حمّل كتاب نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة إنذارًا مبكرًا إلى السلطة السياسية لضرورة التصرف والقيام بتعيين حاكم جديد للمركزي في إشارة واضحة أن المجلس المركزي للمصرف ونائب الحاكم الأول ليسوا بوارد تسلّم زمام الأمور مع انتهاء ولاية الحاكم آخر الشهر.
ولكن هذا الانذار الذي يشبه التهديد إلى حد بعيد، يجعل الامور أكثر تعقيداً في ظل الشغور الرئاسي وعدم وجود حكومة أصيلة بل حكومة تصريف الاعمال التي لا يمكنها إلا تصريف الاعمال بالمفهوم الضيق، فما هو رأي القانون والدستور بقيام هذه الحكومة بتعيين حاكم جديد, وما هو المخرج القانوني الذي ستستند اليه؟
ويؤكد مرقص، أن “الكتاب الذي أصدره نواب الحاكم هو بمثابة اجراء يكسبهم خطوط دفاع استباقية استدراكًا لأي مسؤوليات ستقع عليهم مع الاطالة في فترة الشغور الرئاسي وتصريف الاعمال والاستنكاف عن تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي حسبما تؤشر إليه الامور، أما عبارة الاجراء المناسب الذي يمكن أن يتخذوه فهو ليس بالضرورة أن يكون حتميًا ولكنه يمكن أن يكون استقالة فردية أو جماعية بمعنى واحدة تلو الاخرى”. ويضيف, “هذا ليس بالأمر السهل بسبب المسؤولية الملقاة عليهم حتى عند تقديم استقالتهم في هذا الظرف والحاد والاستثنائي بسبب المرحلة والظروف النقدية والمصرفية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد مما يجعل البقاء عليهم مكلف والاستمرار في المنصب مكلف كما الاستقالة أيضًا ستكون مكلفة”. أما بالنسبة لدستورية قيام حكومة تصريف الاعمال بتعيين حاكم جديد، فيوضح أن “حكومة تصريف الاعمال بالاصل تقوم فقط باتخاذ القرارات الضرورية اللازمة وبالحد الادنى لاستمرار المرافق العامة وبالتالي يجب التفريق بين الاعمال التصرفية التي لا يعود لحكومة تصريف الاعمال القيام بها والاعمال العادية المتعلقة بتسيير المرفق العام، وما معنا أن التعيينات الادارية لا تقع في المبدأ ضمن صلاحيات حكومة تصريف الاعمال”. ويقول مرقص: “خصوصاً عندما يأتي الامر لحاكم مصرف لبنان الذي يقترح تعيينه من قبل وزير المال وفق المادة 18 من قانون النقد والتسليف إلّا أن العرف درج على أن يقوم رئيس الجمهورية بتزكية تعيينه في مجلس الوزراء بأكثرية ثلثي أعضاء مجلس الوزراءعلى إعتبار أنه من الفئة الاولى التي تتطلب هذه الاكثرية الموثوقة للتعيين”. ويستدرك, “أما وإن الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية في البلاد هي ظروف حادة واستثنائية جدًا وتنبئ بإنهيار شامل وسريع أكثر مما هو عليه حالياً بسبب الاطالة والتمادي في عدم انتخاب رئيس للجمهورية حيث لا يلوح في الافق أي مؤشرات لذلك، وبالنظر إلى قرب إنتهاء ولاية الحاكم وتحذير نوابه من عدم انتخاب حاكم جديد الامر الذي سيؤدي إلى ضرر كبير على المرفق العام النقدي والمصرفي فإن هذه الضرورة الملحة يمكن الاستناد إليها لتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي قياساً على تجارب حديثة حصلت مع حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي السابقة في 2013 مع تعيين رئيس وأعضاء هيئة الاشراف على الانتخابات وقبلها، أي قبل أن يضيق مفهوم تصريف الاعمال قبل الطائف مع حكومة الدكتور سليم الحص رغم أن هذا المعنى لتصريف الاعمال قد ضاق مع التعديلات الدستورية التي أتى بها اتفاق الطائف في أيلول 1990”. ويشير إلى أنه, “يبقى موضوع حلفان اليمين في حال تعيين حاكم في مثل هذه الضرورات النقدية والمصرفية والذي يمكن تأجيله ويحلف اليمين لاحقاً، إسوة بما حصل مع لجنة الرقابة على المصارف وتعيين الدكتور سمير حمود وآخرين”. ويخلص مرقص إلى أن, “ذلك كله مع الخشية من تحريك الوضع النقدي في البلاد سواء بسبب التدهور الحاصل أو لأسباب مصطنعة ومختلقة يمكن أن تؤدي إلى إفتعال المزيد من الانهيارات النقدية والمصرفية التي معها يتحتم تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي من حكومة تصريف الأعمال على نحو استثنائي وضيق جدًا حيث أن مفهوم تصريف الاعمال إن كان ضيقاً فهو يتسع مع الاطالة في فترة الشغور الرئاسي”. |