نشرت صحيفة “لوموند” الفرنسية تقريرًا تحدّثت فيه عن لبنان الذي يستعدّ لانتخاب صديق مقرّب لبشار الأسد لرئاسة الجمهورية، والذي كان جدّه قد شرّع في سنة 1976 “الاحتلال السوري” لجزء من البلاد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إنّ كليهما يُدعى سليمان فرنجية، وفقًا لعرف عربي يُطلق على الأحفاد اسم جدهم، ولكنه يعكس أيضا النظام الإقطاعي الراسخ.
وعلى هذا النحو أطلق بشار الأسد أيضًا على ابنه الأكبر اسم حافظ، تكريمًا لحافظ الأسد، مؤسس هذه السلالة الديكتاتورية، والذي كان حاكمًا مطلقًا لسوريا من سنة 1970 إلى سنة 2000، وقد منح البلاد لابنه الذي يُعدّ الآن “حافظ الأسد” الجديد لخلافته.
وأوردت الصحيفة أنّه في شمال لبنان، المجاورة لسوريا، تولّى سليمان فرنجية الجدّ في سنة 1960 قيادة معقل عائلته في زغرتا، والتي أصبح نائبًا لها، وأُعيد انتخابه مرتين، قبل أن يصبح رئيسا للجمهورية في سنة 1970.
وبصفته رئيسا للجمهورية، دعا في سنة 1976 قوات حافظ الأسد رسميا إلى التدخل في لبنان لمواجهة هجوم اليسار اللبناني المتحالف مع الفدائيين الفلسطينيين، وبعد زوال هذا الخطر واصل الجيش السوري احتلال جزء كبير من لبنان لما يقارب 30 سنة. واليوم يتنافس سليمان فرنجية الحفيد، الذي تجمعه علاقة وثيقة مع بشار الأسد بقدر ما كان جده مقربًا من حافظ الأسد، على رئاسة الجمهورية، وهي انتخابات قد تشير إلى عودة لبنان تحت سيطرة عائلة الأسد.
وأبرزت الصحيفة أنه منذ سنة 2014، تصور الصحفي اللبناني سمير قصير، وهو شخصية محترمة في الصحافة اللبنانية، الرابط الذي لا يمكن فكه بين استقلال لبنان والديمقراطية في سوريا. بدا له أنه من غير المعقول الادعاء بضمان سيادة “بلاد الأرز” طالما هناك طاغية يمسك دمشق بقبضة من حديد. علاوة على ذلك، من أجل سحق البديل التقدمي في لبنان، تدخل الرئيس حافظ الأسد هناك في سنة 1976 بناء على طلب الرئيس سليمان فرنجية.
وكان الوجود السوري مصحوبًا بنهب منهجي للبنان، مع إنشاء شبكات إجرامية قوية عبر الحدود، بما في ذلك تهريب المخدرات. لكن طاغية دمشق عزز قبل كل شيء إدارة طائفية للسياسة اللبنانية، وضيق الخناق على كل محاولات ظهور مفهوم حقيقي للمواطنة. وأصبح “حزب الله” الشيعي الموالي لإيران، والذي تأسس سنة 1982 بموافقة حافظ الأسد، الأداة الرئيسية له للسيطرة على لبنان، باسم مجتمع “المقاومة” ضد إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن بشار الأسد، الذي تم تنصيبه على عرش العائلة في سنة 2000، لم يغير شيئًا في تلك العلاقة المتقاربة بين الاستبداد السوري والخضوع اللبناني. حتى أنه دعا في شباط 2005 إلى اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، الذي قرر أخيرا، بعد سنوات من التراخي، الوقوف في وجه دمشق.
كان سليمان فرنجية، الملقب “بسليمي”، تمييزًا له عن جده، وزيرا للداخلية في ذلك الوقت. وقدم دعمه المسيحي للتحالفات الشيعية السورية، مثل حزب الله ونبيه بري، رئيس مجلس النواب منذ سنة 1992.
وأثار اغتيال رفيق الحريري موجة من الاحتجاجات التي، تحت اسم “ثورة الأرز”، نجحت في سحب القوات السورية من لبنان. ومع ذلك، فإن الاحتفال “بتحرير” البلاد لم يدم إلا لفترة قصيرة، ففي حزيران 2005، لقي سمير قصير مصرعه في انفجار سيارة مفخخة، وهي جريمة قتل أعقبتها سلسلة اغتيالات لصحفيين ونواب ونشطاء، كلهم يشتركون في معارضتهم للوصاية السورية.
وأوضحت الصحيفة أن بشار الأسد، الغاضب من طرده من لبنان، مصمم بالفعل على الانتقام الدموي لهذا الإذلال، فبعدما استعاد الوطنيون اللبنانيون، الذين خضعوا لشكل جديد من السيطرة من دمشق، الأمل في سنة 2011، عندما بدأت انتفاضة ثورية، سلمية في البداية، في سوريا. لكن حزب الله يدرك تماما القضايا العابرة للحدود التي تنطوي عليها الاحتجاجات السورية، ولهذا السبب يقف بجانب نظام الأسد دون تحفظ.
بالإضافة إلى ذلك، تساهم “الجماعة الشيعية” بشكل حاسم ليس فقط في القمع الوحشي الذي تنفذه الديكتاتورية السورية، ولكن أيضا في التأزم الطائفي الناشئ عن ذلك. ويؤدي هذا التأزم إلى تعميق الهوة بين السنة والشيعة في لبنان نفسه، بينما تنقسم الشخصيات المسيحية هناك حول الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه دمشق.
وبينت الصحيفة أن الدعم غير المشروط الذي يقدمه “سليمي” فرنجية لبشار الأسد هو الأكثر أهمية. وتستمر هذه المحاذاة على الرغم من هزات الاحتجاج الشعبي على النظام الطائفي في تشرين الأول 2019، ثم الانفجار الذي عصف بميناء بيروت في شهر آب 2020. يضاف إلى ذلك الإفلاس المالي، المدمر للطبقة الوسطى، المصحوب بشلل المؤسسات الذي لا يزيد سوى من تعزيز المحسوبية المجتمعية.
ومنذ خريف سنة 2022، ظلت رئاسة الجمهورية شاغرة. في الواقع، ينتظر بشار الأسد أن يتيح له الجمود المستمر فرصة فرض “وصيّه” سليمان فرنجية على رأس لبنان. ولا يخفي الأخير ذلك حتى، حيث يدعي “ما لا يملكه الكثيرون: ثقة حزب الله وبشار الأسد”.
وفي الختام، أبرزت الصحيفة أنه، على ما يبدو أن المصالحة الأخيرة بين السعودية وإيران، التي أعقبها التطبيع بين الرياض ودمشق، تمهد الطريق لانتخاب فرنجية رئيسا للبنان. إذا تأكد هذا المنظور، ستتأكد الرسالة التي عبّر عنها سمير قصير على حساب حياته: “لبنان لن يكون مستقلا بالكامل حتى تصبح سوريا ديمقراطية