أطلق وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، خريطة طريق الاصلاح التربوي من خلال خطة عمل مفصلة للعامين الدراسيين المقبلين، مرفقة بروزنامة عمل تنفيذية وخطة مالية، وذلك في السرايا الحكومية.
وحيا وزير التربية “الرئيس ميقاتي الذي اضطر للتغيب بسبب إصابته بنزلة صدرية”، متمنيًا له الشفاء العاجل، وناقلاً تحياته إلى الحضور وتقديره لهذه الخطة.
وشكر “المانحين والشركاء على مواقفهم التي عبروا عنها وخصوصا تقديرهم للجهد المبذول في وضع هذه الخطة”، ودعاهم إلى “تكريس دعمهم بالوقوف إلى جانب الوزارة لأننا ذاهبون إلى العام الدراسي الجديد ، فلنعمل سويا وبسرعة لتأمين الدعم للمدارس والمعلمين”.
وقال: “لا أخفي عليكم أن العنوان الذي طرحناه لهذا اللقاء “خريطة طريق الاصلاح التربوي” يفرض علينا تحديات كبرى، فهو يتعلق بالاصلاح الذي كان خيارنا الأول منذ أن تسلمنا مسؤوليتنا في التربية، إلا أن الازمات التي مررنا بها وقفت حجر عثرة أمام التقدم بخطوات اصلاحية تعبر عن قناعتنا وهي أساسية لتطوير التعليم”.
وأضاف، “نلتقي اليوم مجدداً لنعلن امامكم وأمام الرأي العام خريطة طريق الاصلاح التربوي، انطلاقاً من رؤيتنا للتربية، فخوض غمار الاصلاح يحتاج إلى طريق طويل انما بتصميم للوصول إلى نهاياته، بهدف إعادة بناء القطاع على أسس جديدة تقوم على الشفافية والوضوح والحوكمة”.
وأردف، “لقد واجهنا أوضاعاً مأسوية ومشكلات وحملات كادت تطيح بكل القطاع التربوي، لكن اصرارنا دوماً على النهوض فتح أمامنا مساراً للعمل على الإنقاذ بروح جماعية من التعاون وتوفير الإمكانات إلى أن وجدنا الوقت المناسب لطرح ملف الإصلاح التربوي الذي يشكل بالنسبة إلينا مساراً قائماً بذاته ومفتوحاً على التفكير الدائم بالتطوير”.
وتابع، “لقد مهدنا خلال سنة وثمانية أشهر من تولينا المسؤولية لممارسات شفافة في وزارة التربية وهي أساس للاصلاح. نقول هذا الكلام ليس من باب تعداد الانجازات، فرغم الانهيار الذي أدى إلى إضرابات ومقاطعة من المعلمين حيث مررنا بأصعب الظروف، تمكنا من انجاز الاطار الوطني لمناهج التعليم ما قبل الجامعي وأسسنا لعلاقة واضحة مع الجهات المانحة التي نشكرها على كل الدعم الذي قدمته للتعليم”.
وقال: “لذا نحن نمهد اليوم من خلال خريطة طريق الاصلاح التربوي التي تمَّ عرض مضامينها لبناء الثقة في القطاع وتعزيز الحوكمة، وهذه وجهتنا في نقاش مسارات خطة الاصلاح. وكنا عملنا مع المجتمع الدولي ووضعنا بالتعاون مع الشركاء والدول المانحة خطة خمسية (2020-2025) مبنية على رؤية مشتركة لتطوير القطاع، ونصت على توحيد إطار داتا المعلومات ومخطط للتقارير الخارجية، لتعزيز المحاسبة والشفافية”.
ولفت الحلبي إلى أنّ “ممارسة مهامنا في الوزارة تنطلق على الدوام من رؤيتنا للتربية وهي تستهدف النهوض بالقطاع على قاعدة واضحة. وقد كانت أولوياتنا الحفاظ على السنة الدراسية، وتعويض الفاقد التعليمي خصوصاً واننا على أبواب الامتحانات الرسمية التي تحتاج الى التعاون والدعم والتمويل الذي تأمن بدعم مشترك من وزارة المالية ومن الجهات المانحة، حيث كنا حريصين على إجرائها لما تشكله من اساس لحماية المتعلمين وصون الشهادة الرسمية”.
