون”، وصولاً إلى التفاهم والتشارك على حلّ المسائل العالقة على المستوى اللبناني، وطبيعة الحضور الإيراني والروسي سورياً.

لقد ثبت، كما يقول أكثر من متابع للأحوال السياسية الخليجية، أن غياب التأثير السوري عن الملفات اللبنانية، أوصل الأمور إلى نقطة أصبحت فيها إمكانية الإتفاق لبنانياً شبه منعدمة، لذلك، ثمة من يعتقد أن القيادة السعودية الجديدة التي تركز اهتماماتها على بعض الجوانب السياسية اللبنانية، قد أقرّت بضرورة التعاون مع دمشق في سبيل حلّ الملفات اللبنانية من خلال التأثير على بعض الأفرقاء، في عودةٍ بالزمن إلى الوراء.

أيضاً، هناك قضايا مهمة للسعودية تشكِّل أسباباً للبدء بورشة استعادة علاقتها مع دمشق، تبدأ بالملفات الأمنية. ففي ظلّ الحملة السعودية الحديثة على الوهّابية وأدواتها داخل المملكة، لا بدّ أن تكون الرياض على تعاون وتفاهم مع الدولة السورية التي تنشط على أراضيها أقوى الجماعات الوهّابية – السلفية المسلّحة، والتي تشير تقارير أمنية، إلى احتمال أن توجِّه نشاطها صوب شبه الجزيرة العربية في المستقبل القريب. هناك موضوع المخدرات التي تُرسَل إلى السعودية من سوريا عبر الأردن، والتي تشكل محاربة هذه الآفة، أولوية سعودية.

تبقى القضايا السياسية، فالرياض التي دخلت في حرب باردة مع طهران في ضوء اتفاق “بكين”، تسعى إلى جذب دمشق مجدداً إلى ما يسمى “الحضن العربي”، وبالتالي، تقليص التأثير الإيراني على أراضيها. وهناك اعتقاد سائد في الرياض، من احتمال النجاح في تحقيق اختراقات محدودة تحت عنوان المقايضة، فيما لو تمّ إشراك دمشق في التنسيق وتعاون أوسع في ما له صلة بالملفات اللبنانية، ومنح الخطوات بعداً عربياً تمثله دول الخليج. إذاً ثمة موجبات ضرورية وأساسية لإعادة نسج العلاقة مع دمشق ذات أبعاد سياسية – أمنية واسعة.

على الضفة الأخرى، كانت دمشق قد دشّنت عودته إلى بيروت بطريقة ناعمة. قبل فترة، أي قبيل مغادرة السفير السوري السابق في بيروت علي عبد الكريم علي، جرى تكليفه من قبل الرئيس السوري بشار الأسد، بإدارة “خلية عمل” مهمتها متابعة الملفات اللبنانية والتواصل مع الحلفاء. ويقال إنه انضمّ إلى الخلية لاحقاً كل من اللواء علي مملوك والمستشارة في الرئاسة السورية بثينة شعبان.

ولهذه الخلية امتدادات لبنانية واسعة، ويمثّل حزب “البعث العربي الإشتراكي، أحد الأذرع الفاعلة، بالإضافة إلى قوى وتيارات قومية أخرى. يلاحظ ذلك، من خلال عودة البعث المكثفة إلى العمل السياسي والتعبوي الميداني مؤخراً، لا سيما ضمن المناطق الحدودية الشمالية كمحافظات عكار، كما في عرسال، إذ أصبح لديه وجوداً مؤثراً. وعلى المستوى الرئاسي، ثمة دخول سوري واضح المعالم من خلال التنسيق الدائم مع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي يُقال إنه يتلقى أجواءً شبه دورية من الجانب السوري، وهو يتوخّى أن يتوسّع التنسيق مع السعودي، ما يعود بالفائدة عليه.