في ذكرى رحيل العبقري عاصي الرحباني السابع والثلاثين يطيب لي نشر قصيدة رثاه فيها العظيم الراحل نزار قباني👇
“عاصي الرحباني ، هو آخر الأشياء الجميلة في حياتنا .
هو آخر قصيدة ، قبل أن ندخل في الأمية.
وآخر حبة قمحٍ ، قبل أن ندخل في زمن اليَبَاس .
وآخر قمرٍ ، قبل أن تهاجمنا العُتْمَة .
وآخر حمامةٍ تحطُّ على أكتافنا .. قبل زمن الخراب .
وآخر الماء قبل أن تشتعلَ الحرائق في ثيابنا .
وآخر الطفولة .. قبل أن تسرقَ الحربُ طفولتنا .
به بدأ الحبُّ ، وبه انتهى .
وبه بدأ اللونُ الأخضر … وبه انتهى .
وبه بدأ النبيذُ .. وبه انتهى .
وبه صار بحرُ (أنطلياسْ)
أعظمَ من المحيط الأطلسي.
هو أعطانا الضوء الأخضر لنحب ..
فأحبَبْنَا …
وهو الذي شجَّعَنا على أن نذهب لمواعيدنا …
فَذَهبنا ..
وهو الذي علمنا أن تكتب على ضفائر حبيباتنا ..
فكتبنا …
وهو الذي غطَّانا بشراشفِ الحنان ..
فنمنا …
على يدي عاصي ، تحولت الموسيقى من مُظَاهَرة
إلى لغة صوفية
وتحولَ الحبُّ من غَزْوَةٍ بربريةٍ
إلى صلاةْ ..
وتحولَ الشعرُ من قرقَعةٍ لغويّة
إلى جملةٍ حضارية ..
وتحولنا نحنُ ، من كائناتٍ ترابيةْ
إلى ضوءٍ مسموعْ …
لم يكنْ عاصي ، حادثاً هامشياً في حياتنا
كان جبلاً .. ومؤسسةً .. وأكاديميةً ..
وحادثة كبرى من حوادث التاريخ
ويومَ يكتبُونَ تاريخ الشَجَرْ ..
وتاريخَ الدِفْلَى والبَيْلَسَانْ
والقرميدِ الأحمر ..
وتاريخ القرى اللبنانيّة التي جعلها عاصي الرحباني
أهم من باريس، ونيويورك ، وسان فرانسيسكو .
يوم يُعلِّمون، بعد ألف سنةٍ في مدارسنا ، أسماء
الجبال في لبنان ، فسيكون عاصي الرحباني أعلى
وأهم جبلٍ في أطلس لبنان …