وأردف، “لكننا اليوم أمام مرحلة جديدة من الاصلاح وهو طور متقدم لحل الأزمات وترسيخ استقامة العمل التربوي، وهذا ما تظهره الخريطة التي نحن بصدد عرضها”.
وتابع: “يشكل الاصلاح التربوي بالنسبة إلينا عنواناً أساسياً، فهو يجب أن يكون عملية مستمرة انطلاقاً من المدرسة بالدرجة الأولى وصولاً إلى الوزارة، وهو في صلب أولوياتنا، لتنقية التعليم من الشوائب عبر سياسات فاعلة يشارك الجميع في صياغتها”.
وشدّد على أنّ “هدفنا يتركز على أن يصبح التعليم جاهزاً لمواجهة الأزمات، ولا بد في هذا الخصوص من منع تأثير السياسة على التعليم والتي أحدثت خللاً بنيوياً لا يعوّض إلا بإعادة النظر في كل النظام التعليمي وممارساته واستقطاب الكفاءات وتعزيز البنية التعليمية بما يتناسب مع التطورات العالمية”.
وقال: “تهدف خريطة طريق الاصلاح التربوي التي تتضمن عناوين متعددة إلى تمتين المؤسسات التربوية وتعزيز حوكمتها. الاصلاح التربوي لا يستقيم إلا بدرس مواطن الضعف الاكاديمي للتلامذة اللّبنانيين”.
وأضاف، “تبين أن لدينا مشكلة في المناهج التعليمية فعملنا على انجاز الاطار الوطني لمناهج التعليم العام ما قبل الجامعي ضمن ورشة كبرى، لمواكبة المفاهيم العلمية عالمياً. وفي الاصلاح الذي نصبو إليه، لا بد من العمل على إدخال أنظمة الكفاءة في التعلّم الذي يدمج الآليات العالمية مع السياقات المحلية. وتتضمن الخريطة اصلاح نظام التعليم في لبنان إذ أن الانهيار طاول هذا النظام في العشرية الأخيرة، وانعكس ضعفاً في قياس جودة المعرفة لدى تلامذتنا”.
وأشار إلى أنّ “هذه الخريطة التي ستكون بين أيديكم هدفها الاصلاحي هو انتظام العملية التعليمية، ولذلك نسعى من خلالها إلى التركيز على الاستثمار في التعليم إضافة إلى البرامج العلاجية للتعويض وخلق الفرص للحاق بالجودة. إننا في سياق العملية الاصلاحية نحتاج إلى سياسات تربوية حديثة وتقييم واستثمار، من بينها العودة إلى التعليم الكامل”.
واعتبر أنّ “هذا الأمر مرهون بالاستقرار وبتوفير التمويل. إننا نسعى إلى توفير بيئة تعليمية ملائمة تربوياً وصحياً واجتماعياً. العدالة في توفير فرص التعلم ومنع التسرب. توفير التعليم النوعي المرن. والحوكمة وتقوية النظام الإداري التربوي، وصولاً إلى اعادة الهيكلة”.
وتابع، “إنني أتحدث أمامكم عن النهوض بالتعليم من خلال الاصلاح، لذا لا يمكننا إلا الأخذ بالاعتبار ما أحدثته الأزمات في لبنان على الخطة الخمسية. ضغط النازحين وتعليمهم والذي يحتاج إلى تمويلات إضافية وبرامج دعم، وتعويض. وعندما وصلت المساعدات للنازحين، كان لبنان ينعَم بوضع مزدهر أو مقبول. أما اليوم فإن فئات واسعة من اللبنانيين تعاني التهميش والحاجة، لذلك كان خريطة طريق الاصلاح التربوي وإعادة النظر بمقياس الدفع بين اللبناني وغير اللبناني”.
