سلّمت السفيرة الايطالية في لبنان، نيكوليتا بومباردييري، وزير الثقافة، محمد وسام المرتضى، موقع بعلبك الأثري بعد الانتهاء من إعادة تأهيله ومن ترميم أعمدة معبد جوبيتر فيه.
جرى اليوم في بعلبك حفل اختتام أعمال ترميم معبد “جوبيتر” وإعادة تأهيل موقع بعلبك الأثري بتمويل إيطالي، في حضور وزير الثقافة، محمد وسام المرتضى، وسفيرة إيطاليا في لبنان، نيكوليتا بومباردييري، ومديرة الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي، أليساندرا بيرماتيي، ومدير التخطيط في مجلس الإنماء والإعمار، إبراهيم شحرور.
وألقى وزير الثقافة كلمة جاء فيها ”بعلبك موعد دائم لترميم الزمان. الأعمدة التي ترتفع فيها، والحجارة التي تتشابك بناء، أو تنطرح أرضا على صعيدها، وأدراج المهرجانات والأقبية المسقوفة في قلعتها، والبطولات التي تتدفق من دماء أبنائها، هي بيننا ألسنة الأيام والسجلُّ الناطق بالفخامة والكبرياء، عن حضارات حلَّت ثم ولَّت، أو ظلَّت، تاركةً شواهدها الثقافية الضخمة كي تحكي لنا التاريخ المتّصل منذ آلاف السنين، بالذكرى التي نجتمع اليوم في رحابها، حتى يصح القول إنَّ من أعاد صفَّ حجر فوق حجر، في أوابد الماضي المهدَّمة، يكون قد رمَّم الزمان لا المكان فقط”.
وأضاف, “لعلَّ من أفضل دروس الحاضر استعادة شيء من التاريخ الذي هو خير معلم والذي ينبئ أن العولمة الأولى في تاريخ البشرية قد تكون الحضارة الرومانية التي بسطت سلطانها على حوض البحر الأبيض المتوسط، منذ حوالي ثلاثة آلاف عام، فلم تكتف باستدراج خيرات العالم إلى روما فحسب، بل وسعت مجال التنمية الشاملة على كل أرجاء امبراطوريتها، فكانت حصة لبنان وفيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، هذا المعبد الشاهق في بعلبك، ومدرسة الحقوق في بيروت، والمدرج الروماني في صور، وسواها من الهياكل والمعابد والقلاع، على امتداد الجغرافيا اللبنانية. وكان الأباطرة من عرقا، ومن حمص أيضا، بالإضافة إلى معالم عمرانية مزروعة في الشرق والغرب، تشهد للعظمة والانفتاح”.
وتابع, “اليوم في ظل العولمة الحالية التي نعيش، بما فيها من إيجابيات كثيرة وسلبيات أكثر، ولا سيما لناحية محاولة فرض ثقافة معينة على جميع البشر، يصبح تذكُّر التاريخ مدرسة نافعة جدا كما قلت، لا لمجرد الذكرى بل لبثِّ الوعي في النفوس، من أجل مواجهة مشاكل الحاضر وتحدياته المتراكمة. ولا شكَّ في أن واحدا من المشاكل التي نعانيها، هو تقلص المساحة المخصصة لنشر ثقافة التعايش الإنساني الحضاريِّ بين البشر مع احترام الخصوصيات التي يتمتعون بها، وذلك على الرغم من الشعارات والبرامج التي تطلقها سياسات الدول وهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة”.
واعتبر المرتضى أن, “من الثابت الذي لا يخفى على أحد أن محاولات السيطرة على مصائر الشعوب لدى بعض الدول المتحكّمة لا تزال ممعنة في اتساعها، وهي اليوم ترتدي طابع الحصار الاقتصادي أو التقني المتعلق بالتطور الرقمي، أو حتى الصحي، من غير أن تتراجع أدواتها السياسيَّة والعسكريّة. إن عمارة الأرض لا تكون إلا بالتلاقي والتعارف وتبادل الخبرات بدلا من الحروب والاحتلالات والقتل والتهجير، كما تعرضت له بلادنا في العصر الحديث بدءا من احتلال فلسطين ولا تزال تتعرض له إلى يومنا الراهن”.
وأشار إلى أن “الحقيقة التي ينبغي أن نشهد لها أن السفارة الإيطالية في بيروت كانت ولا تزال تعمل بدأَب على نشر قيم التلاقي هذه، من خلال اهتمامها بالموروث الثقافي اللبناني، من غير تفريق بين المنتمي إلى الحقبة الرومانية كمعبد جوبيتر، وذاك الذي يشكل ثروة معرفية للإنسانية جمعاء، كوادي قاديشا والمتحف الوطني، وغيرهما من المواقع الأثرية القديمة والمتوسطة في مدن وبلدات لبنانية عديدة وهذا العمل الجاري تحت إشراف سعادة السفيرة الصديقة نيكوليتا بومباردييري، ومتابعتها الحثيثة، يؤكد متانة علاقات الصداقة بين إيطاليا ولبنان، ورسوخ مفاهيم التعاون والتنمية في توجهات الدولة الإيطالية والشعب الإيطالي”.
ولفت إلى أن “لبنان، في ظل الأزمة الأزمة الخانقة التي يعيش، لا يستطيع إلا أن يثمّن جميع مبادرات التعاون التي تقدمها له الدول الصديقة، وفي مقدَّمها الدولة الإيطالية، عبر المساعدات والهبات الرامية إلى تمويل المشاريع الثقافية والحياتية والإنمائية المختلفة. فعندما تنغلق الأبواب في وجوه المواطنين، لا بدَّ من التفتيش عن مفتاح ما، لباب ما، يكون مدخلا إلى فتح الأبواب كلّها. وهل باب أشدّ رسوخا في الأرض وارتفاعا في السماء، واتّساع مصراعين للريح، أكثر من باب الثقافة التي ينبغي لها أن تكون واحدا من محفزات الاقتصاد الوطني، وفصلا متقدما في خطة”.