الصدفة أم حسن حظ اللبنانيين، قد ساهم في فضح الخطة الكارثية التي جاهر بها نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة أمس في ساحة النجمة، وهي “السطو” على ما تبقى من ودائع اللبنانيين المتمثلة بالإحتياطي الإلزامي في المصرف المركزي؟
لم يكن ينقص المودعين الخائفين على أموالهم، إلاّ أن يتولى مسؤولية النقد، أشخاص هدّدوا في الأسبوع الماضي بالإستقالة، من أجل فرض خطتهم التي ستسرِّع الإنهيارات في البلاد، وتضع مستقبل اللبنانيين أمام نفق مظلم.
هل يجوز أن يكون مصير البلد معلّقاً بأربعة أشخاص أطلّوا بالأمس من مجلس النواب، حيث عرضوا بجرأة غير مسبوقة، مشروعهم النقدي الكارثي الذي يصحّ وصفه ب”الجنوني”، لأن خطتهم هي استكمال لخطة حكومة حسان دياب، والتي كان محورها قرار الإمتناع عن دفع سندات “اليوروبوند”، ما أدى إلى الإنهيار المالي الكبير؟ وبالتالي، فإن ما عجز دياب عن القيام به، يقوم به اليوم نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، من خلال العمل على إلغاء منصة “صيرفة”، وذلك من دون أن يدركوا أو يملكوا أي تصوّر أو تقديرات علمية لانعكاسات ذلك على سعر الدولار، وما إذا كانت ستدفع به إلى الإرتفاع، وعلى الشارع الذي قد تنفجر فيه الثورة مجدداً، أو على الموازنة العامة التي ستناقشها الحكومة في الأسبوع المقبل، والتي وضعت أرقامها على أساس منصة “صيرفة”؟
وقد توقف الباحث والخبير الإقتصادي الدكتور محمود جباعي، عند “الحركة” التي قام بها نواب الحاكم بالأمس في المجلس النيابي، عندما طالبوا بالحصول على تشريع من أجل صرف الإحتياطي الإلزامي، واعتبر الأمر خطيراً جداً وكارثياً. وتساءل المحلِّل جباعي في حديثٍ ل”ليبانون ديبايت”، كيف يمكن لهؤلاء الحكام أن يجرؤوا على التفكير بهكذا قرار، علماً أن هذه الأموال تعود للمودعين وهي حق لهم، وهذا يتناقض مع ما كانوا يقولونه سابقاً عن أن رياض سلامة، يبدّد أموال المودعين عبر منصة صيرفة؟
ويستغرب جباعي، ما يصفه ب “التناقض في مواقف نواب الحاكم، خصوصاً وأن رياض سلامة لم يكن يبدِّد أموال المودعين، بل يقوم بشراء الدولار من السوق عبر عملية circulation نقدية بأسعار معينة، ويعمد إلى بيعه بسعر أقل عبر المصارف، وذلك، من أجل ضبط سعر الصرف أو من أجل تأمين رواتب الموظفين من أجل تشغيل قطاعات الدولة المختلفة”، مشيراً إلى أن كل هذا يؤكد أنه إذا كانت المرحلة المقبلة، ستُدار بهذه الطريقة العشوائية، فهذه الإدارة ستأخذ البلد إلى كارثة ستكون أكبر وأخطر من الوضع الذي هو فيه اليوم”.
ومن ضمن هذا السياق، يدعو جباعي المجلس النيابي إلى “عدم التفكير حتى بتشريع مثل هذا القرار الخطير، لأن حجر الزاوية في أي حل لأزمة الودائع، مرتبط بالإحتياطي الإلزامي، الذي يطالب المودعون الدولة بزيادته ومن ثم تحميل الدولة والمصارف المسؤولية عن الأزمة من أجل حلها”.
لذلك، يستغرب جباعي كل ما يطرح من أفكار من قبل نواب الحاكم “وكأنهم وصلوا اليوم، علماً أنهم في السلطة منذ 3 سنوات تقريباً ولم نسمع لهم صوتاً أو اعتراضاً على أي قرار أو حتى خططهم للمرحلة المقبلة، فلماذا يطرحون اليوم مثل هذه الأفكار الخطيرة”. وبرأي جباعي، فإن بعض نواب الحاكم سلامة، يتماهون مع صندوق النقد الدولي من أجل القيام بتحرير سعر صرف الدولار “خدمةً لمطالب الصندوق، غير آبهين بالكوارث التي ستحلّ على مجموعة كبيرة من اللبنانيين، وخاصة الموظفين في القطاع العام والخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة”.
وعن مرحلة ما بعد 31 تموز، يرى جباعي، أنها “تتّسم بالضبابية، وهذا الأمر يستدعي من القوى السياسية اتخاذ إجراءات، حتى ولو لم تكن شعبوية من أجل الحفاظ على المرفق العام والمصلحة العامة”.
ويستغرب جباعي، الحديث عن منصة مرتبطة ب”بلومبيرغ” حيث أن هذه المنصة “غير واضحة المعالم، وتسعى بشكل واضح إلى تعويم سعر الصرف لا ضبطه، لأنها ترتبط بحركة العرض والطلب في السوق، والكل يعلم ونواب الحاكم يعلمون، أن السوق مرتبط بمضاربين هم أقوى من المصارف ومن مصرف لبنان، وسيقومون بالمضاربة على حساب الليرة، وستكون هذه المرحلة مرحلة تخبّط وتستلزم قرارات جريئة من رجال الدولة في لبنان وعدم ترك الأمور للصدفة أو إلى أشخاص لا يملكون الكفاءة أو المهارة لإدارة مصرف لبنان المركزي والوضع النقدي”.