حوالي أسبوع أمضاه النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري في العاصمة الأميركية واشنطن، متجولاً بين وزارة الخزانة ومكتب مكافحة تبييض الأموال ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية، والهيئات المعنية بالحالة المصرفية اللبنانية وبإنفاذ القانون حيال العقوبات الأميركية المالية ذات الشقّ المتعلق بما يسمى “مكافحة الإرهاب”، وعقد اجتماعات مكثفة فاق عددها أصابع اليدين، جاءت حصيلتها نيله غطاءً أميركياً لتولي موقع الحاكم وتسيير أعمال المصرف المركزي ريثما يتمّ تعيين حاكم أصيل.
ساعات من الإجتماعات قدم خلالها منصوري أجوبةً حول أسئلة أميركية “جوهرية” تتعلق بكيفية إدارة المصرف المركزي خلال فترة الشغور “من ضمن الحالة الإنتقالية المؤقتة”، ثم قدم تصوره لإدارة المرحلة وحدود صلاحياته، وخططه. كذلك قدم ضمانات حول طريقة التعامل مع الإدارات الأميركية المعنية بما له صلة بمتابعة “الوضع” داخل مصرف لبنان أو المالي اللبناني ككل. ويتردّد على نحوٍ ضيق أن منصوري خضع لكشوفات أميركية حول مدى صلته بجماعات سياسية لا تحبّذها واشنطن، مع العلم أن تعيينه في الأساس جاء بموافقة أميركية، ولو كانت لديه صلات مثل تلك، ما كان نال الموافقة.
بنتيجة ما تقدم، تكون نتائج الزيارة الأميركية قد قضت على أي آمال لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في عقد جلسة لحكومته يتخلّلها تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان مجرورة برزمة تعيينات تطال مواقع أخرى من بينها المجلس العسكري في الجيش. وتراوح المعطيات الجارية بين “إقلاع” ميقاتي عن الفكرة ربطاً بعدم تشجّع الاقطاب لها وبنتائج زيارة منصوري الأميركية، وتأجيلها مؤقتاً من دون أن يتخلى عنها بانتظار تغيرٍ قد يطرأ على الظروف. بالنتيجة، يكون منصوري قد حاز قبولاً أميركياً بعدما نال مباركةً أوروبية لتولي المنصب، فيما تبقى أمامه عقبة وحيدة: تأمين الغطاء السياسي المحلي. ومنطقياً، من الجائز القول إنه “في الجيب” تبعاً لعدم ممانعة أي فريق داخلي ما ترسمه الإدارة الأميركية لمستقبل المصرف المركزي!
ثمة شق ثانٍ يتعلق بكيفية إدارة “المركزي” ضمن “الفترة المؤقتة” المتفق عليها مع الأميركيين، وما طبيعة دور “المجلس المركزي” أو عملياً المجلس المؤلف من نواب الحاكم الأربعة الذين أضحوا ثلاثة بتولي منصوري زمام المركزي إضافةً إلى المديرين العامين في وزارتي المالية والإقتصاد، واستطراداً دور رياض سلامة. إذ يتبيّن بالفعل، أنه ما زال يحوز غطاءً أميركياً يكفيه للإستمرار. ويمكن القول إنه الشخص الوحيد في الجمهورية الذي يتمتع بهذه الدرجة من التغطية!
في الواقع، أخذت المعلومات تُشير إلى احتمالية حصول “شغور” في حاكمية المصرف المركزي من جراء احتمال إقدام عدد من نواب الحاكم على تقديم الإستقالة. فرضية محتملة لكنها تحتاج إلى غطاء من قبل المرجعيات التي تعتبر في الأساس مصدر تعيين هؤلاء. ومتى أن تلك المرجعيات ليست راغبة بالدخول في مواجهة داخل المصرف أو مع الأميركيين من ضمن معرفتها بمدى الإهتمام الأميركي الذي يحوزه، تصبح هذه الفرضية معدومة، رغم الإشارة إلى كون مجموعة من نواب الحاكم، لا سيما “الدرزي” منهم، كان نقل عنه وعنهم سابقاً، رغبتهم في الإستقالة مع إحالة رياض سلامة إلى التقاعد، على اعتبار أن الدور الأساس في المركزي يعود للحاكم، وهم مجرّد أتباع، ولن يصبح لهم أي دور في حال خروج الحاكم من مقرّه.
بالاضافة إلى ذلك هناك فرضية أخرى تتعلق بوضعية رياض سلامة المستقبلية. في مقالٍ سابق في “ليبانون ديبايت” جرت الإشارة إلى احتمال تعيينه “من ضمن صيغة إستشارية” داخل مصرف لبنان. وقد تبين لاحقاً أن رياض سلامة يناور محاولاً إخفاء ما يضمر، تارة من خلال الإيحاء أنه في وارد الخروج ولا يطمح لأي مكاسب، وطوراً مدعياً أنه سيرمي كل ثقل المركزي عن كاهله بمجرد حلول يوم 31 تموز.
غير أن المعلومات المستقاة عن مصادر المرجعيات المعنية، تؤكد أن قوى أساسية، من بينها رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميقاتي، يفضلان إبقاء سلامة في المركزي لإمرار “المرحلة الإنتقالية المؤقتة” ريثما يتم تعيين حاكم جديد. مثل هذه الصيغة ممكنة، كونها لا تحتاج إلى قانون في مجلس النواب، وليس من الضروري إصدار قرار في مجلس الوزراء. يكفي إصدار قرار من قبل “المجلس المركزي في مصرف لبنان” مربوطاً بمبدأ “تسيير المرفق العام”. فيتمّ تعيين رياض سلامة بصفة “مستشار في الحاكمية”. فيبقى متمتعاً بغطاءٍ ما بالإضافة إلى متابعة سير الأعمال من “مكتب” في الحمرا.
مثل هذه الفرضية، تمنح غطاءً قانونياً لرياض سلامة “الملاحق” والباحث عن حماية، وتحفظ المطالب الأميركية بتأمين حماية له، وتسعفه هو شخصياً في الفرار من الملاحقات الدولية الجارية في حقه.