بِقَلَم: د. وجيه فانوس
رئيس المركز الثقافي الإسلامي
لا يُمكن النَّظر إلى ما حصل في «مرفأ بيروت»، يوم الثُّلاثاء الرَّابع من آب ٢٠٢٠، على أنَّه مجرَّد عملٍ إجرامِيٍّ أو نتيجة فعلٍ تخريبيٍّ أو بسببِ إهمالٍ ناجمٍ عن فسادٍ ما؛ فما حدث، لا يُمكن أن يعني سوى السُّقوط الكُليِّ لنظام المحاصصة الطَّائفي المُسْتَشْري، الذي لَمْ يُراعِ أيَّةَ قيمةٍ لحقيقةِ الوطنِ؛ كما أنَّه سقوطٌ أتى حصيلةَ التَّناتُشِ التَّكاسبيِّ الأنانيِّ، الذي لَمْ يحترم إنسانِيَّةَ المُواطنِِ في لبنان؛ وهو، كذلك، سقوطٌ نَتَجَ جَرَّاء التَّعامي، السِّياسيِّ القاتِل، عن مَبْدأ أنَّ «السِّياسةَ خادمةٌ للوطن» وليس أنَّ «الوطنَ أداةٌ رخيصةٌ للسِّياسة».
لقد سقط هذا النِّظام بكليَّتهِ، ولم يعد مقبولاً أيّ دفاع عن وجوده؛ أما الشُّهداء، فلم يموتوا على الإطلاق، إذ هم قد ارتقوا معزَّزين إلى رحاب ربٍّ كريم؛ وأما الجرحى، فمهما كانت أوجاعهم، فإنهم سيبقون إلى يوم شفائهم، نزلاء قلوبٍ رحيمةٍ وعيونٍ يقظةٍ وأيدٍ مُحِبَّةٍ ومُضَحِّيَةٍ؛ وأما المفقودون، فلن يضيعوا، بل هم صامدون في كلِّ وجدانٍ وطنيٍّ ينادي بالحقِّ الإنسانيِّ في عيشٍ يحترم وجود الإنسان بكل معانيه وقيمه. إنَّ الوحيد الذي سقط وانهار وتحطَّم إلى غير رجعةٍ، هو هذا النِّظام الذي ما قام إلاَّ على طائفيَّة لا تحترم الأديان ومحاصصة لا تحترم الحقَّ واستزلامٍ لا يحترم الإنسان. سقط النِظام الطَّائفيُّ؛ نعم، لقد سقط.
ترى «ندوة العمل الوطني»، انطلاقاً من مبادئها الوطنيَّة ورؤياها إلى الواقع المرِّ الذي يعيشه لبنان:
أوَّلاً: لا بدَّ من قيام تحقيق موضوعي شفَّاف ومسؤول، يكشف عن وقائع هذا الحدث الجَلَل؛ ولا بدَّ، كذلك، من محاكمة عادلة تطال كلَّ من هو مسؤول عن ما حصل، أيَّاً كان مركزه.
ثانياً: إن الاستمرار في اعتماد مفاهيم الطَّائفيَّة السَّياسيَّة، لم يعد سِوى مُخالَفَةٍ هدَّامَة للبَنْدِ (ح) مِنْ «مُقدِّمَةِ الدُّستورِ اللُّبنانيِّ»؛ التي تَنُصُّ عَلى أنَّ «إلغاءَ الطَّائفيَّةِ هَدَفٌ وَطَنِيٌّ أَساسِيٌّ»؛ وتؤكِّد «النّدوة» أنَّ بقاءَ هذا النِّظام الطَّائفيّ فاعلاً، بَعْدَ أربعٍ وتِسعينَ سنةً مِنْ صدورِ الدُّستورِ؛ ليسَ سوى خَطِيئةٍ تُنتهكُ، بكلِّ صراحةٍ فاجرةٍ ومتعمَّدةٍ، المادَّة ٩٥ مِن الدُّستورِ اللُّبنانيِّ الصَّادرِ، قبلَ سبعٍ وسبعينَ سنةٍ، ١٩٤٣، وللقانونِ الُّدستوريِّ الصَّادرِ، منذُ ثلاثينَ سنةٍ، ١٩٩٠؛ إذْ الهدفُ واضحٌ وجَلِيٌّ يَفْرُضُ، مٌنْذُ تلكَ العقودِ والسِّنين، «اتِّخاذَ الإجراءاتِ المُلائِمَةِ لِتحقيقِ إلغاءِ الطَّائفيَّةِ السِّياسيَّة»؟!
ثالثاً: تدعو «ندوة العمل الوطني» اللُّبنانيينَ، بِما لَديهِم مِن ثَرَواتٍ عقليَّةٍ وغِنىً ثقافِيٍّ، وبما يُمَثِّلهُ أبناؤهُم مِن طموحاتٍ راقِيةٍ، وما يَنْهَضُ في مجتمعِهِم مِن مؤسَّساتٍ أهليَّةٍ ومنظَّماتٍ لِلحقِّ المدنيِّ، وما يَضُمُّهُ بَلَدُهُم مِن تَجَمُّعاتٍ شَعبِيَةٍ واعيةٍ، أنْ يَنْتَظِموا فيما بَيْنَهُم، وِفاقاً للبندِ (د)، مِن «مُقدِّمَةِ الدُّستورِ»:»الشَّعبُ مَصْدَرُ السُّلطاتِ وصاحبُ السِّيادةِ»؛ إلى العمل الجدّيِّ والمسؤول لانعقاد مؤتمر شعبيٍّ وطنيٍّ، سَعْياً إلى قيامِ نِظامِ المُواطَنَةِ؛ إذ هو النِّظامُ الذي يَسْتَجيبُ، قَوْلاً وعَمَلاً، للمادَّةِ السَّابِعَةِ مِن «الدُّستورِ»، «كلُّ اللُّبنانيينَ سواءٌ لدى القانون، وهم يتمتَّعونَ بالسَّواءِ بالحقوقِ المَدَنِيَّةِ والسِّياسيَّةِ؛ ويَتَحمَّلونَ الفرائضَ والواجباتِ العامَّةِ دونَ ما فَرْقٍ بَيْنَهم».
إنَّ «ندوة العمل الوطنيِّ»، تؤكِّدُ أنَّ أيَّ انتظارٍ أو تَسويفٍ أو مراوغةٍ، في هذه الأمور، لا يُمكنُ إلاَّ أن تقُودَ إلى متابعةٍ كارثيَّةٍ هوجاءَ في اغتيالِ الوَطَنِ وإلغائه.