ترأس البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، من المقر الصيفي للبطريركيّة المارونيّة في الديمان, القدّاس الإلهي في الأحد السابع من زمن العنصرة، وتقدمت الذبيحة الإلهية لراحة نفس الشابين مالك وهيثم طوق.
وبعد تلاوة الإنجيل المقدس, قال البطريرك الراعي في عظته: “أرحّب بعائلتي شهيدي القرنة السوداء من آل طوق الأعزّاء: وهما الشاب هيثم وربّ العائلة مالك اللذين ودّعناهما الإثنين الماضي بكثير من الأسى والدموع”.
وأضاف, “فإنّا نحيّي والدة الشهيد هيثم وشقيقيه وشقيقاته وعائلاتهم وسائر أنسبائهم في لبنان والمهجر, كما نحيّي زوجة المرحوم مالك وابنيه وابنتيه ووالدته وإخوته وإخته وعائلاتهم وسائر ذويهم في لبنان والمهجر نقدّم هذه الذبيحة الإلهيّة لراحة نفسيهما في الملكوت السماويّ، ولعزاء عائلتيهما, وأوجّه تحيّة حارّة لأهالي بشرّي الأحبّاء الحاضرين معنا مرافقين عائلتي الشهيدين, فإنّا بالتعاون معهم نحافظ على الهدوء والإستقرار بانتظار أن يقول القضاء كلمته, وكلّنا نلتزم قراره، لأنّنا جميعنا نحترم الدولة ومؤسّساتها ولا سيما القضاء والجيش وسائر الأجهزة الأمنيّة، لأنّها وحدها تسهر على سلامة جميع المواطنين دونما تمييز”.
وتابع: “إنّ المرحومين هيثم ومالك وقعا ضحيّة عدم احترام وتطبيق القرارات الإداريّة والقضائيّة الصادرة عن وزارة البيئة منذ سنة 1998، وعن القاضي العقاريّ في الشمال منذ سنة 1919، بشأن موقع جبل المكمل-القرنة السوداء، ومحلّة سهل سمارة المتنازع عليها. كلّ هذه القرارات تمنع الأعمال العامّة والخاصّة على سطح الأرض وباطنها، وجرّ المياه، وإنشاء بحيرات إصطناعيّة، حفاظًا على المياه الجوفيّة التي تغذّي الينابيع، وتسهيلًا لسير أعمال التحديد والتحرير”.
وأشار الراعي إلى أنه, “يتّضح بكلّ أسف أنّ عدم تطبيق القرارات القضائية والادارية المتخذة، ناتج عن تدخلات سياسية معروفة ومألوفة على حساب دولة القانون والمؤسسات وهيبتها, ولو تمّ تطبيق هذه القرارات العلمية الموضوعية المتجردة لما كانت استمرت المشكلة قائمة بنتائجها المأسوية، وآخرها مأساة سقوط الشهيدين هيثم ومالك طوق”.
ولفت إلى أنَّ, “المطلوب أيضًا وأيضًا رفع أيدي السياسيين وتدخلاتهم، التي تعيق عمل الأجهزة الأمنية المكلفة بتنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الادارية، وإيقاف الأعمال فوق أرض القرنة السوداء أو في باطنها، وبخاصة المتعلقة بالمياه، عملاً بالقوانين، التي تمنع التعاطي بالمياه متى كانت على ارتفاع يتجاوز الألفي متر, والمطلوب من البلديات المعنية في بشري وبقاعصفرين واهدن-زغرتا التجاوب مع طلب القاضي العقاري في الشمال لجهة تسهيل أعمال فِرق المسّاحين وتقديم الأوراق والمستندات الموجودة بحوزتها لانجاز هذه الأعمال واتمام عملية التحديد والتحرير”.
وأكّد أنَّ, “التعنّت في إبقاء الفراغ في سدّة الرئاسة، المقصود بكلّ أسف من أجل أهداف شخصيّة وفئويّة ومستقبليّة، قد أوصل إلى نتيجة حتميّة، تسمّى في المجلس النيابي المحوّل إلى هيئة ناخبة “تشريع الضرورة”، وفي حكومة تصريف الأعمال: “تعيينات الضرورة”, ومثل هذا التصرّف يهدم المؤسّسات الدستوريّة والعامّة ويفقدها ثقة الشعب والدول بها وهذه جريمة يرتكبها كلّ الذين يعطّلون عمليّة إنتخاب رئيس للجمهوريّة على الرغم من وجود مرشّحين قديرين”.
واستكمل, “فها المصرف المركزيّ في أزمة كيانيّة، ويطالب نوّاب الحاكم “بضرورة تعيين” حاكم جديد لمدّة ستّ سنوات، ويرفضون السير في التعيين بالوكالة لفترةٍ تنتهي مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة, وها الجيش اللبنانيّ يستدعي في حالة ظروفه الإستثنائيّة السير بتعيين “الضرورة”، حفاظًا على استمراريّة المؤسّسات الأمنيّة، لما في ذلك من ضرورة قصوى للإستقرار في لبنان والسلم الأهلي في ظلّ الأزمات المتلاحقة التي نعيشها”.
وقال الراعي: “إنّ الشغور الذي يطال المجلس العسكريّ في المؤسّسة العسكريّة والذي إذا استمرّ، قد يكون له مفاعيل سلبيّة جدًّا ليس على المؤسّسة العسكريّة فحسب، إنّما على الوضع الأمني في لبنان ككلّ, ففي ظلّ أي تغيّب قسريّ لقائد الجيش أو شغور في مركز القيادة، ليس من قائد آخر يتولّى المهمّة لأنّ مركز رئيس الأركان شاغر حتى الساعة، ما يترك الجيش دون قائد، وبالتالي سيصبح معرّضًا لكلّ أنواع المخاطر”.
وأضاف, “فما العمل؟ طبعًا الحلّ هو في انتخاب رئيس للجمهوريّة، والمرشّحان موجودان, والحلّ الآخر المرغم يبقى “بتعيينات الضرورة” لملئ الشغور في المجلس العسكريّ وبخاصّة مركز رئيس الأركان، حفاظًا على المؤسّسة العسكريّة التي تثبت أنّها الضامن للأمن والإستقرار في لبنان, وعلى الحكومة والمجلس النيابيّ تحمّل مسؤوليّة التبعات القانونيّة”.
وختم الراعي بالقول: “فلنصلِّ، الى الله القدير كي يحرّك ضمائر المسؤولين عن تعطيل انتخاب رئيس للجمهوريّة، فيعودوا عن غيّهم، ويدركوا حجم الأضرار اللاحقة بالدولة والشعب, فالله سميع مجيب”.