ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، جنازة الوزير ونائب رئيس حزب “الكتائب” الأسبق سجعان قزّي، في كاتدرائية سيّدة العطايا في أدما، بحضور الرئيس أمين الجميّل، النائب سليم الصايغ، الرئيس الأسبق ميشال سليمان وعدد من السياسيين والنواب والوزراء الحاليين والسابقين.
وقال الراعي قي عظته: “إعتدنا في صباح كلّ خميس أن نبحث عفويًّا في الصفحة الأولى عن افتتاحيّة سجعان قزّي الوزير السابق المميّزة عن جميع افتتاحيّات الصحف، بما تحمل من غنى في التحليل السياسيّ الداخليّ والخارجيّ، وفي سعة الإطّلاع والثقافة، وفي المقدرة على ربط الأحداث التاريخيّة والخلاصات”.
وأضاف, “لكن هذا الخميس الأخير، كانت كلمة واحدة مؤلمة كنّا نخشاها ونصلّي لعدم الوصول إليها: سجعان قزّي مات! أمّا هو فكان يلبّي آخر دعوة له من الله رافقت جميع محطّات حياته، هي كلمة أشعيا النبيّ: “ها أنذا، فأرسلني” ( أشعيا 6: 8). لقد كان في حالة إرسال دائم. فما إن أنهى دروسه التأسيسيّة في معهد الرسل بجونيه، ونال شهادة الفلسفة من جامعة الروح القدس-الكسليك، وشهادة العلوم السياسيّة والإداريّة من جامعة القدّيس يوسف-بيروت، حتى انطلق في قطاعات الرسالة بفضل ما حباه الله من علم ونباهة ومنطق وتحليل”.
وتابع, “فتوزّعت رسالته بين الصحافة، والتعليم الجامعيّ، والإستشارات، والعمل السياسيّ والتحليل، والتأليف والكتابة. مع إهتمام خاصّ بعائلته التي أحبّها كثيرًا وأحبّته, فإنّا نبكيه بدمع العين والقلب مع زوجته السيّدة دانيا حليم بارود وابنتيه Aude وJoy وصهره وشقيقيه وشقيقته وحماته وأولادها وعائلاتهم، وذويه وأنسبائه، والألوف من عارفيه والأصدقاء”.
واستكمل, “لقد أحبّهم جميعًا، بدءًا من العزيزة زوجته وقد عاشا معًا حياة زوجيّة سعيدة أربعًا وثلاثين سنة من دون أن تعكّرها كلمة أو فعل، وكبر الحبّ بينهما بالإبنتين الكنزين اللتين وفرّا لهما التربية والعلم الرفيع وضمانة المستقبل”.
وأشار الراعي إلى أنّ “بوفاته جفّ قلم من أخصب الأقلام إنتاجًا سياسيًّا وتاريخيًّا وإعلاميًّا وعلميًّا وأدبيًّا. ولئن لم يكتب افتتاحيّته هذه المرّة في جريدة النهار، فقد امتلأت الصحف بافتتاحيّاتها وصفحاتها الداخليّة ووسائل التواصل الإجتماعيّ المكتوبة والمسموعة والمرئيّة بالكلمات عنه”.
وشدّد الراعي على أنَّ سجعان, هو “رجل الكلمة والفكر والحوار والمنطق والإنفتاح واللياقة؛ وآخر: سياسيًّا وحزبيًّا وصحافيًّا ومفكّرًا إستثنائيًّا؛ وآخر: قامة سياسيّة صريحة وجريئة؛ وآخر: مناضلًا صلبًا في صفوف المقاومة اللبنانيّة من أجل سيادة لبنان وهويّته, وآخر: مقاومًا مفكّرًا من اجل لبنان, وآخر: مثقّفًا سياسيًّا عاقلًا ودودًا, وآخر: قمّة في الحيويّة السياسيّة والتألّق الفكري والثقافيّ, وآخر: لبنانيًّا أصيلًا حمل على منكبيه همًّا حفره في وجدانه، هو همُّ لبنان”.
وأضاف, “آخر: رجل الحوار والكلمة العميقة والأنيقة, وآخر: مؤمنًا بالإعتدال، ومناضلًا في سبيل الحياد, وآخر: الصوت الصارخ الحريص على صيغة لبنان وتماسكه الوطنيّ, وآخر: وزيرًا نشيطًا وملتزمًا قناعاته الأدبيّة والأخلاقيّة, وآخر: مناضلًا كرّس حياته للدفاع عن القضيّة اللبنانيّة، وكاتبًا حمل قضايا الوطن في قلمه, وآخر: رأس الحربة في نضاله السياديّ بحكمته وحزمه وبخبرته السياسيّة والإعلاميّة الغنيّة, وآخر: ركنًا أساسيًّا من أركان عالم السياسة في لبنان, وآخر لا الأخير: الكاتب السياسيّ ذا الإنتماء الوطني، الملتزم القضيّة اللبنانيّة، واسع الفكر، سريع البديهة، تراتبيّ الأفكار”.
