(في ذِكرَى أَربَعِين صَدِيقِ العُمرِ كَرِيم بُوكَرِيم، رَئِيسِ اتِّحادِ بَلَدِيَّاتِ الكُورَة)
مَرَّتِ الأَربَعُونَ في الأَذهانِ، صُوَرًا مُرَّةً مِنَ الأَحزانِ
أَصَحِيحٌ رَحَلتَ يا إِلفَ رُوحِي؟! أَصَحِيحٌ لا عَوْدَ مِن هِجْرانِ؟!
كَيفَ بِاللَّهِ قد تَرَكتَ رُبُوعًا، أَنتَ فِيها، في نَبْضِها والجَنانِ؟!
كَيفَ قَوَّضتَ في حِمانَا التَّأَسِي؟! كَيفَ أَخلَيتَنا مِنَ السُّلوانِ؟!
أَينَ عَهْدٌ لَنا، وأَينَ الأَمانِي؟! أَينَ أَيَّامُنا بِذاكَ الزَّمانِ؟!
يا صَدِيقِي رَحَلتَ، لكِن بِقَلبِي أَنتَ باقٍ بِذِكرِكَ الرَّيْحانِي
أُنظُرِ النَّاسَ كَيفَ جاؤُا حَيارَى، بِدُمُوعٍ، وعُقْلَةٍ بِلِسانِ
هي ذِي الكُورَةَ الحَبِيبَةَ ثَكلَى، غابَ عَنها صَفِيُّها المُتَفانِي
كانَ حُرًّا، فِكرًا نَقِيًّا، ويُعطِي بِسَخاءٍ، ودِقَّةِ المِيزانِ
جازَ أَميُونَ، فَالدُّرُوبُ اهتِزازٌ، مِن مُصابِ دَهى، وداءٍ جانِي
هو مِنها جارٌ عَزِيزٌ وإِبنٌ، حاضِرٌ في ضَمِيرِها والكِيانِ
رَفَعَت نَعشَهُ الحَبِيبَ، وماجَت في دُمُوعٍ لِلشِّيبِ والشُّبَّانِ!
***
هل سَتَنساكَ، يا كَرِيمُ، رِحابٌ أَنتَ مِنها في القَلبِ والخَفَقانِ؟!
كَيفَ تَنسَى مَن سَعيُهُ كانَ صِرْفًا مِن نَقاءٍ في قِمَّةِ الإِتقانِ
كَيفَ تَنسَى مَن لا يَضِنُّ بِجِدٍّ، أَو بِبَذْلٍ، أَو صامِتِ الإِحسانِ
كَيفَ تَنسَى مَن حَيثُ يُلقِي رَحاهُ فَغِلالٌ، وَوَفْرَةٌ مِن مَجانِي
كَيفَ تَنسَى مَن كانَ في القَومِ فَذًّا بِالمَآتِي، وكَثرَةِ الخُلَّانِ
لَيسَ تَنسَى، يا صاحِبِي، لَيسَ تَنسَى، ما جَرَى، في العُرُوقِ، نُسْغٌ قانِي!
***
كَيفَ أَنسَى، أَنا، مُرُورَكَ عِندِي قَبلَ يَومَينِ مِن رَحِيلٍ بَرانِي
كُنتَ تَطوِي الأَوجاعَ عَنَّا، ولكِنْ كانَ يَبدُو نَذِيرُها لِلعِيانِ
كُنتَ صُلْبًا، مُجالِدًا، في صِراعٍ، خَصمُكَ الفَظُّ قاتِلٌ سَرَطانِي
عَجِزَ الطِّبُّ فِيهِ حَتَّى تَمادَى شَرُّهُ في قَوامِكَ الرَّيَّانِ
هُنتَ في الشَّوطِ، فَارتَمَيتَ عَزِيزًا، في التَّعالِي، وعِزَّةِ الكِتمانِ
رَبِّ… شَقَّ البَلاءُ، وانطَفَأَ المِصباحُ، ـــــــــــ في لَيلِنا، وغَصَّت أَغانِي
يا كِرِيمُ الكَرِيمُ فَقْدُكَ قاسٍ، قَضَّنا في فَداحَةِ الخُسرانِ
عَجَبًا، يا حَبِيبَنا، كَيفَ قالُوا: كُلُّ خَطْبٍ يَذوِي على النِّسيانِ؟!
وبِنا، في الغِيابِ، يَنمُو بِصَمتٍ أَلَمُ الحُزنِ بَينَ يَومٍ وثانِي
لَيتَ ذاكَ الأَوانَ قَصَّرَ عَنَّا، لَيتَ عَدَّيتَ مِحنَةَ الأَوهانِ
لَيتَ… لكِنْ لا تَنفَعُ الــ «لَيتَ» إِمَّا زَلزَلَ المَوتُ شامِخَ البُنيانِ!
***
يا صَدِيقِي أَذاكِرٌ جَلَساتٍ، تَغتَنِي بِالجِدالِ والأَوزانِ؟!
كُنتَ تَهوَى شِعرِي، وتَحيا القَوافِي، في انخِطافٍ، ونَشوَةِ الفَنَّانِ
كانَ يَحلُو لِقاؤُنا في تَصافٍ، نُترِعُ الكَأسَ بَينَ آنٍ وآنِ
فَكَأَنَّا في جَنَّةٍ مِن نَعِيمٍ، ومُرُوجٍ تَمُورُ بِالبَلَسانِ
في رَفاهٍ مِن عَيشِنا، وتَلَهٍّ، ومُناجاةِ خَمرَةٍ ودِنانِ
غَيرَ أَنَّا نَنسَى هَلاكًا مُقِيمًا، زاحِفًا كَالنُّعاسِ في الأَجفانِ
فَتَرَ البِشْرُ مُذْ رِحِيلِكَ عَنَّا، وجَرَى الغَمُّ، كالِحًا، في الثَّوانِي
آهِ مِنها، تِلكَ اللَّيالِي الغَوالِي، أَدبَرَت، وانتَهَى التَّلاقِي الحانِي!
***
قِرَّ عَينًا، يا صاحِبِي، أَنتَ ماضٍ لِسَلامٍ في حَضرَةِ الدَّيَّانِ
حَيثُ لا يَهدِمُ الشَّقاءُ سُكُونًا، أَو يَجُورُ السَّقامُ في الأَبدانِ
حَيثُ يَأوِي المُخَلَّصُونَ إِلى مَن يَفرُقُ القَمحَ عَن رَدِيءِ الزُّؤَانِ
ولَنا، بَعدَكَ، السُّلُوُّ بِما خَلَّفتَ، أَهلًا ذَخائِرًا مِن حَنانِ
وانتِعاشًا في كُورَةٍ ظَمِئَت ردْحًا إِلَى نَهضَةٍ على عُمرانِ
وعَبِيرًا في الذِّكْرِ يَبقَى شَذِيًّا، وحَنِينًا في القَلبِ والوِجدانِ!