الطائفة السنّية: لا لزعامة سعد الحريري

ما تفتقده الطائفة السنّية على المستوى السياسي لا يتعلّق فقط بغياب “الزعيم” أو “القائد”، والمقصود هنا الرئيس سعد الحريري الذي لا يمكن لأحد إنكار زعامته وحجمه على مستوى الوطن رغم خروجه من اللعبة السياسية منذ ما قبل الإنتخابات النيابية.

الطائفة السنّية لطالما ولدت شخصيات وطنية وزعامات مناطقية، ولم تكن يوماً إلاّ في قلب المعادلات الوطنية، ومن المعيب ربط مصيرها أو دورها بشخصيات محددة مهما كبر حجمها، لكن هذا لا يعني أن الطائفة لا تمرّ بظروفٍ صعبة وتحديات لا بدّ من مواجهتها.


الملف الرئاسي وغيره من الإستحقاقات الهامة أظهرت ضعف القوى السياسية السنيّة، حتى ظنّ البعض أن النواب السنّة غير معنيين بمشروع تكوين السلطة والحفاظ على اتفاق الطائف وضمان بقاء لبنان على الخريطة الدولية والعربية.

الفرق بين النواب السنّة وغيرهم، هو عدم تجمّع النواب السنّة في إطار حزبٍ سياسي أو تكتل نيابي كبير، عكس المسيحيين والشيعة والدروز. وهذا ما يمنع وجود “بلوك” سنيّ كبير يواكب الإستحقاقات والمشاريع بصوتٍ واحد وقرار واحد.

أيام الرئيس سعد الحريري، كان معظم النواب السنّة (أكثر من نصفهم) يلتزمون بخيارات وقرارات تيار “المستقبل”، لذلك كنا نرى الطائفة معنية بأي إتفاق أو تسوية، ولا يتمّ إنجاز أي استحقاق خارج إرادة الطائفة على المستوى السياسي.

أمّا اليوم، وفي ظل غياب الحزب الكبير الجامع، بات كل نائب من النواب السنّة لديه الحرية المطلقة في اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً، وبما أن الإختلاف السياسي الواضح بين نواب الطائفة يمنع توافقهم على فكرةٍ أو قرارٍ ما، يصبح القرار السنّي ضعيفاً مقارنة بباقي الطوائف التي يجتمع نوابها تحت سقف أحزاب سياسية كبرى، ك”القوات اللبنانية” والكتائب و”التيار الوطني الحر” وحركة “أمل” و”حزب الله” والحزب التقدمي الإشتراكي.

إضافةً إلى هذا الواقع، لم يبرز من بين النواب السنّة من هو قادر على قيادة المرحلة ولو مؤقتاً، ولم ينجح النواب المذكورون في تشكيل تكتل سنّي كبير عابر للمناطق، بل غالباً ما نراهم منقسمين مختلفين، لكل منهم حلم أو هدف يسعى لتحقيقه ولو على حساب الطائفة ودورها.

ويمكن القول إن كل محاولات إيجاد البديل عن سعد الحريري فشلت، بدايةً من الرئيس فؤاد السنيورة الذي مُني بهزيمة مدوية في الإنتخابات النيابية، والنائب فؤاد مخزومي الذي لم ينجح في إغراء زملائه النواب وغيرهما من الشخصيات التي لم تنجح في تولي قيادة الطائفة ولو بالمعنى الضيق للكلمة.

بين الوضع الحالي الذي يعتبره البعض تشرذماً والبعض الآخر تنوعاً، وما ينتج عنه من ضعف القرار السنّي وإبعاده عن ساحة القرار، وبين الوضع السابق الذي تجلّى بزعامة الحريري شبه المطلقة وتحكّمه بمعظم المقاعد النيابية التي عمل أصحابها وفق مصالح الزعيم نفسه وبعض المنتفعين المقربين منه، فإن أبناء الطائفة السنّية غير سعداء بالحالة الهشّة التي تخيّم على واقعهم السياسي اليوم. لكنهم، ورغم حنينهم للحريري كزعيم، إلاّ أنهم ليسوا راضين عن معظم قراراته أكان بتحالفه مع “حزب الله” تحت مسمّى “ربط النزاع” أو بتحالفه مع الرئيس السابق ميشال عون وصهره جبران باسيل، تحت مسمّى “التسوية الرئاسية” أو بموافقته على قانون الإنتخاب الجديد الذي مزق الطائفة وشرذمها.