ولفت إلى أنَّ, “قاعدة حياته الدائمة “هاءنذا” بجهوزيّة تامّة للعطاء حبًّا بالعطاء, هذه هي الروح التي أنعشت رسالته الصحافيّة في رئاسة تحرير وافتتاحيّات الصحف أمثال “العمل” الكتائبيّة و”الجريدة” و”النهار” ومجلّتي “Magazine” و “الجديد”, وفي رئاسة الأخبار في “إذاعة صوت لبنان”، وتأسيس وإدارة “إذاعة لبنان الحرّ”, كما وفي رسالة التعليم محاضرًا في جامعة القدّيس يوسف بيروت، وفي أكاديميّة بشير الجميّل بجامعة الروح القدس الكسليك”.
وأكّد الراعي أن, “بهذه الروح إيّاها قدّم استشاراته عبر مؤسّسته التي أنشأها في باريس للدراسات والإستشارات في مجال المخاطر السياسيّة والإقتصاديّة، وفي منشورته المختصّة بالإستراتيجيّة السياسيّة في الشرق الأوسط, وقدّم استشاراته لمؤسسات أجنبية عالميّة تفوق الثمانية, وبهذه الجهوزيّة التامّة انخرط شابًّا في حزب الكتائب اللبنانيّة على خطى المرحوم والده الذّي أسس الكتائب في منطقة الفتوح, بفضل هذه الجهوزيّة أصبح نائبًا لرئيس الحزب، ومستشارًا سياسيًّا للرئيس الشهيد بشير الجميّل، وللرئيس الشيخ أمين الجميّل”.
وأشار إلى أنَّ, “في بداية الحرب اللبنانيّة تولّى رئاسة مصلحة الإعلام في المقاومة اللبنانيّة, أمّا نحن فنعمنا بمشوراته وآرائه وعمق تفكيره في لجان المركز البطريركيّ للتوثيق والأبحاث، وفي تنسيق لجنة الحياد والمؤتمر الدوليّ، وفي ما كنّا شخصيًّا نطلب منه من آراء ودراسات وطنيّة وإقليميّة, فغيابه يشكّل لنا فراغًا كبيرًا قلّما يعوّض, كما ووجد متّسعًا من الوقت للكتابة: فترك للأجيال إرثًا نفيسًا ومرجعًا في مجالات السياسة والتاريخ والإستراتيجيّة بكتبه الخمسة باللغة العربيّة، وبافتتاحيّاته في جريدة النهار، وبدراساته الثمانية والعشرين بالفرنسيّة، بالإضافة إلى عشرات المحاضرات في جامعات لبنان وأوروبا وأميركا ما يجعله حيًّا بيننا بفكره وعلمه، مجدّدًا ذاكرتنا، ومنعشًا محبّة قلوبنا”.
وتابع, “سجعان قزّي صنع الفرق حقًّا, بقوّة كلمته النابعة من شخصيّته المميّزة علمًا وسياسةً وشجاعة وخُلُقًا وأناقة وجهوزيّة للخدمة والعطاء من دون مقابل, أجل كلمة واحدة: “ها أنذا، فأرسلني” ( أشعيا 6: 8). وقالها آخر مرّة صباح الخميس، بعد أن تهيّأ روحيًّا بصلاتي الشخصيّة قرب سريره ومنحه غفران خطاياه وإنسانيًّا وعائليًّا، قالها بصوت القلب النابض واللسان الصامت: “ها أنذا، ربّي، فأرسلني إليك!”, وكما أشركه المسيح الربّ في آلام الفداء، فإنّه يشركه في مجد القيامة، ليكون لأسرته الصغيرة والكبيرة خير شفيع”.
وختم الراعي: “بهذا الرجاء نودّعه معًا ونعرب عن تعازينا الحارّة لزوجته السيّدة دانيا، وابنتيه وصهره، ولشقيقيه وشقيقته، ولعائلات المرحومين أعمامه وعمّته وخاله وخالته، ولحماته السيّدة ساميا وأولادها وعائلاتهم، ولسائر ذويهم وأنسبائهم في لبنان والمهجر الأحبّاء, تقبّله الله في مجده السماويّ، وسكب على قلوبكم بلسم العزاء، وعوّض علينا بأمثاله, المسيح قام!”.