وقال: “إننا نستهدف ضمن عملية الاصلاح بناء مدارس رسمية مؤهلة والتخلي عن المدارس المستأجرة وتحسين البنى التحتية للتعليم. ومن بين ذلك اعادة الهيكلة التي تفرض تحديد أعداد المتعلمين وفتح المدارس وفق الحاجة، أو اللجوء إلى دمج مدارس لتحسين الانتاجية التعليمية”.
ولفت إلى أنّ “هذا ينطبق أيضاً على التعليم المهني الذي يحتاج إلى خطة لتطويره وإدخال إختصاصات جديدة والتخلي عن بعضها القديم وتجهيز المختبرات وتشجيع الإقبال على المهني كونه من روافد الاقتصاد والصناعة والزراعة وسائر المشاريع الإنمائية”.
وأضاف الحلبي، “تركز خريطة الاصلاح على إعداد المعلمين قبل الخدمة وتدريبهم وتأهيلهم لمواكبة واستخدام التكنولوجيا في التعليم. ورفع مستوى أداء المدارس من خلال إختيار وتعزيز قيادتها والإستقلالية والمحاسبة. وتتضمن التركيز على الحوكمة والشفافية وصولاً لنيل أنظمة الاعتماد من أجل تحسين مخرجات التعليم عبر البرامج والموارد والمشاريع والأنشطة والمبادرات. لكن ذلك يتطلب توفير الدعم المالي والفني، ليس للمدارس الرسمية فقط وأيضاً للمدارس الخاصة”.
وتابع، “إن اصلاح السياسات التربوية لا يمكن أن يتم دفعة واحدة. يستلزم الامر خططاً على المديين القصير والبعيد. يتطلب الاصلاح ايضاً ارادة وتعاوناً ودعماً على مختلف المستويات. الدعم المالي من الجهات المانحة يسهل خوض غمار الاصلاح في التربية والبناء على ممارسات رسخناها في ادارتنا للتربية في العلاقة الشفافة مع المانحين”.
واستكمل الحلبي، “كما يتطلب الامر تمويلاً مستمراً للقطاع التربوي. ونحن كرسنا أسساً قائمة على الشفافية والوضوح في كل برامج الدعم التي تلقيناها. ومن هنا نشرنا حسابات الوزارة للمساعدات المالية التي وردت إليها مذ تولينا مسؤوليتنا. أما حسابات وأموال ما سبق فهذا شأن حكومي تقرره الحكومة في كل وزاراتها”.
وأردف، “من العناوين التي نطرحها النظر في نظام الامتحانات، ولذلك متطلبات ينبغي أن تتحقق في العملية التربوية كلها، لكن الأهم الذي نسعى إليه هو العمل على تعزيز مديريات التربية وترشيد الحوكمة، مع العلم أننا قطعنا شوطاً مهماً في تعزيز عمل المركز التربوي للبحوث والانماء وأعدنا تفعيله بتطبيق المبادئ نفسها التي طبقناها في الوزارة لجهة تجميعها وإستقطاب الكفاءات للعمل فيه، وإعادة هيكلته”.
وأوضح الحلبي، “أما بشأن التعليم العالي والجامعة اللبنانية فسيكون ذلك في مرحلة لاحقة ويحتاج إلى جلسة خاصة سندعو إليها قريباً”.
وختم، “أخيراً كلنا أمل بأن تتلقى الجهات المانحة مشروعنا للاصلاح بكل اهتمام وتؤمن الدعم للسير في هذه العملية التي عرضت خريطة طريقها أمامكم. وكلي ثقة بأن يستعيد لبنان ريادته في التعليم. إن الواقع التربوي في لبنان يحتاج إلى تضافر الجهود وإلى التعاون والتفاهم والإرتقاء عن العصبيات والحساسيات والشعبويات، لأن التربية في لبنان هي على مفترق بين طريقين النهوض أو الزوال”.