في ظل الأزمة الإقتصادية النقدية التي تعاني منها الولايات المتحدة الأميركية بما يهدّد الإقتصاديات العالمية فإن العين على لبنان الذي كان في السابق يستفيد من أي أزمة في أي من الدول ليرفع من منسوب الرساميل إليه، هل فقد هذه القدرة اليوم على جذب الرساميل الهاربة من الولايات المتحدة أو الدول التي ستتأثر بالأزمة، أم أن عدم الثقة بنظامه المصرفي بعد الأزمة تحول دون ذلك؟
يشير الخبير الإقتصادي الدكتور محمود جباعي، إلى أنها “ليست المرة الأولى التي تقع فيها الولايات المتحدة بأزمة مالية من هذا النوع”.
ووفقًا لجباعي، فإنّ “الولايات المتحدة الأميركية وبخاصة في الـ 100 عام الأخيرة، وبعد أحداث الحرب العالمية الثانية، ونظرًا لإنفاقها العسكري والإستهلاكي أيضًا فهي تعاني بشكل دائم من عجز مالي، وعلى الرغم من أنها من أهم دول العالم في الصناعات وغيرها”.
والسبب في ذلك، يلفت جباعي إلى أن “إنفاقها يكون أكبر من حجم إقتصادها، وبخاصة أنها مرتاحة على وضعها فيما يتعلّق بموضوع طباعة العملة، فدائماً كانت أميركا تغطي الفرق بطباعة العملة، هذا على مر الـ 100 عام ودخلت بكثير من الأزمات على سبيل المثال أزمات 29 و72، حتى عام 2008 فدائماً هناك مشاكل لها علاقة بالوضع المالي الأميركي مما يؤثر على الإقتصاد العالمي وذلك نظرا للترابط بين المصارف العالمية والبورصة، ومصارف الولايات المتحدة الأميركية”.
ويؤكد بأن “أميركا تلجأ دائما لأن تغطي الفرق من خلال الطباعة، وكما حصل إبان أزمة كورونا فالبلد لا ينتج ولا إنتاجية لديه طبع حوالي ما بين 3 إلى 4 تريليون دولار، وزّعوهم في السوق، مما خلق المزيد من التضخم، وعلى أساس أن تنتهي “كورونا” ويعاود الإنتاج من جديد ويعدّل ويتم التعويض قليلا من حجم الخسائر”.
ويوضح بأنه “من الوسائل التي تلجأ إليها أميركا أيضا هي رفع كل مرة الإستدانة، حيث تستدين الخزانة الأميركية حيث من الممكن أن تكون تستثمر في ديونها كبيع سندات الدين إلى دول خارجية أو غيرها كالصين والسعودية، وهي تخرج دائما بهذه الطريقة من الأزمة”.
ويستفيض في شرح ما حصل بعد الحرب الروسية – الأوكرانية وتفاقم أزمة النفط في الفترة السابقة وموضوع الغاز وغلاء الأسعار والتضخم العالمي، حيث أثّرت جميع هذه العوامل على الوضع الإقتصادي في أميركا، واليوم ومن بعد 15 عاما من أزمة عام 2008 وصلت الولايات المتحدة إلى ذات المشكلة وهي حجم الدين وهو أكثر بثلاثة أضعاف من حجم الناتج المحلي أو الإنتاج الأميركي ككل”.
وبالتالي، يرى جباعي أن “لدى أميركا معضلة وهي أمام خيارين: إما إعلان إفلاس هذه المصارف، مما يخلق أزمة مالية عالمية. وإما معاودة رفع سقف الدين ليتمكّنوا من جذب أموال من جديد أي تعود الحكومة الأميركية وتستدين من البنك الفيدرالي أو تستثمر بالديون الخارجية لكي تعالج الازمة”.
المشكلة هنا، وفق ما يشير “داخلية أميركية مرتبطة بموضوع يتعلق بما إذا كان الكونغرس سيشرع لجورج بايدن، وإذا الأخير سيقبل كما يفعل الجمهوريين في كل مرة، رغم أن عشرات المرات من قبل عندما كانت تقع أميركا بأزمة كانت ترفع سقف الدين وتعود بالنهاية وتخرج من أزمتها إما عبر الطباعة أو عبر بيع الأسلحة أو عبر بيع الديون”.
ويرى جباعي, أن “هذا الأمر تأثيره كبير في حال وصلت أميركا إلى مرحلة لم تتمكّن فيها من سداد ديونها فهذا من المرجح أن يخلق “بلبلة” في الإقتصاد العالمي ويحدث أزمة مالية عالمية ونقدية، تؤثر بالدرجة الأولى على الدول الصناعية، والدول الكبرى المرتبطة مباشرة بالإقتصاد الأميركي”.
أما على الصعيد اللبناني فيما أننا بلد لا يصدر وليس لديه إنتاج محلي يبيعه للخارج، فالتأثير سوف يكون محدودا في الحالتين، فهو فقط يتلقّى الرساميل من الخارج وليس لديه منشآت صناعية يخاف عليها، كما ليس لديه المعاملات الإقتصادية الإنتاجية الضخمة لأنه بحالة الأزمات تتأثر الدول المصدرة للنفط والغاز والمواد الأولية والصناعات، وكل هذه العوامل يفتقدها لبنان لذلك هو آخر المتأثرين بالأزمة المالية العالمية، وفي السابق الأزمات المالية العالمية كانت تكون لمصلحة لبنان لأنها كانت تساهم بعودة رأسمال اللبنانيين من الخارج إلى لبنان بسبب إعتبارهم أن الخارج يعاني من أزمة بلدهم أفضل، لكن اليوم في ظل الأزمة الإقتصادية اللبنانية فلن تعود تلك الرساميل إلى لبنان بالتأكيد.