عقوبات أميركية على بري؟

ليست المرة الأولى التي يجري فيها تسريب مواقف ودعوات أميركية لفرض عقوبات على أطراف لبنانية سياسية أو حزبية، من أجل دفعها وحثّها على احترام المهل الدستورية وإنجاز الاستحقاقات الانتخابية في مواعيدها من دون أي تأجيل. إلاّ أن ما يختلف اليوم في هذه التسريبات أو التهديدات المبطنة بعقوبات وشيكة على “معرقلي” الاستحقاق الرئاسي، أنها تستهدف رئاسة المجلس النيابي من جهة وبأنها تأتي في سياق تقاطع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على استخدام كل الوسائل المتاحة من أجل تشجيع السياسيين اللبنانيين على التوافق وانتخاب رئيس في أقرب وقت ممكن. فهل يعني هذا التقاطع أن العقوبات قد باتت وشيكة على المعرقلين الذين لم تسمّهم واشنطن بعد؟

وبرأي عميد كلية العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ رئيس مؤسسة جوستيسيا المحامي الدكتور بول مرقص، فإن الحديث عن عقوبات أميركية قد تصدر بحق معرقلي الاستحقاق الرئاسي وبمعزلٍ عن الشخصيات المستهدفة، له حيثيات قانونية، لأن العقوبات في الولايات المتحدة الأميركية، تستند إلى نصوص قانونية وأمر تنفيذي خاص، على غرار العقوبات التي تتعلق بمكافحة تمويل “حزب الله” أو قانون “ماغنتسكي” أو عقوبات ضد منتهكي حقوق الإنسان أو المتهمين بالفساد وصولاً إلى العقوبات الخاصة بمعرقلي مسار الديمقراطية.

ويتحدث المحامي مرقص ل”ليبانون ديبايت”، عن حيثيات الموقف الأميركي في هذا الخصوص، والذي لمسه خلال إقامته في واشنطن في الأشهر الماضية، موضحاً أن مسار العقوبات الذي بدأ مع عهد جورج بوش، واستمر مع دونالد ترامب قد استمر مع الرئيس جو بايدن، ما زال على حاله، ولم يطرأ عليه أي تعديل من قبل الإدارة الحالية.

وعليه يجزم مرقص بأن ما من موقف جازم وحاسم حول العقوبات بهدف انتخاب رئيس للبنان، مشيراً إلى تريث وحذر من أي قرار غير مدروس، وربما بسبب اقتراب موعد الانتخابات، وخشية مسؤولي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، من فشل أي قرار في هذا الشأن، وذلك في حال لم تحقق العقوبات الهدف المنشود منها وهو تسريع الاستحقاق الرئاسي.

ورداً على سؤال حول الارتباط بين هذا الواقع والملف الرئاسي، يكشف مرقص عن بقاء شبح العقوبات بحق المعطلين في لبنان، لكنه يوضح أن ما من زخم كبير يؤدي إلى صدور أي قرار حالياً.

وعن الجهة المعنية بإصدار العقوبات، يشير مرقص إلى أن “لا أحد يملك معلومات في الوقت الحالي والجهة المعنية هي الخزانة ووزارة الخارجية، وأي تسريبات لن تظهر إلاّ قبل ساعات معدودة فقط، وذلك في حال تمّ هذا التسريب من صدور العقوبات”. لكنه يستدرك موضحاً أن عنصراً قد استجد الآن، من خلال مسار قانوني تشريعي في الكونغرس، يطالب الإدارة الأميركية بفرض عقوبات على الذين يعرقلون المسار الديمقراطي في لبنان وانتخاب رئيسٍ للجمهورية.

أمّا بالنسبة لدور الكونغرس في قرار الإدارة، يقول مرقص إنه في حال طالبت لجنة الخارجية في الكونغرس، بفرض عقوبات على شخصية أو دولة ما، فإن طلبها يُدرس بجدية، خصوصاً إذا كانت المطالبة تأتي من قبل نواب في الحزبين الجمهوري والديمقراطي كما حصل أخيراً، ما يؤكد على وجود زخم نيابي أميركي باتجاه فرض عقوبات، ولكن من دون أي مؤشرات عملية في الوقت الراهن.

ويخلص مرقص إلى التأكيد على أن الهدف من أي عقوبات هو إنجاز الانتخابات الرئاسية، ولذلك فإن الأطراف السياسية في لبنان تعمل، وبشكل مدروس وبحنكة ملحوظة، على تحريك العجلة الدستورية والسياسية في البلاد من أجل تفادي اتهامها بعرقلة الديمقراطية، وهذا ما يدفع واشنطن إلى التريث بمسألة العقوبات، ذلك أن الهدف منها، ليس تجميد عملية انتخاب الرئيس بل إنجازها ولذلك فهي ربما تعطي فرصةً جديدة للجهود المبذولة للحوار وإجراء الانتخابات التي يدعو إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري.