خَرَجتِ مِنَ الحَمَّامِ عارِيَةَ الصَّدرِ، مُبَلَّلَةَ الأَردافِ والنَّحْرِ والخَصْرِ
فَمالَ نَسِيمُ الصُّبْحِ يَحضُنُ ما انجَلَى، ويَلثِمُ ما لَفَّ الرُّواءُ(1) مِنَ الزَّهْرِ
وأَرخَى سَناهُ طالِعُ الفَجرِ واندَرَى(2) على السُّمْرَةِ الشَّهْوى(3)، وفي ضَرَمِ الجَمْرِ
فَأَلقَيتِ فَوقَ الحُسْنِ شَعَّ غِلالَةً بَدَت كَسَحابٍ شَفَّ عن أَلَقِ البَدْرِ
وأَمسَكتِ بِــ «البُرْنُوسِ»(4) تُخفِينَ فِتنَةً لَكَم بانَ سِحْرٌ في نَداوَتِها يَبْرِي
وكانَ نَصِيبِي أَن أَرَى فَحَمَلتِنِي إِلى عالَمٍ كَم في لَذاذَتِهِ يُغْرِي
فَخِلتُ بِأَنَّ الخَمْرَ أَصبَح بُرْدَةً، فَهَل بِتِّ فِينا، اليَومَ، أُعجُوبَةَ الخَمْرِ؟!
وكَوكَبَ في الشَّعْرِ المُرَفرِفِ بارِقٌ، وحُمَّ رَحِيقُ البَضِّ في الجَسَدِ السِّحرِي
فَأَحسَستُ أَنَّ الشَّوقَ يُوقِدُ أَضلُعِي، وَأنَّ دَبِيبًا كَاللَّظَى في دَمِي يَسرِي
فَيا قَلَمِي هاتِ الخَواطِرَ لَدْنَةً، وَأَينَكَ مِن هَذِي الوَقِيعَةِ يا شِعْرِي؟!
قَوافِيَّ باتَت، في هَواكِ، أَسِيرَةً، وبِتُّ أَنا المَأسُورَ يُلهِبُنِي أَسْرِي
وها أَنا في التَّيَّارِ يَحمِلُنِي الجَوَى، إِلى الفِتنَةِ الحَمرا فَيُربِكُنِي كِبْرِي(5)
فَيا جارَتِي مَهما تَداعَت ركائِزٌ بَنَيتُ عليها كُلَّ ما عَزَّ مِنْ أَمرِي
ومَهما شَكا رُشدِي إِلى شَيْبِ لِمَّتِي(6)، وَعِيْلَ أَمامَ الضَّعْفِ في هِمَّتِي صَبْرِي
فَلا تَحجُبِي عَنِّي الطِّلَى(7) فَأَنا غَوٍ(8)! حَياتِي فِدَى هذا الجَمالِ غَدَت مَهْرِي(9)
وغُلِّي بِحِضْنِ البُرْنُسِ الرَّغْدِ، لَيتَنِي أَنا ذلك «البُرْنُوسُ» ما طالَ مِن عُمرِي!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): الرُّواءُ: حُسْنُ المَنظَرِ في البَهاءِ والجَمال
(2): اندَرَأَ السَّيلُ: اندَفَعَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ لا يُعلَمُ بِهِ / اندَرَأَ الحَرِيقُ: انتَشَرَ
(3): شَهْوى: الشَّدِيدَةُ الرَّغبَةِ في الشَّيء
(4): بُرُنُس: رِداءٌ ذُو كُمَّيْنِ يَتَّصِلُ بِهِ غِطاءٌ لِلرَّأسِ يُلبَسُ بَعدَ الاسْتِحمام / البُرْنُوسُ: تَحرِيفٌ لِكَلِمَةِ بُرْنُس
(5): الكِبْرُ: عَظَمَةٌ وتَجَبُّرٌ وتَرَفُّعٌ عَنِ الانقِيادِ
(6): لِمَّة: شَعرُ الرَّأسِ المُجاوِزُ شَحْمَةَ الأُذُن
(7): الطِّلَى: اللَّذَّة
(8): غَوِيّ: مُمعِنٌ في الضَّلال / شابٌّ غَوِيٌ: ضالٌّ، مُنقادٌ لِلهَوَى
(9): المَهْرُ: صَداقُ المَرأَة: ما يَدفَعُهُ الزَّوجُ إِلى زَوجَتِهِ بِعَقْدِ الزَّواج