قال الامام علي بن ابي طالب «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، هذا القول يعكس تعثّر حال الكثير من الاسر التي تعاني وتكافح من اجل البقاء على قيد الحياة. ومما لا لبس فيه، ان العائلة اللبنانية تواجه معوقات اقتصادية وسياسية واجتماعية، خاصة الطبقات التي تعيش على الحد الأدنى من الأجور وبالعملة الوطنية، لتغطية أدنى متطلبات الحياة التي أصبحت توازي ملايين الليرات.
بالتوازي، يرى الخبراء ان أكثر من 70 بالمئة من المواطنين يحتاج الى مساعدة مادية وعينية، كما ان معظم الاحتياجات التي تعتبر ضرورية الغيت من لائحة المشتريات، والمعيشة اقتصرت على الأساسيات الملحّة. فأضحى العوز متعدد الأوجه، ويكاد يطال جميع الطبقات الاجتماعية، بعدما فقدت الليرة قيمتها بشكل كلي وطالت الازمة الراهنة أسس الحياة المعيشية.
نسرين النعيمي وهي سيدة اربعينية قالت لـ «الديار» «ذهبت لأسحب راتبي من الصراف الآلي، والصدمة كانت في المبلغ الذي اخرجه الجهاز، والذي كان 20 دولارا بلا مبالغة او مواربة، اخذته ومشيت وانا أفكر ما الذي يمكن ان اسدده بهذا المال؟ هل ادفع فاتورة الكهرباء ام المولد او اشتري خبزا وطعاما»؟ اضافت «انا عاجزة عن توفير اقل مقومات الحياة، ولا يمكنني تأمين ابسط الامور الأساسية وفي طليعتها الادوية، واشعر انني افتقد الأمان الاجتماعي والمادي وحتى الصحي». بالإشارة الى ان نسرين تتقاضى الراتب التقاعدي لوالدها المتوفى.
وافصحت السيدة ديانا جابر عن هواجسها قائلة «أكثر ما يوجعني هو اطفالي، لأنني أخاف عليهم من الحاجة، فأنا اتقاضى راتبي بالليرة ولا يتعدى الـ 7 ملايين، وهو رقم لا يكفي لشراء شيء أصلا». اردفت «من المستحيل التكيّف في ظل هذا الغلاء الفاحش وتدني الاجور، فليس بإمكاني ابتياع العديد من السلع الغذائية، كما ان الزيادات التي اقرتها الحكومة لموظفي القطاع العام غير عادلة، وتفتقد المساواة بين فئة أولى وخامسة».
على خطٍ موازٍ، تحتاج الكثير من العائلات التي تصنف ضمن الطبقات المعدمة، وتعيش تحت خط الفقر، ما لا يقل عن 20 دولارا يومياً. بالإشارة الى ان هذا المبلغ لا يكفي لشراء خبز ناشف، او بعض الاحتياجات الضرورية من طعام وغذاء لأسرة مكونة من شخصين.
ووفق أرقام البنك الدولي الأخيرة، يعيش 74 في المئة من المواطنين في فقر مدقع، وتكشف استبانات «غالوب» ان تسعة من كل عشرة اشخاص تقريبا وجدوا انه من الصعب تأمين الموارد المالية لتغطية نفقاتهم، فيما ستة من كل عشرة افراد اكتشفوا انه من الصعب جدا تغطية مصاريفهم من خلال دخلهم الشهري.
في هذا السياق، كشف الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين من خلال حديث صحافي «ان 70% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20 و40 سنة يهاجرون، وهذا الامر سيُحدث خللا في بنية الشعب اللبناني المقيم، لان الهجرة تكون كأفراد لا كعائلات. وأشار «الى ان 8% من الشباب المقيم أعمارهم تتراوح ما بين 22 و29 عاما».
وأوضح «ان اسرة مكونة من 4 افراد بحاجة الى 45 مليون ليرة شهريا كحد أدنى، هذا إذا كانت متقشفة بمصاريفها ومن دون احتساب أي طارئ». وأردف «انطلاقا من الحد الأدنى وكلما ارتفع الدولار الجمركي، زادت كلفة العيش أكثر». معتبرا «ان لبنان يعد أغلى من دول الجوار»، لافتا الى «انه لا هجرة عكسية، فمعظم من سافر لم يعد الى لبنان، و3% فقط ممن هاجر وعاد».
بالمقابل، الازمة الاقتصادية خلقت فئة جديدة أطلق عليها مجتمع الـ 20 بالمئة، وهذه الكوكبة بدأت تزدهر، ليتضاعف التفاوت في الطبقة العاملة ذاتها. فنجد ان المطاعم وأماكن السهر «مفوّلة» من خلال هذه المجموعة، وهذا الامر استفز زمرة واسعة من المواطنين المحليين وحتى الاجانب.
والسؤال الذي لا ينفك يُطرح، اين هذه الجماعة من الازمة الاقتصادية، وهل فعلا يعيش هؤلاء في لبنان الموجوع اقتصاديا والمأزوم سياسيا وامنيا؟
الجواب نعم، هذا ما يحدث في لبنان، فأهلا بكم في وطن الحياة والتناقضات والاختلافات، حتى وان كانت دينية فهي نسبية، فعندما يجتمع لبنانيان من طائفتين مختلفتين يشعلان الأجواء، ويثبتان انه لا مكان للنعرات رغم انف الحاقدين والمتأولين، لأنه في ثقافة الحياة والتعددية والفرح لا مجال للتشاؤم والتقوقع. وصدّقوا ان الكثير من الدول تحسد لبنان وابنائه على هذه النعمة ، لأن اللبنانيين يعشقون التحدي، وما يجري اليوم في هذا الوطن هو تحدٍ للظروف وللواقع القاسي، وللوجع والقهر والعوز وحتى للمرض.
بالموازاة، صحيح ان الوضع المعيشي صعب ومتعثر، الا ان الحركة التجارية ناشطة، بسبب هذه الفئة العاملة والمنتجة والصامدة بوجه الازمة الحالية. وما تجدر الإشارة اليه، ان هذه المجموعة غير محسوبة على طبقة الميسورين، وهؤلاء يتقاضون رواتبهم بالفرش دولار، كما ان مستوى رواتبهم جيد وينعمون بقدرة شرائية مقبولة، وهذا يعود الى المعطيات الفريدة التي ينفرد بها لبنان وغير موجودة في دول أخرى منها: الواقع العالمي الذي من خلاله يعمل اللبنانيون «اون لاين»، كما ان الطاقة البشرية جيدة جدا وتتمتع بفرص كبيرة لتشغل وظائف مختلفة عالمية. ويعتبر الخبراء، ان تشكّل هذه الطبقة المجتمعية قد يسهل عملية التعافي الاقتصادي المتوقع.
على مقلب آخر، يرى المتابعون ان تكوين هذه الفئة يسحق الرهط الأكبر من المجتمع المتمثل اليوم بالحشد الذي يعمل في القطاع العام. وهذا يدل على ان الاضطراب الاقتصادي غيّر المجتمع اللبناني وبعثّر طبقاته، لذا يتوجب استدراك الوقت الذي يهدر من قبل الدولة والإسراع في إقرار خطة سليمة ومتوازنة تحقق التعافي للاقتصاد اللبناني.
الديار